يا مَدمَعَيَّ اِكفِياني نارَ أَحزاني
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
يا مَدمَعَيَّ اِكفِياني نارَ أَحزاني | إِنّي عَهِدتُكُما مِن خَيرِ أَعواني |
نارٌ تَأَجُج في قَلبي فَهَل لَكُما | أَن تُطفِئاها بِتَسكابٍ وَتَهتانِ |
إِن لَم يَكُنِ اليَومِ لي رَنّاتٌ ثاكِلَةٌ | فَأَيُّ يَومٍ لَهُ وَجدي وَتَحناني |
أَقضي اللَيالي لا أَحظى بِطَيفٍ كَرى | مُوَزَّعاً بَينَ حَيرانٍ وَحَرّانِ |
ما لي بِغَيرُ كُؤوسِ الدَمعِ مُغتَبِقٌ | وَلَيسَ غَيرَ نُجومِ اللَيلِ نَدماني |
تَأبى المُروءَةُ قَلباً غَيرَ مُتَّقِدٍ | عَلى حَبيبٍ وَطَرفاً غَيرَ رَيّانِ |
لا بَوَّأَتني المَعالي مَتنَ صَهوَتِها | إشن كانَ لَم يُصمِ قَلبي فَقَد خَلاني |
وَلَيسَ كُلُّ أَخٍ تَأتي مُنيَتُهُ | عَلى رُؤوسِ ذَويهِ دَكَّ بُنيانِ |
أَنّا فَقَدناكَ يا عَبدَ السَلامِ لَدنَ | كُنتَ المُرَجى لِأَوطارٍ وَأَوطانِ |
وَكُنتَ رُكناً لَها إِنَّ أُمَّةً لَجَأَت | مِنَ الوَرى لِأَساطينِ وَأَركانِ |
الباهِرُ الخَصلُ يَعيى مَن يُسابِقُهُ | وَالقاتِلُ الفَصلُ عَن عِلمٍ وَبُرهانِ |
يَرمي بِكُلِّ مُراشٍ مَن كَنائِنِهِ | عَن كُلِّ قَوسٍ مِنَ التَفكيرِ مُرنانِ |
كانَت مَحامِدُهُ شَتّى نُقولٌ لَها | سُبحانَ ناظِمِها في سَلكِ إِنسانِ |
مُهَذَّبُ الخَلقِ في صَوفٍ وَفي كَدَرِ | وَناصِحُ الوُدِّ في سِرٍّ وَإِعلانِ |
مَناقِبٌ سَنَّمَتهُ ذَروَةٌ قَعَسَت | وَما أَقَرَّت لِأَقرانٍ بِإِقرانِ |
بَصيرَةٌ تَستَشِفُّ الغَيبَ أَغمَضَهُ | وَهِمَّةً تَقرِنُ العالي إِلى الداني |
كانَت لَهُ في هَوى الإِسلامِ صارِخَةً | المَوتُ في سُبُلُها وَالعَيشُ سِيّانِ |
وَعِزَّةُ العَرَرِ العَرباءِ مالِئَةٌ | عُروقَهُ مِلءَ أَنداءٍ لِأَغصانِ |
أَخي الَّذي كُنتُ أَرجوهُ عَلى ثِقَةٍ | إِذا تَشابَهَ إِخوانٌ بِخَوّانِ |
يَمضي إِلى المَجدِ إِذ يَمضي بِلا مَلَلٍ | وَلا يُبالي بِأَحقادٍ وَأَضغانِ |
ما كانَ يَثنيهِ عَن عَلياءٍ يَقصِدُها | ثانٍ وَلا يَرتَضي في السَبقِ بِالثاني |
إِن صَوَّبَت نَحوَهُ الأَعداءُ أَسهُمَها | فَالمَجدُ وَالسِلمُ في الدُنيا نَقيضانِ |
إِن شِئتَ تَعلَمُ شَأوَ المَرءِ في شَرَفٍ | قِسهُ بِما هاجَ مِن بَغِيٍّ وَعُدوانِ |
إِنَّ الحَقيقَةَ مِثلَ الشَمسِ آبِيَةٍ | إِلّا التَجَلّي لِقَومٍ غَيرَ عِميانِ |
تَتَعتَعَ المَغرِبُ الأَقصى لِمَصرَعِهِ | فَلا تَرى مِن بَنيهِ غَيرَ سَكرانِ |
كَأَنَّما كُلُّ ما في الغَربِ مِن مَهجٍ | تَجَمَّعَت وَغَدَت في وَسَطِ تَطوانِ |
قَد كُنتُ آمُلُ أَن نَحيا مُعاصَرَةً | مَديدَ عُمرٍ وَأَلقاهُ وَيَلقاني |
أَدعو لَهُ في جِناني كُلَّما اِنفَرَدَت | نَفسي بِنَجوى وَأَرعاهُ وَيَرعاني |
فَخَيَّبَ البَينُ ما قَد كُنتُ آمُلُهُ | وَكَم أَرَتني اللَيالي ضِدَّ حِسباني |
خُذ في حَياتِكَ ما تَشتاقُ مِن نِعَمٍ | وَخُذ بِمِقدارِهِ تَهمامَ وَجدانِ |
وَاِعلَم فَما صادَفَت عَيناكَ في زَمَنٍ | مِن قُرَّةٍ فَهيَ يَوماً قَرحُ أَجفانِ |
لَم تَحلُ لي مِن زَماني لَحظَةٌ عَذَّبتُ | إِلّا أَمَّرتَ وَحاكَت وَقعَ مُرّانِ |
وَلا تُوَفِّر لي حَظٌّ أَلَذُّ بِهِ | إِذا تَضَمَّنَ أَشجاني وَأَشجاني |
يا راحِلاً فَجِعَ الإِسلامُ أَجمَعُهُ | فَالشَرقُ في نُدبِهِ وَالغَربُ صَنوانِ |
وَمُسلِماً بَطَلاً كانَت حَمِيَّتُهُ | تَملَأُ الفَجاجَ بِإِسلامٍ وَإيمانِ |
بُدِّلَت مِن هَذِهِ الدُنيا سَماءُ عُلاً | فَاِبشِر أَمُستَبدِلُ الباقي مِنَ الفاني |
شَقَيتُ في دارِكَ الدُنيا في حَيرَتِها | فَاِسعَد مِنَ المَلَأِ الأَعلى بِجيرانِ |
أَثواكَ رَبُّكَ في أَفياءِ جَنَّتِهِ | مُمَتَّعُ الروحِ في رَوحٍ وَرَيحانِ |
وَجادَ تُربٌ ضَريحٌ أَنتَ ساكِنُهُ | بِكُلِّ أَوطَفٍ داني الهُدبِ حَنانِ |
وَأَورَثَ اللَهُ مَن أَنجَبَت مِن وَلَدٍ | خِلالَكَ الغُرُّ هَذا خَيرُ سَلوانِ |
فَاِذهَب عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ ما طَلَعَت | شَمسٌ وَناحَ حَمامٌ فَوقَ أَفنانِ |
يَقِلُّ بَعدَكَ مَدفوناً فَجِعتُ بِهِ | إِن أُستطارُ عَلى ضَعفي لِحَدَثانِ |