أرشيف الشعر العربي

مطر يغادر بيته العالي

مطر يغادر بيته العالي

مدة قراءة القصيدة : 5 دقائق .

هذا صباحٌ باردٌ‏

لا شكل فيه للنّدى‏

يأتي بطيئاً من جفونٍ باردَهْ‏

والشّمسُ تفّاح الجليدِ على حدود الكونِ‏

تحرسُها الغيومُ البائدَهْ‏

يا زهرة الذَّهب الفقيرة، جمرةَ الأنثى،‏

وحمّاماً تمارسُه الحواس العائدَهْ‏

من رحلةٍ لا تنتهي في صيد ياقوت العَسَلْ‏

عودي سريعاً قبل أن يطغى الجليدُ‏

وقاوميه إذا وصَلْ‏

واستنفري حتَّى مناديلَ العطورِ‏

لتمنعيه من العبورِ‏

وغيِّمي فوق اليتامى النَّاهضين من الرَّمادِ‏

الذّاهبينَ إلى المدارس والمعابد والعَمَلْ‏

... ... ...‏

مطرٌ لنا – مطرٌ علينا‏

مطرٌ تفجّرَ من يدينا‏

هبّتْ رياحُكِ من يميني‏

فاتّكأتُ على شمالي‏

واشتعلتُ كغابةٍ ضُرِبَتْ بصاعقةٍ‏

سأنزلُ من هلالكِ في هلالي‏

حاملاً قلقَ التّأمّل في رذاذِ الماء‏

أوشكُ أن أقبّله فأدركُ أنّنا...‏

مطرٌ يغادرُ بيتَهُ العالي ويجلسُ بيننا‏

نبكي قليلاً، بل... قليلاً.‏

ندعُ المكانَ لعابريهِ‏

نحاولُ استحضارَ ما يدعو اليدين إلى الصّلاةِ،‏

وأن نردّ إلى حرائقِنا الجميلَ‏

لمن أقولُ: أحبّك الحبَّ الَّذي‏

يلدُ الخيولا؟‏

في أيّ منعطفٍ أميلُ عليكِ مكتسياً حقولاً‏

أضعُ العلامةَ فوق صدركِ‏

والحمامةَ فوق ظهركِ‏

ثمَّ نبتدئ الرَّحيلا...‏

... ... ...‏

مطرٌ على شفتيكِ، في شفتي جحيمْ‏

عيناكِ لؤلؤتان من قلقٍ‏

مهيّأتان للإسراء في أفقٍ‏

أسوقُ به الفضاءَ على مزاجي‏

حين من موتي أقومُ‏

وأنتِ شاهدةُ انبعاثي‏

أنتِ أسئلةٌ تفضُّ بكارةَ المعنى‏

وأجوبةٌ مزيجٌ من مكاشفة الخمورِ‏

وقد تنادَتْ نحو خلوتنا الجرارْ‏

لي أنتِ: دهشةُ غابةِ النّسَّاكِ في طور التَّجلِّي‏

وغموضُ أحوالٍ،‏

حجابٌ لا يدومُ إذا انتخبتُ له براقاً‏

أخضراً يعلو ويُعْلي...‏

... ... ...‏

بصّرتُ في مطر فأنبأني بأنَّكِ...‏

أو بأنَّهُ...‏

آه ممَّا قاله فيك المطَرْ‏

فرفعتُ مهداً في الهواءْ‏

نامي على عَبقِ الوسادةِ واختفي‏

في غفلةٍ عن نشوة الظّلماتِ‏

يفتحُ بعضُها بعضاً وقدْ غُلبَ القَمَرْ‏

وترحَّلي عبر العباءات الخصيبةِ‏

عودةً أبديّةً تحنو على ضعفِ‏

السَّنابل من خيانات الشّتاءْ‏

كوني إمامَ الياسمين المنتظرْ‏

وخذي الحمامَ جميعَهُ‏

والشّمسَ إنْ طلعَتْ وغابَتْ في السَّحابِ‏

متى عَبَرْ‏

غيبي كثيراً عنكِ كي تجدي مكاني في السَّماءْ‏

وانسَيْ كتاب الشّعر تحت الماءِ‏

سوف تسيلُ منهُ قصائدٌ عذراءٌ‏

زرقاءَ الصُّورْ‏

الشَّاعرُ الماضي يحلُّ الآنَ‏

يأتلفُ المجازُ مع الحواسْ‏

والقلبُ، هذا المنجمُ الكونيُّ من ذهبٍ وماسٍ‏

سوف ينزعُ عنكِ آخر وردةٍ‏

ليراك أنثى لا خَيارَ لها سوى الأنثى‏

وقد سكنَتْ بجنَّتها‏

تُسلسِلُ في ضفيرتها النّجومَ‏

تحرّرُ الرمَّان من أغصانِهِ‏

وتغضّ طرفاً عن تفتُّحِه‏

وتحرسُ سلّةَ التفّاحِ من أجلِ الوعولِ القادمَةْ‏

... ... ...‏

سأعودُ من تلقاءِ نفسكِ نحو نفسي‏

وشماً على جسد الرَّحيقِ‏

محمَّلاً بحديقةِ سهرَتْ على أسوارِها‏

أشباح كأسي‏

ووطئتُ أرضَ الخمر تبلغُ بي سماءٌ اسمَها‏

وهطلتُ أهذي لابتكارِ فراشةٍ تصحو‏

على شبق السّراجِ وقد تداعى فوق رأسي‏

يا بنتَ لاهوتِ الغيوبِ‏

وسرَّ ناسوتِ القلوبِ‏

لتدخلي من ظلِّ أغنيةٍ تقيمُ به الإلهةُ طقسَها‏

لأطيلَ عُمْرَ العطرِ في نهديكِ‏

أمنحُ للمدائح جنسَها‏

ويضاءُ في عينيَّ قنديلان يختصران فيك‏

الذِّكرياتِ وعكسَها‏

ولتهربي من بيتِ أمسِكِ نحو أمسي‏

وتمتَّعي بمحارة الرَّغباتِ‏

هابطةً بوحْيِ جمالِها في غارِ عُرْسي...‏

... ... ...‏

لا تسألي عنِّي سواكِ‏

ولدتُ منسيَّاً،‏

ومنسيَّاً سأحملُ هذه الأرض الثّقيلةَ‏

مثل موسيقى الخرابِ‏

فنظّفيها من حروبٍ‏

هرَِّبي غاباتِها من ليل قطعان الذّئابْ‏

حتَّى أميّز صفوَها من قاتليها‏

... ربَّما أخطأتُ في تشييد برج لا يُنالُ‏

وربما أوقعتُ نفسي في شِراك الرَّمزِ‏

أو وادي الضَّبابْ‏

عاينتُ أكثَرَ ضَعْفَ هذا العالم الماضي‏

بلا حسٍّ إلى فِقْدان لذَّته‏

أمام المسرح الحجريِّ مكتظّاً‏

بأقنعةِ العبادِ يحاكمون طغاةَ ماضيهم...‏

وهل يقوى النَّسيمُ على الطّغاةْ؟‏

لو كان لي حقُّ التّدخّلِ في الطَّبيعَهْ‏

لقطعتُ نسلهُمُ جميعَهْ‏

واخترتُ من نبعٍ نطافَ الكائناتْ‏

وأعدتُ تشكيل الحياةْ...‏

_____________

12/11/1999-24/4/2000‏

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (علاء الدين عبد المولى) .


ساهم - قرآن ٢