جمعَ الشّتاءُ ضيوفَه في غابة قد لا تُرى |
وأتاحَ للعين القليلةِ أن ترى |
في الماء أكثَرَ من جمالٍ تائهٍ |
ليقومَ روحٌ من مقام سكونه |
ويؤجّ في تنّور شاعرْ |
لهبٌ مُغايرْ |
لهبٌ يثير حواس سيّدةٍ تسودُ على مباهجها |
وتملكُ سحرَها من باب لذَّتها إلى محرابها... |
أتكونُ حافيةَ المساءِ من الغيوم |
إذا لبستُ الذكرياتْ؟ |
وأرقْتُ من أجراسها نهراً |
أعرّي فيه نرجستي |
أعتّق فيه قيثارى فتسكرُ أغنياتي |
أتكون مالكّةَ الصَّباح |
لأنحني في نور وقفتها الغنيَّةِ |
عابداً بين العبادْ |
تُملي عليَّ فروضها |
فأطيعُ عينيها وأسجد للسَّوادْ |
أتكون مانحتي إقامةَ فلّةٍ في جنَّة زرقاءَ؟ |
سافحتي على قدحَيْنِ من عسلٍ وزهرٍ |
في أعالي صدرها؟ |
ما زلتُ أقرأ في خرافة شعرها |
سنواتِها... وأضيفُ: أجملَ عمرها... |
لأكونَ وقْعَ بكائها السّرّىّ في الأمطارِ |
حامي برجها من لوثة الإعصارِ |
كيف يهبُّ من أنحائها |
وأنا سياجٌ من رمادْ؟ |
أو كيف أستلُّ القصائدَ من ضفيرتها، |
ومن جسدي قطعتُ لها خيالاً؟ |
أسندتُ بنيةَ قهرها |
بهوائيَ المحروقِ... |
سهَّرتُ الحرائقَ في عروقي تحت خدمتِها، |
قطفتُ لها محالاً |
واجتزتُ جوزاءَ المجازِ |
عجنتُ ذاكرتي بسحر تناقضاتي |
جمَّلتُ موتي كي أتيح لها قليلاً من حياةِ... |
هل أستعيدُ جنون ماضينا |
إذا وقعت على الأرض اللَّيالي؟ |
واختلفنا حول وصف الحبِّ: |
هل شجرٌ تقشّرهُ الرّياحْ؟ |
أم معبدٌ لتواجه الأنهارُ عذْرَتَها، وتندفَع الظّلالُ مع الظّلالِ، |
بزفَّةٍ لا تنتهي حتى يكاثرَها الصَّباحْ؟ |
نحن اشتعلنا غامضَيْنِ |
وكلَّما انكشفَ الحريقُ لذاتِهِ |
هجرتْهُ جمرتُهُ تحاول الانطفاءَ |
فلا جُناحَ عليكِ إِن أمعنتُ فيما أشتهيهِ |
لا جُناحْ... |
يا طيريَ القدريَّ هل هذا امتحانُ |
فيه نجابهُ ضعفنا الكونيَّ؟ |
هل نارٌ ونورٌ نحنُ، |
أم طينٌ/ هوانُ؟ |
ولنا اختبارٌ في قديم الغيب |
أَنْ ننمو بذوراً عند مذبح مريم الزَّهراء |
تنسخُنا الصَّواعقُ عبر أنسجة الطَّبيعةِ، |
هل نؤّرخ بالهشاشَهْ |
جسداً عميقَ المَتْنِ، |
تفضحهُ أمام جمالكِ الأقصى ارتعاشَهْ؟ |
أنواصلُ استقصاءَ فحوى العشقِ في قبر الفراشَهْ؟ |
لا تطفئي القنديلَ... |
من حقِّي الرَّحيل إليكِ |
طوَّافاً بأجنحةِ القُوى الزَّرقاء، |
أكسرُ ظلمتين صغيرتينِ |
ماذا يباغُتنا؟ ويفصلُ عن يديَّ حديقتينِ؟ |
نحن التّوهّج عَبْرَ نارِ الشّكّ في نبع الإلهِ |
فلن أذوقَ الحبَّ موتاً مرَّتينِ |
وأقولُ: ماذا تشتهين من البعيدِ؟ |
أخوضُ كهفاً باطنيَّاً؟ |
أتَّقي لغةَ التَّداعي؟ |
أم أُزَفُّ ببعض أعراسِ الغديرِ؟ |
أزورُ ليلَ المعجزاتِ؟ |
وانزوى بيني وبيني؟ |
هذا إذاً روحُ القصائدِ والرؤى |
فلتطلبي ما شئت مالكتي، |
على رأسي وعيني... |
ولك الحلولُ إذا أردتِ بجرنِ ذاكرتي، |
ومن قبل الولادة أنتِ فاطمتي، |
وأختُ شقائق النّعمان في معراج روحي، |
أنتِ بنتُ الرّوضةِ الخضراءِ في حجٍّ طهورٍ، |
أنتِ سعْيُ الفكرِ بين صفا ومروَهْ |
وأنا التَّلاشي في شذاكِ |
وكلَّما أفنيتُ أحوالي |
صعدتُ مزارَك العالي |
فتىً تتعانَقُ الأشجارُ في أجيالهِ |
تمتدّ من بدءٍ إلى بدءٍ |
كموجٍ يختلي بضفافِهِ ويضيفُ صبوتَهُ |
إلى صبواتها |
والموجُ سيِّدُ من تزوَّج نفسَهُ |
فتفتَّقَتْ أحشاؤه زبداً |
على شرفاته الرّبَّاتُ يقذفْنَ المدى ألقاً ونشوَهْ |
وأنا انتشارٌ في يمينكِ من رؤى عرفاتَ |
أطوى ذروةً من بعد ذروَهْ |
أنا كم شربتُ الخمرَ من كرمٍ ضعيفٍ |
كي أفتّشَ فيّ عن ينبوعِ قوَّهْ |
فدعي فيوض الوجد تغمرْ هوَّةً تُفْضي لهوَّهْ |
ودعي سلال الياسمين تعينُ رحلتنا إذا طالت |
سنعرفُ من جديدٍ أن ثروتنا حنينُ |
وسنعرفُ الأربابَ دون وساطةٍ |
لنذيعَ سكرَتنا بهمْ خَلْف الجبالِ |
نكون عُبَّاد الجمالِ |
لعلَّنا من سرّه الأزليِّ |
نغترفُ المجرَّات القصيّةَ |
حين يدغمُها مدارُ العشقِ |
يصهرُها انسجامٌ كم تلذُّ به العيونُ |
لنرى إذاً |
ماذا يكونُ... |
________ |
23/3/2000 |