هذا صباحٌ باردٌ |
لا شكل فيه للنّدى |
يأتي بطيئاً من جفونٍ باردَهْ |
والشّمسُ تفّاح الجليدِ على حدود الكونِ |
تحرسُها الغيومُ البائدَهْ |
يا زهرة الذَّهب الفقيرة، جمرةَ الأنثى، |
وحمّاماً تمارسُه الحواس العائدَهْ |
من رحلةٍ لا تنتهي في صيد ياقوت العَسَلْ |
عودي سريعاً قبل أن يطغى الجليدُ |
وقاوميه إذا وصَلْ |
واستنفري حتَّى مناديلَ العطورِ |
لتمنعيه من العبورِ |
وغيِّمي فوق اليتامى النَّاهضين من الرَّمادِ |
الذّاهبينَ إلى المدارس والمعابد والعَمَلْ |
... ... ... |
مطرٌ لنا – مطرٌ علينا |
مطرٌ تفجّرَ من يدينا |
هبّتْ رياحُكِ من يميني |
فاتّكأتُ على شمالي |
واشتعلتُ كغابةٍ ضُرِبَتْ بصاعقةٍ |
سأنزلُ من هلالكِ في هلالي |
حاملاً قلقَ التّأمّل في رذاذِ الماء |
أوشكُ أن أقبّله فأدركُ أنّنا... |
مطرٌ يغادرُ بيتَهُ العالي ويجلسُ بيننا |
نبكي قليلاً، بل... قليلاً. |
ندعُ المكانَ لعابريهِ |
نحاولُ استحضارَ ما يدعو اليدين إلى الصّلاةِ، |
وأن نردّ إلى حرائقِنا الجميلَ |
لمن أقولُ: أحبّك الحبَّ الَّذي |
يلدُ الخيولا؟ |
في أيّ منعطفٍ أميلُ عليكِ مكتسياً حقولاً |
أضعُ العلامةَ فوق صدركِ |
والحمامةَ فوق ظهركِ |
ثمَّ نبتدئ الرَّحيلا... |
... ... ... |
مطرٌ على شفتيكِ، في شفتي جحيمْ |
عيناكِ لؤلؤتان من قلقٍ |
مهيّأتان للإسراء في أفقٍ |
أسوقُ به الفضاءَ على مزاجي |
حين من موتي أقومُ |
وأنتِ شاهدةُ انبعاثي |
أنتِ أسئلةٌ تفضُّ بكارةَ المعنى |
وأجوبةٌ مزيجٌ من مكاشفة الخمورِ |
وقد تنادَتْ نحو خلوتنا الجرارْ |
لي أنتِ: دهشةُ غابةِ النّسَّاكِ في طور التَّجلِّي |
وغموضُ أحوالٍ، |
حجابٌ لا يدومُ إذا انتخبتُ له براقاً |
أخضراً يعلو ويُعْلي... |
... ... ... |
بصّرتُ في مطر فأنبأني بأنَّكِ... |
أو بأنَّهُ... |
آه ممَّا قاله فيك المطَرْ |
فرفعتُ مهداً في الهواءْ |
نامي على عَبقِ الوسادةِ واختفي |
في غفلةٍ عن نشوة الظّلماتِ |
يفتحُ بعضُها بعضاً وقدْ غُلبَ القَمَرْ |
وترحَّلي عبر العباءات الخصيبةِ |
عودةً أبديّةً تحنو على ضعفِ |
السَّنابل من خيانات الشّتاءْ |
كوني إمامَ الياسمين المنتظرْ |
وخذي الحمامَ جميعَهُ |
والشّمسَ إنْ طلعَتْ وغابَتْ في السَّحابِ |
متى عَبَرْ |
غيبي كثيراً عنكِ كي تجدي مكاني في السَّماءْ |
وانسَيْ كتاب الشّعر تحت الماءِ |
سوف تسيلُ منهُ قصائدٌ عذراءٌ |
زرقاءَ الصُّورْ |
الشَّاعرُ الماضي يحلُّ الآنَ |
يأتلفُ المجازُ مع الحواسْ |
والقلبُ، هذا المنجمُ الكونيُّ من ذهبٍ وماسٍ |
سوف ينزعُ عنكِ آخر وردةٍ |
ليراك أنثى لا خَيارَ لها سوى الأنثى |
وقد سكنَتْ بجنَّتها |
تُسلسِلُ في ضفيرتها النّجومَ |
تحرّرُ الرمَّان من أغصانِهِ |
وتغضّ طرفاً عن تفتُّحِه |
وتحرسُ سلّةَ التفّاحِ من أجلِ الوعولِ القادمَةْ |
... ... ... |
سأعودُ من تلقاءِ نفسكِ نحو نفسي |
وشماً على جسد الرَّحيقِ |
محمَّلاً بحديقةِ سهرَتْ على أسوارِها |
أشباح كأسي |
ووطئتُ أرضَ الخمر تبلغُ بي سماءٌ اسمَها |
وهطلتُ أهذي لابتكارِ فراشةٍ تصحو |
على شبق السّراجِ وقد تداعى فوق رأسي |
يا بنتَ لاهوتِ الغيوبِ |
وسرَّ ناسوتِ القلوبِ |
لتدخلي من ظلِّ أغنيةٍ تقيمُ به الإلهةُ طقسَها |
لأطيلَ عُمْرَ العطرِ في نهديكِ |
أمنحُ للمدائح جنسَها |
ويضاءُ في عينيَّ قنديلان يختصران فيك |
الذِّكرياتِ وعكسَها |
ولتهربي من بيتِ أمسِكِ نحو أمسي |
وتمتَّعي بمحارة الرَّغباتِ |
هابطةً بوحْيِ جمالِها في غارِ عُرْسي... |
... ... ... |
لا تسألي عنِّي سواكِ |
ولدتُ منسيَّاً، |
ومنسيَّاً سأحملُ هذه الأرض الثّقيلةَ |
مثل موسيقى الخرابِ |
فنظّفيها من حروبٍ |
هرَِّبي غاباتِها من ليل قطعان الذّئابْ |
حتَّى أميّز صفوَها من قاتليها |
... ربَّما أخطأتُ في تشييد برج لا يُنالُ |
وربما أوقعتُ نفسي في شِراك الرَّمزِ |
أو وادي الضَّبابْ |
عاينتُ أكثَرَ ضَعْفَ هذا العالم الماضي |
بلا حسٍّ إلى فِقْدان لذَّته |
أمام المسرح الحجريِّ مكتظّاً |
بأقنعةِ العبادِ يحاكمون طغاةَ ماضيهم... |
وهل يقوى النَّسيمُ على الطّغاةْ؟ |
لو كان لي حقُّ التّدخّلِ في الطَّبيعَهْ |
لقطعتُ نسلهُمُ جميعَهْ |
واخترتُ من نبعٍ نطافَ الكائناتْ |
وأعدتُ تشكيل الحياةْ... |
_____________ |
12/11/1999-24/4/2000 |