عَمّا بِصَباحِ العِلمِ رَغَداً وَاِنعَما
مدة
قراءة القصيدة :
8 دقائق
.
عَمّا بِصَباحِ العِلمِ رَغَداً وَاِنعَما | بِرَبعٍ ظَلامُ الجَهلِ عَنهُ تَصَرَّما |
قَد اِنصاحَ صُبحُ السَعدِ في لَيلِ نَحسِهِ | فَغادَرَهُ شَيئاً فَشَيئاً مُهَزَّما |
وَثابَ إِلَيهِ العِلمُ عَدُوّاً بِعودِهِ | إِلَيهِ فَلا لَومٌ إِذا ما تَلَوَّما |
فَأَصبَحَ داجي أُفقِهِ اليَومَ زاهِراً | وَقَد كانَ زاهي أُفقِهِ قَبلَ مُظلِما |
وَأَينَعَ ذاوي رَوضِهِ اليَومَ بُعدانَ | تَصَوَّحَ مِن عَصفِ البَوارِجِ في الحِمى |
تَرَنَّحَ عَطفُ السَعدِ مِنهُ بُعَيدَ أَن | رَأى لِثُغروِ العِلمِ فيهِ تَبَسُّما |
وَباتَت غُصونُ العِزِّ تَخطُرُ عِندَما | رأَت فَوقضها طَيرَ المَعارِفِ حَوَّما |
لَعَمرُكَ إِنَّ الشَرقَ رُدَّ بَهاؤُهُ | فَيَرفُلُ في ثَوبِ النِساءِ مُنَمنَما |
وَعادَ إِلَيهِ الفَضلِ وَالعودُ أحَمدُ | عَلَيهِ إِذا كانَ الغِيابُ مُذَمَّما |
وَما الشَرقُ إِلّا ذَلِكَ الشَرقُ لَم يَزَل | مَدى الدَهرِ أَعلامَ العِلى مُتَسَنَّما |
فَإِن نابَهُ يَوماً مِنَ الدَهرِ صَرفُهُ | فَلَم تَمضِ إِلّا بُرهَةً فَتَثَلَّما |
وَإِما تَطِش دَهمَ اللَيالي سِهامَهُ | فَهَيهاتَ لَم تَسلِبهُ لِلحَظِّ أَسهُما |
وَإِن فاتَهُ لِلفَضلِ غَيثٌ فَإِنَّما | تَوَخّى إِلَيهِ الرَجعَ جَمّاً فَعَتَّما |
وَإِن تَعرُهُ الأَحداثَ مِن بَعدِ بَسطَةٍ | فَيُّ الوَرى لَم يَلقَ بوسى وَأَنعُما |
وَإِن يَكُ يَوماً سَوَّدَ الجَهلَ أُفقَهُ | فَقَد طالَما في الفَضلِ أَطلَعُ أَنجُما |
نُجومَ عُلومٍ أَخجَلَت بِضِيائِها | نُجومُ ضِياءٍ لَحنَ في كَبَدِ السَما |
بِهِنَّ أَهتَدي في سَيرِهِ كُلٌّ بارِجٍ | تَوَغَّلَ في بَحرِ الكِيانِ الَّذي طَمى |
رِجالٌ بِهِم جادَ الزَمانُ وَعلُهُ | عَلى مِثلِ هَذا الجودِ يَوماً تَندَما |
أضقامَهُم في الشَرقِ يُحيونَ شَأنَهُ | فَإِذا هَل عَمّا نالَ عاداً وَجَرَّهُما |
هُمِ المَلَأُ الأَخيارُ وَالعُصبَةُ الأولى | رَأَينا لَعَمري الرُشدُ فيهِم مُجَسَّما |
تَظَلَّمَ مِنهُ الفَجرُ قَبلَ مَجيئِهِم | فَجاؤوا فَلَمّا أَثَقَلوهُ تَظَلَّما |
لَكُم أَرهَفوا بِالجِدِّ لِلمَجدِ مِخذَما | وَكَم أَرَ عَفواً بِالحَزمِ لِلدَهرِ مَرغَما |
وَسَلوا مِن الآراءِ أَبيَضَ صارِما | فَفَلّوا مِنَ الأَرزاءِ بَحراً عَرَمرَما |
أَماطوا قِناعَ المَكرُماتِ وَقَد جَلوا | مُحَيّا المَعالي بَعدَ أَن كانَ اِسحَما |
وَاِعلوا مَنارَ الرُشدِ في أُفقٍ شَرقَهُم | وَخَلّوا سَبيلاً أَضحَت إِلى النُجحِ سَلما |
