أرشيف الشعر العربي

لهب يسجد لعينيها

لهب يسجد لعينيها

مدة قراءة القصيدة : 5 دقائق .

جمعَ الشّتاءُ ضيوفَه في غابة قد لا تُرى‏

وأتاحَ للعين القليلةِ أن ترى‏

في الماء أكثَرَ من جمالٍ تائهٍ‏

ليقومَ روحٌ من مقام سكونه‏

ويؤجّ في تنّور شاعرْ‏

لهبٌ مُغايرْ‏

لهبٌ يثير حواس سيّدةٍ تسودُ على مباهجها‏

وتملكُ سحرَها من باب لذَّتها إلى محرابها...‏

أتكونُ حافيةَ المساءِ من الغيوم‏

إذا لبستُ الذكرياتْ؟‏

وأرقْتُ من أجراسها نهراً‏

أعرّي فيه نرجستي‏

أعتّق فيه قيثارى فتسكرُ أغنياتي‏

أتكون مالكّةَ الصَّباح‏

لأنحني في نور وقفتها الغنيَّةِ‏

عابداً بين العبادْ‏

تُملي عليَّ فروضها‏

فأطيعُ عينيها وأسجد للسَّوادْ‏

أتكون مانحتي إقامةَ فلّةٍ في جنَّة زرقاءَ؟‏

سافحتي على قدحَيْنِ من عسلٍ وزهرٍ‏

في أعالي صدرها؟‏

ما زلتُ أقرأ في خرافة شعرها‏

سنواتِها... وأضيفُ: أجملَ عمرها...‏

لأكونَ وقْعَ بكائها السّرّىّ في الأمطارِ‏

حامي برجها من لوثة الإعصارِ‏

كيف يهبُّ من أنحائها‏

وأنا سياجٌ من رمادْ؟‏

أو كيف أستلُّ القصائدَ من ضفيرتها،‏

ومن جسدي قطعتُ لها خيالاً؟‏

أسندتُ بنيةَ قهرها‏

بهوائيَ المحروقِ...‏

سهَّرتُ الحرائقَ في عروقي تحت خدمتِها،‏

قطفتُ لها محالاً‏

واجتزتُ جوزاءَ المجازِ‏

عجنتُ ذاكرتي بسحر تناقضاتي‏

جمَّلتُ موتي كي أتيح لها قليلاً من حياةِ...‏

هل أستعيدُ جنون ماضينا‏

إذا وقعت على الأرض اللَّيالي؟‏

واختلفنا حول وصف الحبِّ:‏

هل شجرٌ تقشّرهُ الرّياحْ؟‏

أم معبدٌ لتواجه الأنهارُ عذْرَتَها، وتندفَع الظّلالُ مع الظّلالِ،‏

بزفَّةٍ لا تنتهي حتى يكاثرَها الصَّباحْ؟‏

نحن اشتعلنا غامضَيْنِ‏

وكلَّما انكشفَ الحريقُ لذاتِهِ‏

هجرتْهُ جمرتُهُ تحاول الانطفاءَ‏

فلا جُناحَ عليكِ إِن أمعنتُ فيما أشتهيهِ‏

لا جُناحْ...‏

يا طيريَ القدريَّ هل هذا امتحانُ‏

فيه نجابهُ ضعفنا الكونيَّ؟‏

هل نارٌ ونورٌ نحنُ،‏

أم طينٌ/ هوانُ؟‏

ولنا اختبارٌ في قديم الغيب‏

أَنْ ننمو بذوراً عند مذبح مريم الزَّهراء‏

تنسخُنا الصَّواعقُ عبر أنسجة الطَّبيعةِ،‏

هل نؤّرخ بالهشاشَهْ‏

جسداً عميقَ المَتْنِ،‏

تفضحهُ أمام جمالكِ الأقصى ارتعاشَهْ؟‏

أنواصلُ استقصاءَ فحوى العشقِ في قبر الفراشَهْ؟‏

لا تطفئي القنديلَ...‏

من حقِّي الرَّحيل إليكِ‏

طوَّافاً بأجنحةِ القُوى الزَّرقاء،‏

أكسرُ ظلمتين صغيرتينِ‏

ماذا يباغُتنا؟ ويفصلُ عن يديَّ حديقتينِ؟‏

نحن التّوهّج عَبْرَ نارِ الشّكّ في نبع الإلهِ‏

فلن أذوقَ الحبَّ موتاً مرَّتينِ‏

وأقولُ: ماذا تشتهين من البعيدِ؟‏

أخوضُ كهفاً باطنيَّاً؟‏

أتَّقي لغةَ التَّداعي؟‏

أم أُزَفُّ ببعض أعراسِ الغديرِ؟‏

أزورُ ليلَ المعجزاتِ؟‏

وانزوى بيني وبيني؟‏

هذا إذاً روحُ القصائدِ والرؤى‏

فلتطلبي ما شئت مالكتي،‏

على رأسي وعيني...‏

ولك الحلولُ إذا أردتِ بجرنِ ذاكرتي،‏

ومن قبل الولادة أنتِ فاطمتي،‏

وأختُ شقائق النّعمان في معراج روحي،‏

أنتِ بنتُ الرّوضةِ الخضراءِ في حجٍّ طهورٍ،‏

أنتِ سعْيُ الفكرِ بين صفا ومروَهْ‏

وأنا التَّلاشي في شذاكِ‏

وكلَّما أفنيتُ أحوالي‏

صعدتُ مزارَك العالي‏

فتىً تتعانَقُ الأشجارُ في أجيالهِ‏

تمتدّ من بدءٍ إلى بدءٍ‏

كموجٍ يختلي بضفافِهِ ويضيفُ صبوتَهُ‏

إلى صبواتها‏

والموجُ سيِّدُ من تزوَّج نفسَهُ‏

فتفتَّقَتْ أحشاؤه زبداً‏

على شرفاته الرّبَّاتُ يقذفْنَ المدى ألقاً ونشوَهْ‏

وأنا انتشارٌ في يمينكِ من رؤى عرفاتَ‏

أطوى ذروةً من بعد ذروَهْ‏

أنا كم شربتُ الخمرَ من كرمٍ ضعيفٍ‏

كي أفتّشَ فيّ عن ينبوعِ قوَّهْ‏

فدعي فيوض الوجد تغمرْ هوَّةً تُفْضي لهوَّهْ‏

ودعي سلال الياسمين تعينُ رحلتنا إذا طالت‏

سنعرفُ من جديدٍ أن ثروتنا حنينُ‏

وسنعرفُ الأربابَ دون وساطةٍ‏

لنذيعَ سكرَتنا بهمْ خَلْف الجبالِ‏

نكون عُبَّاد الجمالِ‏

لعلَّنا من سرّه الأزليِّ‏

نغترفُ المجرَّات القصيّةَ‏

حين يدغمُها مدارُ العشقِ‏

يصهرُها انسجامٌ كم تلذُّ به العيونُ‏

لنرى إذاً‏

ماذا يكونُ...‏

________

23/3/2000‏

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (علاء الدين عبد المولى) .


فهرس موضوعات القرآن