عِظمٌ لَمْ تَسَعْهُ دَارُ الفَنَاءِ
مدة
قراءة القصيدة :
11 دقائق
.
عِظمٌ لَمْ تَسَعْهُ دَارُ الفَنَاءِ | فَلْتَسَعْهُ في اللهِ دَارُ الْبَقَاءِ |
يا أَمِيراً إلىَ ذُرَى العِزَّةِ القَعْ | سَاءِ أعْلًى مَكَانَةَ الأُمَرَاءِ |
لَمْ تَكْنْ بِالضَّعِيفِ يَوْمَ أُصِبْ | تَ الأَمْرَ وَالأَمْرُ مَطْمَعُ الأَقْوِيَاءِ |
فَتَنَكَّبْتَ عَنْهُ أَقْدَرَ مَا كُنْ | تَ عَلَى الاضْطِلاَعِ بِالأَعْبَاءِ |
إِنَّمَا آثَرَتْ لَكَ النَّفْسُ حالاً | هِيَ أَسْمَى مَنَازِلِ النُّزَهَاءِ |
عُدْتَ عُطْلاً وَلَيْسَ في النَّاسِ أَحْ | لَى جَبْهَةً مِنْكَ بَعْدَ ذَاكَ الإِبَاءِ |
فجِعتْ مِصْرُ فِيكَ فَجْعَةَ أُمٍّ | فِي الأَعَزِّ الأغْلَى مِنَ الأَبْنَاءِ |
في جوَادٍ جَارَى أَبَاهُ وضما جَا | رَاهُ إِلاَّهُ بِالنَّدَى وَالسَّخَاءِ |
أَوْرَدَ الفَضْل كُلَّ صَادٍ وَخَ | صَّ الجزْل مِنُه بِالعِلمِ وَالعُلَمَاءِ |
أَرْيَحِيٌّ يَهْتزُّ لِلعَمَلِ الطَّيِّ | بِ مِنْ نَفْسِهِ بِلاَ إِغْرَاءِ |
إِنَّمَا يَبْتَغِي رِضَاهَا وَمَايُعْنَ | ى بِشُكْرٍ مِنْ غَيْرِهَا وَثَنَاءِ |
كَلِفٌ بِالجَمِيلِ يُسْدِيِهِ عَفْواً | مُتَجَافٍ مَوَاطِنَ الإِيذاءِ |
لاَزَمٌ حَد رَبهِ غَيْرَ نَاسٍ | في مَقَامٍ مَا حُقَّ لِلْعَليَاءِ |
كُلَّ شَأْنٍ يَسُوسُهُ يَبْلُغُ الغَا | يَةَ فِيهِ مِنْ هِمَّةٍ وَمَضَاءِ |
ويَرَى الفَخْرَ أَنْ يَكُونَ طَلِيقاً | مِنْ قُيُودِ الظَّوَاهِرِ الْجَوْفَاءِ |
كَانَ وَهْوَ الكَرِيمُ جِدَّ ضَنِينٍ | بِالإِذَاعَاتِ عَنْهُ وَالأَنْبَاءِ |
فإِذَا مَا أُمِيطتِ الحُجْبُ عَنْ تِل | كَ المَسَاعِي الجِسَامِ وَالآلاَءِ |
أَسْفَرَتْ بَيْنَ رُوْعَةٍ وَجَلاَلٍ | عَنْ كُنُوزٍ مَجْلُوَّةٍ مِنْ خَفَاءِ |
كَانَ ذَاكَ الجَافِي العَبُوسُ المُحَيَّا | في المُعاطَاةِ أَسْمَحَ السُّمَحَاءِ |
دونَ مَا تُنْكِرُ المَخَايِلُ فِيهِ | غُرَرٌ مِنْ شَمَائِلٍ حَسْنَاءِ |
مِنْ حَياءٍ يُخَالُ كِبْراً وَمَا الكِبْ | رُ بِهِ غَيْرُ صُورَةٍ لِلحَيَاءِ |
وَوفَاءٍ لِلآلِ وَالصَّحْبِ وَالأوْ | طَانِ في حِينِ عَزَّ أَهْلُ الوَفَاءِ |
وَكَمَالٍ في الدِّينِ مِنْهُ وَفي الدُّنْ | يَا تَسَامَى بِهِ عَنِ النُّظَرَاءِ |