وَأَجروا يَنابيعَ المَعرِفِ في المَلا | فَطالَ بِها بِنتَ المَعاني وَقد نَما |
وَشادوا أُصولاً لِلفُنونِ وَأَوضَحوا | لَها سُبُلاً أَضحَت إِلى النُجحِ سَلما |
فَنِعمَ رِجالِ الشَرقِ قَوماً وَمَعشَراً | فَطالَ بِها بَنَتِ المَعاني وَقَد نَما |
جَروا في رِهانِ الفَضلِ في أَوَّل المَدى | سِباقاً كَما أُجرِيَت أَجرَدَ شَيظَما |
وَلَم يُرهِبوا مِن دونِها في جِهادِهِم | خِطاراً فَقَد خالوا التوقي تَقَحُّما |
فَهُم أَسَّسوا رُكنَ الحَضارَةِ في الوَرى | وَلَم يَفعَلوا إِلّا لِنُدرِكَ مَغنَما |
وَهُم أَكنَهوا سِرَّ المَعارشفِ أَوَّلاً | وَهُم عيفوا نَفعَ العُلومِ مَقدَما |
فَلَمّا أَحَلَّ اللَهُ فيهِم قَضاءَهُ | وَأَوفاهُم داعي الرَدى مُتَخَرِّما |
طَوَتهُم أَيادي البَينِ مِن بَعدِ أَن رَموا | مِنَ الهِمَّةِ الشَمّاءِ أَبعَدَ مُرتَمى |
فَغارَ ضِياءُ الشَرقِ عِندَ غِيارِهِم | وَأَظلَمَ وَجهُ الشَرقِ وَقتاً وَاِقتَما |
وَدالَت إِلى العَرَبِ العُلومِ مَعَ العُلى | كَما حَكَمَ المُبدي المُعيدُ وَأَبرَما |
وَأَوجَفَ رَكبُ السَعيِ في طَلَبِ العُلى | فَكانَ بِذا الجَريِ الجَوادِ المُصَمَّما |
وَباتَت بِلادُ الشَرقِ مِن بَعدِ عِزِّها | كَأَن لَم تَنَل مَجداً وَلَم تَحوِ مَغرَما |
إِلى أَن تَجلي طالِعُ العَصرِ بَعدَ أَن | تَحَجَّبَ عَن تِلكَ الجَوانِبِ وَاِكتَمى |
فَثابِتٌ لَدى إِشراقِهِ الهِمَمَ الَّتي | عَنِ العِلمِ قَبلاً قَد تَقاعَسنَ نُوَّما |
عَنِ العِلمِ حَقُّ العِلمِ بِالفَضلِ ظاهِرٌ | فَذَلِكَ لِلأَلبابِ قَد كانَ الزَما |
وَعَفَّت عَلى ما كانَ قَبلاً وَذَلَّلَت | جِماحَ زَمانٍ قَد طَغى وَتَجَرَّما |
فَإِن يَكُ خَسفَ الشَرقِ أَضحى مُحَلَّلا | لَدَيهِ فَما كانَ الفَلاحُ مُحرِما |
أَلا يا بَني الأَوطانِ إِنَّ عَلَيكُم | إِلى السَعيِ في تِلكَ المَعالي التَقَدُّما |
عَلَيكُم بِها فَاِسعَوا لَها وَتَشَبَّهوا | فَمَن يُشبِهِ بِالكِرامِ تَكَرَّما |
وَمَن قَصُرَت أَيديهِ فَليَسعَ طَوقُهُ | وَمَن لَم يَجِد ماءً بِأَرضٍ تَيَمُّما |
وَقَد نَكتَفي بِالطَلِّ إِن بانَ وابِلِ | فَإِن اِعوِرارَ العَينِ خَيرٌ مِنَ العَمى |
وَلا سِيَّما العِلمُ الشَريفُ فَإِنَّنا | نَرى نَيلُهُ جَدّاً عَلى الكُلِّ مُغرَما |
أَما نَحنُ مَن سَنّوا المَآثِرِ وَاِقتَفى | مَآثِرَنا مَن بَعدَنا حازَ مُستَمى |
أَلَم نُعلِ أَعلامَ العُلومِ بِقَطرِنا | عَلى حينٍ حَدُّ السَيفِ يَرعَفُ بِالدِما |
أَلَم نَكُ أَهلَ الأَولِيَةِ في العُلى | لَيالي لَم نَقصُر عَنِ المَجدِ مُعزِما |
بَلى نَحنُ كُنّا أَهلَها فازالَنا | زَمانٌ تَوَخّى حَيفَنا وَتَحَكَّما |
