ذكْراكَ بِالإِكْبَارِ وَ الإِعْجَابِ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
ذكْراكَ بِالإِكْبَارِ وَ الإِعْجَابِ | تَبْقَى مُجَدّدَةً عَلَى الأَحْقَابِ |
عَامٌ تَقَضَّى مُذْ نَأَيْتَ وَلَمْ يَزَلْ | بِعُيونِ مِصْرَ سَنَى الشِّهَابِ الكَابي |
عَامٌ بِهِ كَرُّ الزَّمَانِ وَفَرُّهُ | جَازَ الحِسَابَ وَلَمْ يَكُنْ بِحِسَابِ |
فَإِذَا الَّذِي عَمَرَ اليَقِينُ فُؤَادَهُ | فِي حَيْرَةِ المُتَرَدِّدِ المُرْتَابِ |
أَلْقَى حَوَاصِبَهُ عَلى الدُّنْيَا فَمَا | بَلَدٌ نَجَا مِنْ حَاصِبٍ مُنْتَابِ |
طَيْرٌ أَبَابِيلٌ حِجَارَتُهَا اللَّظَى | تَدَعُ القُرَى فِي وَحْشَةٍ وَتَبَابَ |
وَتُعَاقِبُ العُزْلَ الضِّعَافَ وَمَا جَنَوا | بِصَوَاعِقٍ لَيْسَتْ بَنَاتِ سَحَابِ |
فَالأَرْضُ رَاوِيَةُ الثَّرَى بِدمٍ جَرَى | والدَّمْعُ مَمْزُوجٌ بِكُلِّ شَرَابِ |
هَلْ هَذِهِ المَثُلاتُ وَهْيَ رَوَائِعٌ | فِيْهَا لَنَا عِظَةٌ وَفَصْلُ خِطَابِ |
مَاذَا نُعِدُّ لِذَوْدِهَا عَنْ حَوْضِنَا | يَكْفِي الدِّعَابُ لاتَ حينَ دِعَابِ |
فَلْيَسْأَلِ الأَحيَاءُ مَوْتَاهُمْ فَقَدْ | تَهْدِي فَضَائِلُهُمْ أُوْلِي الأَلْبَابِ |
اليَوْمَ تَخْلُو مِصْرُ للذِّكْرى وَكَمْ | ذِكْرَى تُنَفٍُِّ مِنْ كُرُوبِ مُصَابِ |
فَتُعِيدُ سِيرَةَ ذلِكَ القُطْبِ الَّذِي | بِجَلالِهِ هُوَ قُدْوَةُ الأَقْطَابِ |
حَمَلَ الأَمَانَةَ وَهْيَ جِدُّ ثَقِيلَةٍ | وََعِتَابُ مُودِعِهَا أَشَدُّ عِتَابِ |
وَمِنَ الأَمَانَةِ مَا يُنَاءُ بِعِبْئِهِ | وَيَزِيدُ حَزْمَ الشَّيْخِ عَزْمَ شَبَابِ |
أَيُّ الرِّجَالِ سِوَى ابْنِ بَجْدَتِهَا لَهَا | وَسبيلُهَا مَحْفُوفَةٌ بِعِقَابِ |
لَبَّى مُحَمَّدُ إذْ دَعَتْهُ بِلاَدُهُ | طَوْعاً لِحُكْمِ وَفَائِهِ الغَلاَّبِ |
وَرِيَاسَةُ الوُزَرَاءِ هَلْ تَحْلُو وَمَا | مَنْ سُؤْرِهَا فِي الكَأْسِ غَيْرُ الصَّابِ |
كَانَتْ وَكُلُّ الأَمْرِ مُسْتَعْصٍ بِهَا | وَالسَّيْرُ بَيْنَ مَخَارِمٍ وَشِعَابِ |
فَنَضَا لَهَا الرأْيَ النَّزِيْهَ عَنْ الهَوَى | وَمَضَى بَيْنَ يَدَيْهِ نُورُ صَوَابِ |
مُسْتَكْمِلُ الأَخْلاَقِ للعَلْيَاءِ فِي | دَرَجَاتِهَا مُسْتَكْمِلُ الآدَابِ |
يَقِظٌ لِكُلِّ جَلِيلَةٍ وَدَقِيقَةٍ | حَذِرٌ وَلَكِنْ لَيْسَ بِالهَيَّابِ |
ومُجَامِلٌ يَرْعَى بِمَا فِيهِ الرِّضَى | كُلاً عَلى قَدَرٍ وَلَيسَ يُحَابِي |
فِي أَيِّ وَقْتٍ لَمْ يَطُلْ وَكَأَنَّهُ | عُمْرٌ طَوِيلُ الهَمِّ وَالأَوْصَابِ |
وَهَبَ المُحِبُّ قُوَاهُ وَهْي مُضَنَّةٌ | لِلّهِ دَرُّ الحُبِّ مِْ وَهَّابِ |
لِرِخَاءِ أُمَّتِهِ وَعِزَّةِ جَيْشِهَا | لَمْ يَدَّخِرْ سَبَباً مِنَ الأَسْبَابِ |
فَإِذا المَعَاضِلُ وَاجِدَاتُ حُلولَهَا | وَإِذَا المَضَايِقُ وَاسِعَاتُ رِحَابِ |
وَإِذَا الْحَيَاةُ تَعُودُ ذَاتَ بَشَاشَةٍ | وَالبُؤْسُ يَنْظُرُ كَاشِرَ الأَنْيَابِ |
يَا مَنْ نَأَى عَنْ مِصْرَ فَاجْتَمَعَتْ عَلَى | ثُكْلٍ وَمَا فِي الثُّكْلِ مِنْ أَحْزَابِ |
مِنْ بَدْءِ عَهْدِكَ مَا فَتِئْتَ مُكَافِحاً | تَطَأُ الصِّعَابَ بِعزْمِكَ الوَثَّابِ |
وَعَلَى التَّنَوُّعِ فِي اتِّجَاهِكَ لَمْ تَرِمْ | مَسْعَاكَ مُتَّصِلٌ وَشَأْنُكَ رَابِ |
تَبْكِي المَكَارِمُ أَرْيَحِيَّتَكَ الَّتِي | كَانَتْ تُحَقِّقُ أَنْبَلَ الآرَابِ |
تَبْكِي مَبَاني البِرَّ أَسْمَحَ مَنْ بنَي | لِلْبِرِّ وَالحَاجَاتُ جِدُّ رِغَابِ |
تَبْكِي صُرُوحُ العِلْمِ خَيْرَ مُوَطِّيءٍ | أَكْنَافَهَا لِمَطَالِبِ الطُّلاّبِ |
يَأْسَى البَيَانُ وَأَيُّ خَطْبٍ خَطْبُهُ | في أبْرَعِ الخُطَبَاءِ وَالكُتَّابِ |
تَأْسى النِّيَابَةُ أَنْ تَبِينَ وَكُنْتَ مِنْ | حُصَفَائِهَا وَثِقَاتِهَا الصُّيَّابِ |
تأْسَى الرِّيَاسَةُ أَنْ تُزَايِلَهَا وَلَمْ | تَتَقَضَّ حَاجَتُهَا لِغَيْرِ إِيَابِ |
أَنْجَزْتَ فِي الدُّنْيَا كِتَابَكَ مُعْجَلاً | وَحَمَلْتَ لِلْعُلْيَا أَبَرَّ كِتَابِ |
فَأَصَبْتَ فِي الأُولى أَعزَّ كَرَامَةٍ | وأَصَبْتَ في الأُخرى أَجَلَّ ثَوَابِ |