يذْكُرُ الله في النَّعِيمِ وَلاَ يَنْ | سَاهُ إِنْ طَافَ طَائِفٌ مِنْ شَقَاءِ |
فَهْوَ حَقُّ الصَّبُورِ في عَنَتِ الدَّهْ | رِ وَحَقُّ الشَّكُورِ في النَّعْمَاءِ |
لمْ يَرَ النَّاسُ قَبْلَهُ في مُصَابٍ | مِثْلَ ذَاكَ الإِزْرَاءِ بِالأَرْزَاءِ |
بُتِرتْ سَاقُهُ وَلَمْ يَسْمَعِ العُ | وَّادُ مِنْهُ تَنَفُّسَ الصُّعداءِ |
جَلَدٌ لاَ يَكُونُ خَلَّةَ رِعْدِي | د وَلَمْ يُؤْتَهُ سِوَى البُؤَسَاءِ |
كَيْفَ يَشْكُو ذَاكَ الَّذِي شَكَتِ الآسَا | دُ مِنْهُ في كُلِّ غِيلٍ نَاءِ |
والذِي كَانَ بِاقْتِناصِ ضَوَارِي ال | غَابِ يُقْرِي الكِلاَب ذات الضَّرَاءِ |
والَّذِي زَانَ قَصْرَهُ بِقِطَافٍ | مِنْ رُؤُوسِ الأيَائِلِ العَفْرَاءِ |
أشْرفُ اللَّهْوِ لَهْوُهُ بِرِكُوبِ ال | هُوْلِ بَيْنَ المَجَاهِلِ الوَعْثَاءِ |
بَاحِثاً عَنْ قَدِيمِهَا مُسْتَفِيداً | عِبَراً مِنْ تَبَدُّلِ الأَشْيَاءِ |
سِيَرُ الأَوَّلِينَ كَانَتْ لَهُ شُغُ | لاً فَأَحْيَي دُرُوسَهَا مِنْ عَفَاءِ |
وَتَوَلَّى تَنْقِيحَ مَا أَخْطَأَتْهُ | أُمَمٌ مِنْ حَقَائِقِ الصَّحْرَاءِ |
فَإِذَا عُدَّ في بَلاَءٍ فَخَارٌ | لَمْ يُجَاوِزْ فخَارَ ذَاكَ البَلاَءِ |
إنَّنِي آسِفٌ لِمِصْرَ وَمَا يَنْ | تَابُهَا في رِجَالِهَا العُظَمَاءِ |
كَانَ مِمَّنْ بَنَوْا عُلاَهَا فَرِيعَتْ | بِانْقِضَاضِ البِنَاءِ بَعْدَ البِنَاءِ |
لَمْ يُخَيِّبُ مَا دَامَ حَيّاً لَهَا سُؤْ | لاً وَكَائِنْ أَجَابَ قَبْلَ الدُّعَاءِ |
فَإِذَا مَا بَكَى أَعِزَّتُهَا يَأْ | ساً فَمَنْ لِلعُفَاةِ بِالتَّأْسَاءِ |
قَدْ حَسِبْنَا القَضَاءَ حِينَ عَفَا عَنْهُ | رَثَى لِلضِّعَافِ وَالفُقَراءِ |
غَيْرَ أَنَّ الرَّجَاءَ مُدَّ لَهُمْ فِي | هِ قَلِيلاً قَبْلَ انْقِطَاعِ الرَّجَاءِ |
وَيْحَهُمْ مَا مَصِيرُهُمْ فَهُمُ اليَوْ | مَ وَلاَ عُوْنَ غَيْرُ لُطْفِ القَضَاءِ |
أَيُّهَا الرَّاجِلُ الجَلِيلُ الَّذِي أَقْ | ضِيهِ نَزْراً مِنْ حَقِّهِ بِرِثَائِي |
لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا إلى أنْ دَعَاكَ اللَّ | هُ إِلاَّ تَعَارُفُ الأَسْمَاءِ |
زَالَ بِالأَمْسِ مَا عَرَاكَ فأَبْدَيْ | تُ سُرُورِي مُهَنِّئاً بِالشِّفَاءِ |
وَأَنَا اليَوْمَ جَازِعٌ جَزَعَ الأَدْ | نَيْنَ مِنْ أُسْرَةٍ وَمِنْ خُلَصَاءِ |