وَما زالَ أَهلُ الغَربِ يَدرونَ قَدرَنا | عَلى مِنبَرٍ صَلّى عَلَينا وَسَلَّما |
فَلا تَحسَبونا قَد عَرَينا وَطالَما | جُرِرنا مِنَ الفَضلِ الرِداءِ المُرَقَّما |
وَهُم أَثَروا عَنّا العُلومَ فَهَذَبوا | فَجَرّوا عَلَينا مَطرَفَ المَجدِ مُعلَما |
تَباروا بِعِلمٍ بِينَهُم وَتَنافَسوا | فَلا جَرَمَأَنَّ العِلمَ سَرَّ فَاِشكَما |
وَقَد بَلَغوا مِن باذِخِ العِزِّ مَنزِلاً | يَظَلُّ لِسانُ الحالِ عَنهُ مُتَرجَما |
إِذا نَظَرَ الشَرقِيُّ حالَ صَلاحِهِم | بضكى صاحِبي مِنها دَماً عِندَما |
فَيا وَطَني حَتّامَ تَلبِثُ غافِلاً | وَحَتّامَ يا شَرقي أَراكَ مُهَوِّما |
أَلَم تَدرِ بِالغَربِيِّ في الأَرضِ سائِحاً | عَلى سابِحٍ مِن عِلمِهِ لَيسَ مُلجِما |
فَلِلَهِ دَرُّ العِلمِ أَن جَداءَهُ | لِمِمّا يَفوقُ العارِضَ المُتَسَجِّما |
لَكُن نالَ مِن فَخرٍ وَأَيَّدَ صاغِراً | وَكَم عالَ مِن فَقرٍ وَقَلَّدَ مُعدَما |
وَكَم حَلَّ مِن عِيٍّ وَأَطلَقَ حَبَّةً | وَكَم فَلَّ مِن غَيٍّ وَأَنطَقَ أَبكَما |
فَمَن يَعتَصِم بِالعِلمِ يَظهَرُ بِهَديِهِ | فَلَم يَكُ غَيرَ العِلمِ شَيءٌ لِيَعصِما |
إِذا العِلمُ هَذا الحَقَّ ما فيهِ شُبهَةٌ | وَحَسبُكَ بِالحَقِّ المُبينِ مُعَلِّما |
وَمَن عَزَّ دونَ العِلمِ شَأناً فَإِنَّهُ | لَسَوفَ يُلاقي أَمرَهُ مُتَحَتِّما |
فَذو السَيفِ يَلقى العِزَّ حيناً وَمُفرَداً | وَذو العِلمِ العِزِّ دَهراً وَتَوأَما |
وَمَن نالَ أَخطارَ اليَراعِ فَإِنَّما | سَتُرِنُ كَفّاهُ يَراعاً وَصَيلَما |
فَسُعداً لِمَن في حَلبَةِ العِلمِ قَد جَرى | وَسُحقاً لِمَن في حَلبَةِ العِلمِ أَحجَما |
وَماذَلَّ مَن يَهوي العُلومَ وَإِنَّما | تَسَوَّدَ مَن بِالعِلمِ كانَ مُتَيَّما |
سَما بِالَّذي كانَ الحَضيضُ مَقَرَّهُ | فَطَنَّبَ مِن فَوقِ الدَراري مُخَيِّما |
فَما يَبلُغ المَنطيقُ وَصفَ جَدائِهِ | وَلَو كانَ كُلُّ الكَونِ في وَصفِهِ فَما |
فَحَثّوا مَطايا العَزمِ كَي تَظفَروا بِهِ | تَنالوا بِيُمنِ العَصرِ مِنهُ المُيَمَّما |
فَلا مُنيَةٌ إِلّا وَنِلتُم أَعِزَّها | وَلَو أَنَّها باتَت عَلى روقٍ أَعصَما |
لَئِن تَبذُلوا فيهِ النَفيسَ فَغَيرُكُم | لِإِحرازِهِ هَلَكَ النُفوسَ تَجَشَّما |
وَما غَيرُكُم وَاللَهِ إِلّا أُصولَكُم | نُخبِرُ عَنهُم لا حَديثاً مُرَجَّما |
وَقَومٌ هَدوا في الحَقِّ هَديُ جُددوكُم | إِلى أَن غَدوا أَعلَينَ في الأَمرِ مِثلَما |
أولَئِكَ قَد سادوا وَأَقصى نِكايَةٍ | لَنا فيهِم القابَ عَلَجٍ وَأَعجَما |
