عَادَ حقّاً أَنَّ الْمَحَلَّةَ كُبْرَى
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
عَادَ حقّاً أَنَّ الْمَحَلَّةَ كُبْرَى | بَعْدَ تَعْطِيِلهَا مِنَ النَّعْتِ دَهْرَا |
فاحْمِدُوا اللّهَ بُكْرَةً وأَصِيلا | يَا بَنِيهَا ثمَّ احْمِدُوا بَنْكَ مِصْرا |
هَذه غُرَّةُ الْمَآثِرِ فِيمَا | لَكَ يَا حَرْبُ منْ مَآثِرَ أُخْرى |
قَدْ عَرفْنَاك كاتِباً وخَطِيباً | وَحَسِيباً وَفَوقَ ذِلكَ دِثرا |
مَا عَرَفْناك وَالْقَوَافِي بِناءٌ | قبْلَ هَذي الأَبْياتِ تُنْشِئُ شِعْرا |
رَاعَ أَلْبَابَنا بِكُلِّ بَيَانٍ | وبَديعٍ ما كَانَ بِالأَمْسِ فِكْرَا |
خلَقْتَ بَلْدَةً نطالِعُ شَطْرَاً | مِنْ أَعَارِيضِهَا ونَتْركُ شَطرَا |
شَيَّدْتَ مِنْ صِغَارِ صَوْبٍ إِذَا مَا | إِسْتَمْسكَتْ عَادَ أَجمُعُ الصرْحِ صَخْرا |
بُطِّنَتْ بِالْحَديدِ وَاخْتَلَفَتْ | أَصْوَاتُ آلاتِهَا أَزِيزاً وَزَأْرَا |
وَأُدِيرَتْ بِمَا يُبَددُهُ الْمَاءُ | وَأَنْفَاسُهُ الطَّلِيقَةُ حَرَّى |
وَأُنِيرَتْ بِمَا تُوَلَّدْ مِنْ كُلِّ | شِهَابٍ فِي جَوْفِهَا كانَ سِرَّا |
خَلَقْتَ بَلْدَة لِنَسِيجٍ وَغزْلٍ | وَضُرُوبٌ مِنَ الصِّنَاعَاتِ تَتْرَى |
حَيْثُ كَانَ الْبُسْتانُ يَنْبُتُ زَهْراً | مَصْنَعٌ لِلأَلْوَانِ يَنْبُتُ زَهْرَا |
أَرَأَيْتَ الْحَرِيرَ وَالْقُطْنَ | وَالْكُتانَ وَالصُّوفَ فِيه نَظْماً وَنَثْرا |
وَثِياباً مِنْ كُلِّ لَوْنٍ وَنَقْشٍ | مِلْءَ عَيْنِ البَديعِ طَيّاً وَنَشرا |
مكَثَتْ مِصْرُ حِقْبَةً وهْيَ تَجْنِي | مِن جَنَاهَا حَمّاً وَتَحرُزُ نَزْرَا |
وَعَنَتْها شَتَّى الشُّؤونِ وَلمْ | تحْفَلْ لِمَا كَانَ بِالعِنَايَة أَحْرَى |
أَعْوَزَتْهَا سِيَاسَةُ الْمَالِ حَتَّى | عُدَّ إِثْرَاؤُهَا الْمُشَتَّتِ فَقْرَا |
كَيْف تَثْرِي الأَقْوَامُ مِنْ غَيْرِ قَصْد | وَلَوِ الْخَصْبُ بدلَ التُّرْبَ تِبْرا |
فَبِفضْلِ الزَّعِيمِ طَلْعَتَ حَرْبٍ | صُلِحَ الأَمْرُ بَعْدَ أَنْ كَان أَمْرَا |
أَسَّسَ الْمَصْرِفَ الْكَبِيرَ فَكَانَ الأَصْلُ | وَامْتَدَّتِ التَّفارِيغُ كُثْرَا |
وبَدَتْ قُوَّةُ التعَاوُنِ فِي | تحْقِيقِ مَا لا يُظَنُّ كَسْباً وَوَفْرَا |
شَرِكَاتٌ مَصْرِيَّةٌ أَلِفَتْهَا | نهْضَةٌ تَمْلأُ الجوَانِحَ بُشْرَا |
أَحْكَمَ الرَّأْيَ وَالتَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ | قدَّرَتْ أَخْلاقُهُ الرِّبْحَ دُرَّا |
نَهْضَةٌ لَمْ تَخُصَّ مِصْرَ بِنُعْمَاهَا | وعَمَّتْ نوَاحِي الشَّرْقِ طُرَّا |
فَأَرَتَنَا السَّفِينَ تنْقَادُ جَوّاً | وَأَرَتْناَ السَّفِينَ تَرتَادُ بَحْرَا |
وَأَرَتْنَا كُبْرَى الصِّناعَاتِ قَامَتْ | بَعْدَ أَنْ كانَتِ الصِّناعَاتُ صُغْرَ |
وَأَرتْنَا النُّبُوغَ فِي كلِّ مُجْلى | لِنَشاطِ الْعُقولِ يَطْلَلُ زهْرَا |
وَأَرَتْنَا فِي حَومِة الْقصْدِ وَالتَّدْبِيرِ | زحْفَ الْجُيُوشِ كرّاً وَفَرَّا |
وأَرتْنَا غَنَائِمَ الرِّبْحِ وَالأَرْزَاقِ | مِنها على ذَوِي الْحَقِّ تُجْرَى |
وأَرتْنَا جَدْباً تَحوَّلَ خَصْباً | وَأَرتْنَا عُسْراً تَحَوَّلَ يُسْرَا |
وأَرتْنَا حالاً تَفِيدُ بِهَا | الأَوطَانُ نَفْعاً وَفَوْقَ ذِلكَ فَخْرَا |
يَا بَنِي مِصْرَ إِنَّ طَلْعتَ حَرْبٍ | لا يُجَارَى عَزْماً وَحَزماً وَبِرَّا |
دُونَ هَذِهِ المَآثِرِ الْغُرِّ كَمْ | ذَلَّلَ صَعْباً لَكُم ومَهِّدَ وَعْرا |
هلْ يُسامَى فِي الْمَجِد مُجْدُ عِصَامِيٍّ | بَنَى أُمَّتَهُ وأَحْدَثَ عَصْرا |