بَكَيْتُكَ لِلْبِيْنِ قَبْلَ الحِمامِ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
بَكَيْتُكَ لِلْبِيْنِ قَبْلَ الحِمامِ | وأيْنَ مِنَ الثُّكْلِ حَرُّ الغَرامِ |
وما كانَ ذاكَ الفِراقُ المُشـ | ـتُّ إلا دُخاناً لِهذا الضِّرامِ |
فَعُوِّضْتُ بَعْدَ الحَنِينِ الأنِينَ | وبُدِّلْتُ بعْدَ الجوى بالسَّقامِ |
إذا قَتَلَ البُعْدُ أهْلَ الهَوى | فأقْتَلُ لِي مِنْهُ مَوْتُ الكِرامِ |
فيا قمراً يمَنِيَّ المغيبِ | وإنّ كانَ مَطْلَعُهُ بِالشَّآمِ |
أكادُ لذِكرِكَ ألْقى الحِمامَ | إذا هَتَفَتْ ساجِعاتُ الحَمامِ |
فأنْشُدُ مَثْواكَ عِنْدَ الهُبُوبِ | وَأرقُبُ طَيْفَكَ عِنْدَ المَنامِ |
وأهْفُو إلى كُلِّ بَرْقٍ يَمانٍ | واصْبُو إلى كُلِّ ركْبٍ تهامِ |
وأسألُ عنكَ نسيمَ الرِّياحِ | وَمَنْ لِلنَّسِيمُ بِمَنْ فِي الرِّجامِ |
وَإنِّي لَظامٍ إلى نَفْحَة ٍ | بريّاكَ ما وردَ الماءَ ظامِي |
وكَمْ عَبْرة ٍ لِي وَما بَيْنَنا | سِوى أنْ تَكِلَّ بَناتُ الموامي |
فكيفَ وقدْ أنزَلَتْكَ المنُونُ | بِأسْحَقِ دارٍ وأنْأى مَقامِ |
غَرِيباً يُبَكِّي لَهُ الأبْعَدُونَ | صَرِيعاً يُوَسَّدُ صُمَّ السِّلامِ |
سليباً يُجَلْبَبُ ثوبَ البِلى | ضعيفاً يُحمَّلُِ ثِقْلَ الرَّغامِ |
ويا غائِباً كَمَدِي حاضِرٌ | بهِ ما شَجَتْ فاقِدٌ بالبُغامِ |
تَشَكَّتْ رِكابُكَ عَضَّ القُتودِ | لَيالِي سُراكَ وَجَبَّ السَّنامِ |
وَما كانَ غارِبُها فِي الرَّحِيلِ | بأوْجَعَ مِنْ كَبِدي في المُقامِ |
زِمامٌ مَعَ الوَحْدِ لِي طَيِّعٌ | طِواعَ المُذَلَّلِ جَذْبَ الزِّمامِ |
وَدَمْعٌ يُبارِي وَجِيفَ المَطِيِّ | فأخْفافُها وجُفُونِي دَوامِي |
رُزِئْتُكَ حيّاً وخَطْبُ الفِرا | قِ أشْبَهُ شيءٍ بخطْب الحِمامِ |
وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَكَ لِي مُقْلَة ٌ | تَبِيتُ لِفَقْدِكَ ذاتَ انْسِجامِ |
فَداَوَيْتُ شَوْقِي بِذِكْرِ اللِّقاءِ | وعَلَّلْتُ شَمْلِي بِعَوْدِ النِّظامِ |
أُؤَمِّلُ قُرْبَكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ | وأرجُو لِقاءَكَ في كلِّ عامِ |
ولمْ أدْرِ أنَّ مَرامِي القَضا | ءِ قَدْ حُلْنَ بَيْنِي وبَيْنع المَرامِ |
