أهاجَتْكَ دارُ الحَيِّ وَحْشاً جَنابُها
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
أهاجَتْكَ دارُ الحَيِّ وَحْشاً جَنابُها | أَبَتْ لم تكلِّمْنا وعَيَّ جَوابُها |
نعم ذكرتنا ما مضى وبشاشة | إذا ذكَرتها النفسُ طالَ انتحابُها |
وعَيْشاً بسُعْدَى لانَ ثم تَقَلَّبَتْ | به حقبة ٌ طال النفوس انقلابها |
كَأَنْ لم يَكُنْ ما بَيْنَنا كان مَرَّة ً | ولم تغن في تلك العراص قبابها |
ألا لن تعود الدهر خلّة بيننا | ولكن إياب القارظين إيابها |
وعهدي بها ذَوَّابَة ُ الطَّرْفِ تنتَهِي | إلى رملة منها هيالٍ حقابها |
وما فَوقَهُ لَدْنُ العَسِيبِ وشاحُهُ | يُغَنِّي الحَشا اثناؤُها واضطِرابُها |
وتضحَكُ عن حَمْشِ اللِّثاثِ كَأنَّما | نشا المسك في ذوبِ الّنسيل رضابها |
على قرقف شجّت بماء سحابة ٍ | لشربٍ كرامٍ حين وفتّ قطابها |
لها وارِدٌ دانٍ على جِيدِ ظَبْيَة ِ | بسائلة ميثاء عفرٍ ذئابها |
دَعاها طَلاً خافَتْ عليهِ بجِزْعِها | كواسب لحم لا يمنّ اكتسابها |
إذا سمعت منه بغاماً تعطّفت | وَراعَ إليه لُبُّها وانسِلابُها |
أَلمَّتْ بنا طَيْفاً تَبَدّى ودُونَهُ | مَخاريقُ حِسْمى قُورُها وهِضابُها |
كأنَّ خُزامَى طَلَّة ٍ ضافَها النَّدَى | وفارة مسك ضّمنتها ثيابها |
فكِدتُ لذِكْراها أطِيرُ صَبابَة ً | وغالَبْتُ نَفْساً زادَ شوقاً غِلابُها |
إذا اقَتربَتْ سُعْدى لجَجْتَ بِهَجْرِها | وان تغترب يوماً يرعك اغترابها |
ففي أيّ هذا راحة ٌ لك عندها | سواءٌ لعمري نأيها واقترابها |
تُباعِدُها عندَ الدُّنُوِّ ورُبَّما | دنت ثم لم ينفع وشد حجابها |
وفي النَّأْيِ منها ما عَلِمْتَ إذا النَّوى | تجرّد ناويها وشدّت ركابها |
كفى حزناً ألا تزال مريرة ٌ | شطونٌ بها تهوي يصيح غرابها |
يقول لي الواشون سعدى بخيلة ٌ | عليك معنٍّ ودّها وطلابها |
فدعها ولا تكلف بها إذ تغيّرت | فلم يبق إلا هجرها واجتنابها |
فقلتُ لهمْ سُعْدى عليَّ كريمة ٌ | وكالمَوْتِ بَلْهَ الصُّرْمِ عندي عِتابُها |
فكيف بما حاولتم إنَّ خطّة ً | عرضتهم بها لم يبق نصحاً خلابها |
وسعدى أحب الناسِ شخصاً لو أنها | إذا أصقبت زيرت وأجدى صقابها |
ولكنْ أَتَى من دُونِها كَلِمُ العِدى | ورَجْمُ الظُّنُونِ جَوْرُها ومُصابُها |
فأمستْ وقد جُذَّتْ قُوَى الحبلِ بَغْتَة ً | وهرّت وكانت لا تهرّ كلابها |
وعاد الهوى منها كظلّ سحابة ٍ | ألاحت ببرق ثم مرّ سحابها |
فلا يَبعدَنْ وَصلٌ لها ذهبتْ بهِ | ليالٍ وأيّامٌ عنانا ذهابها |
ولا لذّة العيش الذي لن يردّه | على النَّفْسِ يوماً حُزْنُها واكتِئابُها |
ولا عبراتٌ يترع العين فيضها | كما فاض من شكِّ الصّناع طبابها |
إذا أغرقت إنسانها وسواده | تَداعى بِمِلْءِ النَّاظِرَين انْسِكابُها |
ومن حُبِّ سُعْدى لا أقولُ قصيدة ً | أُرَشِّحُها الا لسُعْدى شِبابُها |
لها مهلٌ من ودِّنا ومحّلة ٌ | من القلب لم تحلل عليها شعابها |
فإنْ تَكُ قد شَطَّتْ عُرْبَة ُ النَّوى | وشَرَّفَ مُزْداراً عليك انْتِيابُها |
فقد كنت تلقاها وفي النفس حاجة ٌ | على غَيرِ عَيْنِ خالياً فتَهابُها |
وتشفق من إحشامها بمقالة | إذا حضرت ذا البثِّ غلّق بابها |
فلا وابيها ما دعانا تهالكٌ | إلى صُرْمِها إنْ عَنَّ عَنَّا ثَوابُها |
