الشاعر
مدة
قراءة القصيدة :
دقيقتان
.
ربيعٌ من الأحزان جَهْراً تقدَّما | وصلىّ على قبر الفؤاد وسلَّما |
أبيحُ دمي للشِّعر في كلِّ خلوة | كأنّ نشيدي نابضٌ عِرقُهُ دما |
أماناً أيا عَرْشَ القصائدِ، رحمةً | أما آن أن تحنو عليَّ وترحما؟ |
أرى كلَّ شيءٍ صورةً، كلَّ هدأةٍ | تجادلُ في فردوسِ قلبي جهنَّما |
أرى الأرضَ تُغْويني بما هُوَ مُوجعي | وما ليس يَرضى غير روحيَ مأْتما |
تيتَّمتُ حتَّى صرت لليُتْم والداً | فيا عالم الأموات يكفي يتيُّماً |
أنا ابن الأسى الكونِّي، شابَتْ أصابعي | وكانت على صدر المحّبة أنجما |
أضيء بها ليل الفوانيس رافعاً | إلى شاهق الأبعاد من عُنقي سما |
سمائيَ ضاقَتْ بالعويل، ولا أرى | سوى جثثٍ تبني بصدري مخيَّما |
أحنّ إلى جسر يهرِّبُ ظلمتي | وجسريَ في وادي الضَّباب تهدَّما |
أضيع ككلِّ الضَّائعين، وإنما | رأيت ضياعي للكواكب منجما |
تضيئهُم شمس المدى، ويضيئني | شعاعٌ يطوف الرّوحَ ينساب مُبْهَما |
أرى جبلَ الأحزان يعلو، فأنحني | على حلم مازال في القلب برعما |
أنا شاهدٌ حَقٌّ، لكثرة ما أرى | من الوجع الشَّرقيِّ، أحلمُ بالعمى |
بصيرتيَ الزَّرقاء بالدَّم لُوِّثت | وغَّر بِها عهرُ الزَّمان لتأثما |
ولستُ نبيّاً كي أتوِّجَ حِكْمتي | وإنِّي كشعب الشَّرق، يغزو ليهزما |
أحارب وجهي في مرايا قبيلتي | وأتركه مسخاً عربياً، مهشَّما |
هي الذَّاتُ تذروها رياحٌ شقيقةٌ | كما السّيف يلهو بالهواء ليُقْسما |
سأطويكِ يا أرض الكوارث راكباً | جواداً، ترامى الكونُ يأساً، وما ارتمى |
جوادٌ من الأعصاب يبلغُ زادَهُ | وفي دميَ المسفوحِ يختصر الظَّما |
تعلَّمني المأساةُ: أفترسُ المدى | وأدعو عليه بالجنون ليَسْلَما |
بشهوة خَلْقٍ لا تزال فتيَّةً | أشِّيدُ بُرْجَ العالم المتهدِّما |
وأهدمُهُ في لحظةٍ عدميَّةٍ | وهذا هو الخلاَّق: يبني ليهدما |
أنا شجرٌ ينمو على الصَّوت والصَّدى | لأجنيَ من زَرْعِ النَّقائض موسما |
أنا جذوةُ الأشعار أغلي بنارها | أغنّي ولو سدّ الرّمادُ ليَ الفما... |
_________ | |
25/3/1992. |