ذَاكَ حَقٌّ لِكُلِّ مَنْ نَفَعَ النَّا | سَ عَلَى الأَقْرِبَاءِ وَالبُعَدَاءِ |
رَضِيَ الله عَنْكَ فَاذْهَبْ حَمِيداً | وَالقَ خَيْراً وَفُزْ بِأَوْفَى جَزَاءِ |
نَعْمَةَ اللهِ يَا سَلِيلَةَ بَيْتٍ | رَاسِخٍ فَوْقَ هَامَةٍ الْجَوْزَاءِ |
لَكِ مِنْ عَقْلِكِ الكَبِيرِ وَمِنْ ذِكْ | رَى الفَقِيدِ الخَطِيرِ خَيْرُ عَزَاءِ |
أَنْتِ مَنْ أَنْتِ في مَكَانِكِ مِنْ وَا | لٍ وَمِنْ إِخْوَةٍ وَمِنْ آبَاءِ |
وَسَتَهْدِينَ هَدْيَ أُمِّكِ في أَقْ | وَمِ نَهْجٍ لِفُضْلَيَاتِ النِّسَاءِ |
عَجَباً أَتُوحِشُنِي وَأَنْتَ إِزَائِي | وَضِيَاءُ وَجْهكَ مَالِئُ سَوْدَائِي |
لَكِنَّهُ حَقٌّ وَإِنْ أَبَتِ المُنَى | أَنَّا تَفَرَّقْنَا لِغَيْرِ لِقَاءِ |
جَرَحُوا صَمِيمَ القَلبِ حِينَ تَحَمَّلُوا | اللهَ فِي جُرْحٍ بِغَيْرِ شِفاءِ |
أَلطَّيِّبُ المَحْمُودُ مِنْ عُمْرِي مَضَى | وَالْمُفْتَدَى بالروحِ مِنْ خُلَصَائِي |
لاَ بَلْ هُمَا مِنِّي جَنَاحاً طَائِرٍ | رُمِيَا وَلَمْ يَكُ نَافِعِي إِخْطَائِي |
أَلصَّاحِبَانِ الأَكْرَمَانِ تَوَلَّيَا | فَعَلاَمَ بَعْدَ الصَّاحِبَيْنَ ثَوَائِي |
لَمْ يَتْرُكَا بِرَدَاهُمَا غَيْرَ الشجَى | لأَخِيهِمَا مَا دَامَ في الأَحْيَاءِ |
وَحِيالِيَ الخُلْطَاءُ إِلاّ أَنَّنِي | مُتَغَرِبٌ بِالعَهْدِ في خُلَطَائِي |
أَيُرَادُ لِي مِنْ فَضْلِ مَا مَجُدَا بِهِ | إِرْثٌ إِذَنْ جَهِلَ الزَّمَانُ وَفَائِي |
إِنْ نَحْيَ بِالذِّكْرَى فَلاَ تَبْدِيلَ في | صِفَةٍ وَلاَ تَغْيِيرَ في الأَسْمَاءِ |
يَا صَاحِبَيَّ غَدَوْتُ مُنْذُ نَأَيْتُمَا | أَجِدُ الحَيَاةُ ثَقِيلَةَ الأَعْبَاءِ |
لا لَيلَ عَافِيَةٍ هَجِعْتُ بِهِ وَلاَ | يَوْمٌ نَشِطْتُ بِهِ مِنَ الإِعْيَاءِ |
أَنَا وَاحِدٌ في الجَازِعِينَ عَلَيْكُمَا | وَكَأَنَّمَا ذَاكَ البَلاءُ بَلاَئِي |
فَإِذا بَدَا لَكُمَا قُصُورِي فَاعْذِرَا | أَوْ شَفَّعَا لي مُسْلَفَاتِ وَلاَئِي |
مَهْلاً أَمِيرَ الشِّعْرِ غَيْرَ مُدَافَعٍ | وَمُعَزِّ دَوْلَتِهِ بِغَيْرِ مِرَاءِ |
كَمْ أُمَّةٍ كَانَتْ عَلَى قَدْرِ الهَوَى | تَرْجُوكَ مَا شَاءَتْ لِطُولِ بَقَاءِ |
مُتَمَكِّناً مِنْ نَفْسِهَا إِيمَانُهَا | إِنْ لَمْ تَكُنْ مِمَّنْ حَيُوا لِفَنَاءِ |