وما زالَ يَثِنيني على حُبِّ غيرِها | وإكرامِهِ إكْرامُها وحِبابُها |
وقَولي عسَى أن تَجْزِني الوُدَّ أَو تَرى | فتعب يوماً فكيف دأبي ودأبها |
وكم كَلَّفَتْنا من سُرى جَدِّ ليلة ٍ | حَبيبٌ إلى السَّاري المُجِدِّ انْجِيابُها |
كأن على الأشرفِ ضربَ جليدة ٍ | ندايف برسٍ جلِّلتهُ حدابها |
ومن فَوْرِ يومٍ ناجِمٍ متضَرَّمٍ | بأجْوازِ مَوْماة ٍ تَعاوى ذِئابُها |
يَظَلُّ المَها منها إلى كلِّ مَكْنِسٍ | دُموجاً إذا ما الشمسُ سالَ لُعابُها |
ووالَى الصَّريرَ الجُنْدُبُ الجَوْنُ وارتقتْ | حَرابِيُّ في العيدانِ حانَ انتِصابُها |
تَكادُ إذا فارتْ على الرَّكْبِ تَلْتَظي | وديقتها يشوي الوجوه التهابها |
قطعتُ بمجذام الرَّواح شملَّة | إذا باخَ لَوْثُ العِيسِ ناجٍ هِبابُها |
سَفينة ِ بَرٍّ حين يُستَوقَدُ الحَصى | ويَزدالُ في البِيدِ الشُّخوصَ سَرابُها |
وإنِّي لَمْنْ جُرثومَة ٍ تَلتَقي الحَصى | عليها ومن أنسابِ بكرٍ لبابها |
ومن مالكٍ آلِ القلّمسِ فيهمُ | لنا سِرُّ أعراقٍ كريمٍ نِصابُها |
وعَبدُ مناة َ الأكثَرُونَ لِعِزِّهِمْ | بَوادِرُ يُخْشى حَدُّها وذُبابُها |
عرانين تنميها كنانة قصيرة ً | نِصابُ قُريشٍ في الأرُومِ نِصابُها |
وفرعُ قريشٍ فرعنا وانتسابنا | الى والدٍ محضٍ اليهِ انتسابنا |
قرابَتُنا من بينَ كلِّ قرابة ٍ | وليست بدعوى جلَّ عنها اجتلابها |
ومكَّة ُ من يُنْكِر من النَّاسِ يَلْقَنا | بِمعرفَة ٍ بَطْحاؤُها وخِشابُها |
فنحن خيار الَّناس كلُّ قبيلة ٍ | تذلُّ بما نقضي عليها رقابها |
ورثنا رسولَ الله بعد نبَّوة ٍ | خلافة ملكٍ لا يرامُ اغتصابها |
وعَدْلاً وحُكماً تنتهِي عند فَضْلِه | ونخمد نار الحرب يصرف نابها |
وما جبلٌ إلا لنا فوقَ فرعهِ | فُروعُ جِبالٍ مُشْمَخِرٌّ صِعابُها |
وهل أحدٌ إلا وطئنا بلاده | بِملمومَة ِ الأركانِ ذاكٍ شِهابُها |
كَتايبُ قد كادَتْ كَراديسُ خَيلِها | يَسُدُّ اسِتجاراً مَطْلعَ الشمسِ غابُها |
لو أنَّ جموع الجنِّ والإنس أجلبت | وإنْ غَضِبُوا أوهى الأدِيمَ غِضابُها |
لنا نَسبٌ مَحْضٌ وأحلامُ سادة ٍ | بُحورٌ لدى المعروفِ طامِ عُبابُها |
وألوية ٌ يمشونَ للموتِ تحتها | إذ خَفَقَتْ مَشْيَ الأُسودِ عُقابُها |
هم يحلبون الحرب أخلاف درِّها | ويمرونها حتى يغيض حلابها |
وهم خيرُ من هزَّ المطيَّ وأقصرت | جمار منى ً يوماً ولفّت حصابها |
وأكرمُ من يَمشي على الأرضِ صُفِّيَتْ | لهم طيبة ٌ طابت وطاب ترابها |
مُلوكٌ يَدينونَ المُلوكَ إذا أَبَوْا | فلم يأذنوا لم يرجَ كرهاً خطابها |
وما في يدٍ نلنا بها ذاحميَّة ٍ | وإن ذاق طعم الذلِّ الا احتسابها |
إذا ما رَضُوا كان الرِّضاءُ رِضاءَهَمْ | وإن غضبوا أو هى الأديم غضلبها |
ولولا هم لم يهتد الناس دينهم | وضّلوا ضلال النِّيب تعوي سقابها |
ولم يَهْلِكُوا إلاَّ على جاهِلِيَّة ٍ | عَصاها عَليهمْ تُرتَبٌ وعَذابُها |
ولكنْ بِها بعدَ الإلهِ تَبَيَّنُوا | شَرايعَ حَقٍّ كان نوراً صَوابُها |
وما أخذتْ في أوَّلِ الأَمرِ عُصْبَة ٌ | لنا صَفِرَتْ من نُصْحِ جَيْبٍ عِيابُها |
ونحنُ وجوهُ المُسْلِمينَ وخَيُرهمْ | نِجاراً كما خَيْرُ الجِيادِ عِرابُها |