بِعِلمٍ إِذا ما باتَ فيهِم مُتَوَّجاً | فَيا طالَما قَد كانَ فينا مُعَمَّما |
فَأَمّا لَعَمري قُدوَةٌ بِمَعاصِرٍ | وَأَمّا تُراثٌ لِلَّذي صارَ أَعظُما |
وَلا نَحسَبُ الأضحوالَ وَهيَ عَوراِضٌ | تُغَيِّرُ في أَصلِ المَبادي فَنَسأَما |
وَأَمّا نَصَبنا في سَبيلِ جِهادِنا | فَأَيِّ قَرارٍ لا يُقابِلُ مَخرَما |
وَقَد أَشرَعَ الدَربَ الموصِلُ نَحوَهُ | بِما شَفَعَ الرَحمَنَ فينا وَالهَما |
فَلا صَدَفَت فِتيانُنا عَن وُلوجِهِ | لَيَغدو بِهِم رَثُّ البِلادِ مُرَمَّما |
وَيَرتَقِ فَتقُ الشَرقِ بَعدَ اِتِّساعِهِ | وَيَرفى غِطاهُ بَعدَ ما قَد تَشَرَّما |
فَإِنَّ الفَتى مِن زانٍ مَسقَطِ رَأسِهِ | بِما نالَهُ مِن حِكمَةٍ وَتَعلَما |
فَذاكَ الَّذي في بَردَةِ الفَضلِ يَنثَني | وَلَيسَ الفَتى مَن بِالعَقيقِ تَختِما |
فَإِن يَنتَظِم شَملُ الرِجالِ بِقَطرِنا | تَرتُبُ فيهِ أَمرَنا وَتَنظُما |
لِأَنَّ نَجاحَ الصَقعِ في حُسنِ أَهلِهِ | إِذا كانَ أَمرِ الوُدِّ في القَومِ مُحكَما |
وَكانوا كَما الأَعضاءُ في الجِسمِ فَاِغتَدى | عَلى الكُلِّ مِنهُم خَيرُهُ مُتَقَسِّما |
فَيَشتَدُّ أَزرُ القَومِ بَعدَ اِنحِلالِهِ | إِذا شَدَّ مِن عَقدِ التَضافُرِ مُحزَما |
إِذا نَبتَغي عِلماً بِدونِ تَضافُرٍ | إِذاً فَاِتِّباعُ الجَهلِ قَد كانَ أَحزَما |
وَكُلُّ اِمرِئٍ عَن قَومِهِ مُتَخَلِّفٌ | فَلا يَعدُ مِنَ الدَهرِ لِلوَطءِ مَنسِما |
فَكونوا كَجِسمٍ واحِدٍ أَن تَأَلَّمَت | لَهُ أَنمُلٌ تَلقى الجَميعَ تَأَلُّما |
تَفوزوا بِتَذليلِ الصِعابِ إِذا عَصَت | وَتَقووا عَلى ذا الدَهرِ إِمّا تَهضِما |
وَتَحظوا بِإِعلاقِ المُنى وَتَحَقَّقوا | بِهِمَّتِكُم مِن عَصرِنا ما توسَما |
هُوَ العَصرُ وافى ضاحِكاً عَن فُنونِهِ | وَقَد كانَ مِن قَبلُ عَلَيكُم تَأَجَّما |
تَبَدّى وَهَذا الجَهلُ في الناسِ سائِدٌ | فَاِطرُق مِنهُ هَيبَةً وَتَحشَما |
وَراحَ عَلى الدُنيا يَنُشُّ بَدائِعاً | فَهَزَّ أَخاً عَشِقَ وَرَنَّحَ ضَيغَما |
بِكُم مَعشَرَ الحُضّارِ تَزانُ أَرضُنا | وَيُصبِحُ عَرضَ الخَسفِ فيها مُكَلَّما |
تَجلوا عَن أَن تُرشِدوا مِن مُماثِلي | وَلَكِنَّها ذِكرى لِما لَيسَ مُبهَما |
كَفى عَصرَكُم فَخَروا وَعِزّاً إِذا اِدَّعى | أَميرَ الوَرى عَبدَ الحَميدِ المُعَظَّما |
لِيُجهِدَ في اِستِرجاعِ رَونَقَ شَرقَنا | وَتَجديدَ ما مِن مَجدِهِ قَد تَهدِما |
فَلا زالَ في عَصرِ الخِلافَةِ قائِماً | لِما أَنادَ مِن أَمرِ العِبادِ مُقَوِّما |
يَنُثُّ عَلَيهِ الخافِقانِ بِعَدلِهِ | ثَناءً جَميلاً بِالدُعاءِ مُختِما |