فَإِذا المَنَايَا لَمْ تَزَلْ حَرْبَ المُنَى | وَإِذَا الرَّزِيئَةُ فَوقَ كُلِّ عَزَاءِ |
في مِصْرَ بَلْ في الشَّرْقِ مِنْهَا لَوْعَةٌ | سَدَّتْ عَلَى السُّلوَانِ كُلَّ فَضَاءِ |
أَتَرَى مَوَيْجَاتِ الأَثِيرِ كَأَنَّهَا | حَسْرَى بِمَا تُزْجِي مِنَ الأَنْبَاءِ |
بَعَثَ الشَّرَارُ بِهَا ثِقَالاً لَوْ بَدَا | مَا حُمِّلَتْ لَبَدَتْ نَطِافَ دِمَاءِ |
جَزَعُ الكِنَانَةِ كَادَ لاَ يَعْدُو وَأَسَى | أُمِّ القُرَى وَمنَاحَةَ الفَيْحَاءِ |
وَبِحَضْرَمَوْتَ عَلَى تَنَائِي دَارِهَا | شَكْوَى كَشَكْوَى تُونُسَ الخَضْرَاءِ |
بِالأَمْسِ كَانَ هَوَاكَ يَجْمَعُ شَمْلَهَا | في فُرقَةِ النَّزَعَاتِ وَالأَهْوَاءِ |
وَاليَوْمَ فَتَّ رَدَاكَ في أَعْضَادِهَا | مَا أَجْلَبَ البَأْسَاءَ لِلبَأْسَاءِ |
أَفْدِحْ بِمَا يَلْقَاهُ آلُكَ إِنْ يَكُنْ | جَزَعُ الأَبَاعِدِ جَلَّ عَنْ تَأْسَاءِ |
حُرِمُوا أَباً بَرًّا نَمَوْا وَتَرَعْرَعُوا | مِنْ جَاهِهِ في أَسْمَحِ الأَفْيَاءِ |
وَكَفَقْدِهِمْ فَقْدَ الغَرانِيقُ العُلَى | عَلَمَ الهُدَى لِلفِتْيَةِ النُّجَبَاءِ |
وَكَرُزْئِهِمْ رُزِئَ الرِّجَالُ مُرَحِّباً | عَفَّ اللِّسَانِ مُهَذَبَ الإِيمَاءِ |
يَتَنَاوَلُونَ مِنَ الصَّحَائِفِ وَحْيَهُ | فَتَكُونُ كُلُّ صَحِيفَةٍ كَلِوَاءِ |
مَا عِشْتَ فِيهِمْ ظَلْتَ بُلْبُلَ أَيْكِهِمْ | في الأَمْنِ وَالرِّئْبَالَ في الَّلأْوَاءِ |
لَكَ جَوُّكَ الرَّحْبُ الَّذِي تَخْلُو بِهِ | مُتَفَرِّداً وَالنَّاسُ في أَجْوَاءِ |
عَذَلُوكَ في ذَاكَ التَّعَزُّلِ ضِلَّةً | إنَّ التَّعَزُّلَ شِيمَة النُّزَهَاءِ |
مَا كَانَ شُغْلُكَ لَوْ درَوْا إِلاَّ بِهِمْ | لَكِنْ كَرِهْتَ مَشَاغِلَ السُّفَهَاءِ |
وَلَعَلَّ أعْطَفَهُمْ عَلَيْهِمْ مَنْ دَنَا | بِالنَّفْعِ مِنْهُمْ وَهْوَ عَنْهُمْ نَاءِ |
أَحْلَلْتَ نَفْسَكَ عِنْدَ نَفْسَكَ ذُرْوَةً | تَأْبَى عَلَيْهَا الخَسْفَ كُلَّ إِبَاءِ |
فَرَعَيْتَ نَعْمَتَكَ الَّتِي أَثَّلْتَهَا | وَرَعَيْتَ فِيهَا جَانِبَ الفُقَرَاءِ |
تَقْنِي حَيَاءَكَ عَالِماً عَنْ خِبْرًةٍ | إِنَّ الخَصَاصَةَ آفَةُ الأُدَباءِ |
وَتَرَى الزَّكَاةَ لِذِي الثَّرَاءِ مَبَرَّةً | مِنْهُ بِهِ وَوَسِيلَةً لِزَكاءِ |