فَسُدَّتْ مَطالِعُ ذاكَ الجَوادِ | وفُلَّتْ مضارِبُ ذاكَ الحُسامِ |
وَغُودِرَ مُحْيِي النَّدَى لِلْفَناءِ | وَعُوجِلَ بانِي العُلَى بِکنْهِدامِ |
فَواحَسْرَتا مَنْ أذَلَّ العَزِيزَ | ووا أسَفا مَنْ أذَلَّ المُحامِي |
عَجِبْتُ لِضَيْمِكَ تِلْكَ الغَداة َ | وما كانَ جارُكَ بالمُستضامِ |
وأيُّ فتًى حاولَتْهُ المَنُونُ | فَلَمْ تَرْمِ عِزَّتَهُ بِکهْتِضامِ |
وكمْ بُزَّ مِنْ مانعٍ للجوارِ | وضُيِّعَ مِنْ حافِظٍ للذِّمامِ |
سقَتْكَ بألْطَفِ أندائِها | وأغْزَرِها سارِياتُ الغَمامِ |
وإنْ قلَّ ماءٌ مِنَ القطْرِ جارٍ | فَجادَكَ قَطْرٌ مِنَ الدَّمعِ هامِ |
وبكَّتكَ كلُّ عروضيَّة ٍ | تُرِنُّ بها كُلُّ ميمٍ ولامِ |
إذا ضُنَّ عَنْكَ بِنَوْرِ الرِّياضِ | حبتكَ غرائبَ نورِ الكلامِ |
لعمري لئنْ ساءَنا الدهْرُ فيكَ | لَقدْ سَرَّنا في أخِيكَ الهُمامِ |
هوَ المرءُ يشجُعُ في كُلِّ خطْبٍ | مَهُولٍ ويجبُنُ عنْ كُلِّ ذامِ |
ذَهَبْتَ وكَلَّفْتُهُ فِتْيَة ً | ذوِي غُررٍ ووجُوهٍ وسامِ |
كما أوْدَعَ الأُفْقَ زُهْرَ النُّجُومِ | ووَلّى إلى الغَرْبِ بَدْرُ التَّمامِ |
علَى أنَّ أدْمُعَنا بالجُفُو | نِ أغرى مِنَ الوَجْدِ بالمُسْتهَامِ |
وَلِمْ لا وَذِكْرُكَ يَرْمِي القُلُوبَ | بِأنْفَدَ مِنْ صائِباتِ السِّهامِ |
هُمُومٌ تبلِّدُ فهمَ البليغِ | وتُعْيِي نَوافِثَ سِحْرِ الكَلامِ |
صدعنَ القُلوبَ فلولا أبُو | عليٍّ لما ظفِرَتْ بالتئامِ |
أغرُّ تُمزَّق عنهُ الخُطوبُ | كما مزَّقَ البدرُ ثوبَ الظلامِ |
رَعَتْ مَجْدَ آلِ الزَّرافِيِّ مِنْهُ | مَكارِمُ تَعْضُدُهُ بِکلدَّوامِ |
فَإنْ حُطِمَ اللَّدْنُ فَکلْعَضْبِ باقٍ | وَإنْ أقْلَعَ الغَيْثُ فَکلْبَحْرُ طامِ |
وفي واحدٍ منْ بني أحمدٍ | لنا خلفٌ مِنْ جميعِ الأنامِ |
عَزاءَكَ يَکبْنَ العُلَى إنَّما | تَهُونُ العَظائِمُ عِنْدَ العِظامِ |
كذا أخذَ الناسُ في دهْرِهِمْ | بِقِسْمَيْنِ مِنْ عِيشَة ٍ وکخْتِرامِ |
فَكُلُّ اجْتِماعٍ بِهِ لِلشَّتاتِ | وكُلُّ رِضاعٍ بهِ لِلْفِطامِ |
بَقِيتَ وأبْناؤُكَ الأكرَمُونَ | بقاءَ الهِضابِ بِرُكْنيْ شمامِ |
فَمِثْلُكَ لَيْسَ عَلى حادِثٍ | ألمَّ فنكَّبَهُ منْ ملامِ |