كَمْ مِنْ يَدٍ أَسْدَيْتَهَا وَكَسَوْتَهَا | مُتَأَنِّقاً لُطْفَ اليَدِّ البَيْضَاءِ |
عَصْرٌ تَقَضَّى كُنْتَ مِلْءَ عُيُونِهِ | في أَرْبَعِينَ بِمَا أفَدْتَ مِلاءِ |
يَجْلُو نُبُوغُكَ كُلَّ يُوْمِ آيَةً | عَذْرَاءَ مِنْ آيَاتِهِ الغَرَّاءِ |
كَالشَّمْسِ مَا آبَتْ أَتَتْ بِمُجَدَّدٍ | مُتَنَوَّعٍ مِنْ زِينَةٍ وَضِيَاءِ |
هِبَةٌ بِهَا ضَنَّ الزَّمَانُ فَلَمْ تُتَحْ | إِلاَّ لأَفْذَاذِ مِنَ النُّبَغَاءِ |
يَأْتُونَ في الْفَتَرَاتِ بُوعِدَ بَيْنَهَا | لِتَهَيُّؤِ الأَسْبَابِ في الأَثْنَاءِ |
كَالأَنْبِيَاءِ وَمَنْ تَأَثَّرَ إِثْرَهُمْ | مِنْ عِلْيَةِ العُلَمَاءِ وَالحُكَمَاءِ |
رَفَعَتْكَ بِالذِّكْرَى إلى أَعْلَى الذُّرَى | في الخُلْدِ بَيْنَ أُولَئِكَ العُظَمَاءِ |
مَنْ مُسْعِدِي في وَصْفِهَا أَوْ مُصْعِدِي | دَرَجَاتِ تِلْكَ العِزَّةِ القَعْسَاءِ |
وَمُطَوِّعٌ لِي مِنْ بَيَانِيَ مَا عَصَى | فأَقُولَ فِيكَ كَمَا تُحِبُّ رِثَائِي |
لي فِيكَ مِنْ غُرَرِ المَدِيحِ شَوَاردٌ | أَدَّتْ حُقُوقَ عُلاَكَ كُلَّ أَدَاءِ |
وَوَفَتْ قَوَافِيهَا بِمَا أَمْلَى عَلَى | قَلَمِي خُلُوصُ تَجِلَّتِي وَإِخَائِي |
مَاذَا دَهَانِي اليَوْمَ حَتَّى لاَ أَرَى | إِلاَّ مَكَانَ تَفَجُّعِي وَبُكَائِي |
شَوقِي لاَ تَبْعَدْ وَإنْ تَكُ نِيَّةٌ | سَتَطُولُ وَحْشَتُهَا عَلَى الرُّقَبَاءِ |
تَاللهِ شَمْسُكَ لَنْ تَغِيبَ وَإِنَّهَا | لَتُنِيرُ في الإِصْبَاحِ وَالإِمْسَاءِ |
هِيَ في الخَوَاطِرِ وَالسَّرَائِرِ تَنْجَلي | أَبَداً وَتَغْمُرُهُنَّ بِالَّلأْلاَءِ |
وَالذُّخْرُ أَبْقَى الذُّخْرِ مَا خَلَّفْتَهُ | مِنْ فَاخِرِ الآثَارِ لِلأَبْنَاءِ |
هُوَ حَاجَةُ الأَوْطَانِ مَا دَالَتْ بِهَا | دُوَلٌ مِنَ السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ |
سَيُعَادُ ثُمَّ يُعَادُ مَا طَالَ المَدَى | وَيَظَلُّ خَيْرَ مَآثِرِ الآباءِ |
يَكْفِي بَيَانَكَ أَنْ بَلَغْتَ مُوَفَّقاً | فِيهِ أَعَزَّ مَبَالِغِ القُدَمَاءِ |
بَوَّأْتَ مِصْرَ بِهِ مَكَاناً نَافَسَتْ | فِيهِ مَكَانَ دِمَشقَ والزَّوْرَاءِ |
وَرَدَدْتَ مَوْقِفَهَا الأخِيرَ مُقَدَّماً | في المَجْدِ بَيْنَ مَوَاقِفِ النُّظَرَاءِ |
لَكَ في قَريضِكَ خُطَّةٌ آثَرْتَهَا | عَزَّتْ عَلَى الفُصَحَاءِ وَالبُلَغَاءِ |
مِنْ أَيِّ بَحْرٍ دُرُّةُ مُتَصَيَّدٌ | وَسَنَاهُ مِنْ تَنْزِيلِ أَيِّ سَمِاءِ |
ظَهَرَتْ شَمَائِلُ مِصْرُ فِيهِ بِمَا بِهَا | مِنْ رِقَّةٍ وَنُعُومَةٍ وَنَقَاءِ |
ترْخِيمُهَا في لَحْنَهِ مُتَسَامَحٌ | وَنَعِيمُهَا في وَشْيِهِ مُتَرَاءِ |
شِعْرٌ سَرَى مَسْرَى النَّسِيمِ بِلُطْفِهِ | وَصَفَا بِرَوْعَتِهِ صَفَاءَ المَاءِ |
تَرِدُ العُيُونُ عُيُونَهُ مَشْتَفَّةً | وَيُصِيبُ فِيهِ السَّمْعُ رِيَّ ظِمَاءِ |
وَيَكَادُ يُلمَسُ فِيهِ مَشْهُودُ الرُّؤى | وَيُحَسُّ هَمْسُ الظَّنِّ في الحَوْبَاءِ |
في الجَوِّ يُؤْنِسُ مَنْ يُحَلِّقُ طَائِراً | وَالدَّوِّ يُؤْنِسُ رَاكِبَ الوَجْنَاءِ |
عَجباً لِمَا صرَّفْتَ فِيهِ فُنُونَهُ | مِنْ فِطْنَةٍ خَلاَّبَةٍ وَذَكَاءِ |
فَلِكُلِّ لَفْظٍ رَوْنَقٌ مُتَجَدِّدٌ | وَلِكُلِّ قَافِيَةٍ جَدِيدُ رُوَاءِ |
يُجْلَى الْجَمَالُ بِهِ كَأَبْدَعِ مَا انْجَلَتْ | صُوَرٌ حِسَانٌ في حِسَانِ مَرَائِي |
وَلَرُبَّمَا رَاعَ الحَقِيقَةَ رَسْمُهَا | فِيهِ فَمَا اعْتَصَمَتْ مِنَ الخُيَلاَءِ |
حَيَّاكَ رَبُّكَ في الَّذِينَ سَمَوْا إلَى | أَمَلٍ فأَبْلَوْا فيهِ خَيْرَ بَلاَءِ |
مِنْ مُلْهَمٍ أَدَّى أَمَانَةَ وَحْيِهِ | بِعَزِيمَةٍ غَلاَّبةٍ وَمَضَاءِ |
مُتَجَشِّمٍ بِالصَّبْرِ دُونَ أَدَائِهَا | مَا سِيمَ مِنْ عَنَتٍ وَفَرطِ عَنَاءِ |
لِلْعَبْقَرِيِّةِ قُوَّةٌ عُلوِيَّةٌ | في نَجْوَةٍ مِنْ نَفْسِهِ عَصْمَاءِ |
كَمْ أخَرَجَتْ لأُولى البَصَائِرِ حِكْمَةً | مِمَّا أَلَمَّ بِهِ مِنَ الأَرْزَاءِ |
حَتَّى إِذَا اشْتَعَلَ المَشِيبُ بِرَأْسِهِ | مَا زَادَ جَذْوَتَهَا سِوَى إِذْكَاءِ |
فَالدَّاءُ يُنْحِلُ جِسْمَهُ وَنَشَاطُهَا | بِسُطُوعِهِ يُخْفِي نَشَاطَ الدَّاءِ |
جِسْمٌ يُقَوِّضُهُ السَّقَامُ وَهَمُّسهَا | مُتَعَلِّقٌ بِالخَلْقِ وَالإِنْشَاءِ |
عَجَباً لِعَامَيْهِ اللذَيْنِ قَضَاهُمَا | في الكَدِّ قَبْلَ الضَّجْعَةِ النَّكْرَاءِ |
عَامَا نِزَاعٍ لَمْ تُهَادِنُ فِيهِمَا | نُذُرُ الرَّدَى وَشَوَاغِلُ البُرَحَاءِ |
حَفَلاَ بِمَا لَمْ يَتَّسِعْ عُمْرٌ لَهُ | مِنْ بَاهِرِ الإِبْدَاعِ وَالإِبْدَاءِ |
فَتْحٌ يَلي فَتْحاً وَصَرْحٌ بَاذِخٌ | في إِثْرِهِ صَرْحٌ وَطِيدُ بِنَاءِ |
هَذا إلى فِطَنٍ يُقَصِّرُ دُونَهَا | مَجْهُودُ طَائِفَةٍ مِنَ الفُطَنَاءِ |
مِنْ تُحْفَةٍ مَنْظُومَةٍ لِفُكَاهَةٍ | أَوْ طُرْفَةٍ مَنْظُومَةٍ لِغِنَاءِ |
أَوْ سِيرَةٍ سِيقَتْ مَسَاقَ رِوَايَةٍ | لِمَوَاقِفِ التَّمِثيلِ وَالإلقَاءِ |
تَجْرِي وَقَائِعُهَا فَتَجْلُو لِلنُّهَى | مِنْهَا مَغَازِيَ كُنَّ طَيَّ خَفَاءِ |
فَإِذا الحَيَاةُ عُهِيدُهَا وَعِتِيدُهَا | مَزْجٌ كمزج المَاءِ وَالصَّهْبَاءِ |
تَطْفُو حَقَائِقُهَا عَلَى أَوْهَامِهَا | وَتَسُوغُ خَالِصَةً مِنَ الأَقْذاءِ |
يَا مَنْ صَحِبْتُ العُمْرَ أَشْهَدُ مَا نحا | في الشِّعْرِ مِنْ مُتَبَايِنِ الأَنْحَاءِ |
إِنِّي لَيَحْضُرُنِي بِجُمْلَةِ حَالِهِ | مَاضِيكَ فِيهِ كَأَنَّهُ تِلقَائِي |
مِنْ بَدْئِهِ وَحَجَاكَ يِفْتَحُ فُتْحَهُ | لِلحِقبَةِ الأدَبِيَّةِ الزَّهْرَاءِ |
حَتَّى الخِتَامِ وَمِنْ مَفَاخِرِ مَجْدِهِ | مَا لَمْ يُتَحْ لِسِوَاكَ في الشُّعَرَاءِ |
فَأَرَى مِثَالاً رَائِعاً في صُوَرَةٍ | لِلنِّيل تُمْلأُ مِنْهُ عَيْنُ الرَّائِي |
أَلنِّيلُ يَجْرِي في عَقِيقٍ دَافِقٍ | مِنْ حَيْثُ يَنْبُعُ في الرُّبَى الشَّمَّاءِ |
يَسْقِي سُهُولَ الرِّيفِ بَعْدَ حُزُونِهِ | وَيُدِيلُ عُمْرَاناً مِنَ الإقْوَاءِ |
مَا يَعْتَرِضْهُ مِنَ الحَوَاجِزِ يَعْدُهُ | وَيَعُدْ إلىَ الإِرْوَاءِ وَالإِحيَاءِ |
حَتَّى إِذا رَدَّ الفَيَافِيَ جَنَّةً | فِيمَا عَلاَ وَدَنَا مِنَ الأَرْجَاءِ |
أَوْفَى عَلَى السَّدِّ الأَخِيرِ وَدُونَهُ | قُرْبَ المَصِيرِ إلىَ مُحِيطِ عَفَاءِ |
فَطَغَى وَشَارَفَ مِنْ خِلاَفِ زَاخِراً | كَالبَحْرِ ذِي الإِزْبَادِ وَالإِرْغَاءِ |
ثُمَّ ارْتَمَى بِفُيُوضِهِ مِنْ حَالِقٍ | في المَهْبِطِ الصَّادِي مِنَ الْجَرْعَاءِ |
فَتَحَدَّرَتْ وَكَأَنَّ مُنْهَمِرَاتِهَا | خُصَلٌ مِنَ الأَنُوَارِ وَالأَنْدَاءِ |
مَسْمُوعَةُ الإِيقَاعِ في أَقْصَى مَدًى | جَذْلَى بِمَا تُهْدِي مِنَ الآلاَءِ |
إِنْ أَخْطَأَتْ قُطْراً مَوَاقِعُ غَيْثِهَا | أَحْظَتْهُ بِاللَّمَحَاتِ وَالأَصْدَاءِ |
للهِ دَرُّ قَرِيحةٍ كانَتْ لَهَا | هَذِي النِّهَايَةُ مِنْ سَنىً وَسَنَاءِ |
رَفَعَتْكَ مِنْ عَلْيَاءَ فانِيَةٍ إلىَ | مَا لَيْسَ بِالفَانِي مِنَ العَلياءِ |