أرشيف المقالات

شرح أحاديث باب التوبة من كتاب رياض الصالحين (3)

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2شرح أحاديث باب التوبة من رياض الصالحين (3)   عَنْ أَبِي حَمْزَةَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ، خَادِمِ رَسُولِ اللهِ - صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «للهُ أفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرهِ وقد أضلَّهُ في أرضٍ فَلاةٍ»؛ متفق عليه.   وفي رواية لمسلم: «للهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يتوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتهِ بأرضٍ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابهُ، فأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتى شَجَرَةً، فاضطَجَعَ في ظِلِّهَا، وقد أيِسَ مِنْ رَاحلَتهِ، فَبَينَما هُوَ كَذَلِكَ إِذْ هُوَ بِها قائِمَةً عِندَهُ، فَأَخَذَ بِخِطامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبدِي وأنا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ».   قوله - رحمه الله -: «خادم النبي صلى الله عليه وسلم»؛ وذلك أن أنسًا - رضي الله عنه - حين قدم النبي - عليه الصلاة والسلام - المدينة أتت به أمة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالت له: هذا أنس بن مالك يخدمك، فَقَبِل النبي - عليه الصلاة والسلام - ذلك، وصار أنس من خدام النبي عليه الصلاة والسلام.   ذكر أنس - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: لله أشد فرحًا بتوبة عبده إذا تاب إليه من هذا الرجل الذي سقط على راحلته بعد أن أضلها، وذَكَرَ القصة: رجل كان في أرض فلاة، ليس حوله أحد، لا ماء ولا طعام ولا أناس، ضلَّ بعيره؛ أي: ضاع، فجعل يطلبه، فلم يجده، فذهب إلى شجرة ونام تحتها ينتظر الموت، قد أيس من بعيره، وأيس من حياته؛ لأن طعامه وشرابه على بعيره، والبعير قد ضاع، فبينما هو كذلك إذا بناقته عنده قد تعلق خطامها بالشجرة التي هو نائم تحتها، فبأي شيء يُقدَّر هذا الفرح؟ هذا الفرح لا يمكن أن يتصوره أحد إلا من وقع في مثل هذه الحال!! لأنه فرح عظيم، فرح بالحياة بعد الموت، ولهذا أخذ بالخطام فقال: «اللهم أنت عبدي وأنا ربك»، أراد أن يثني على الله فيقول: «اللهم أنت ربي وأنا عبدك»، لكن من شدة فرحه أخطأ، فقلب القضية، وقال: «اللهم أنت عبدي وأنا ربك».   في هذا الحديث من الفوائد: دليل على فرح الله - عز وجل - بالتوبة من عبده إذا تاب إليه، وأنه يحب ذلك - سبحانه وتعالى - محبة عظيمة، ولكن لا لأجل حاجته إلى أعمالنا وتوبتنا؛ فالله غني عنا، ولكن لمحبته سبحانه للكرم؛ فإنه يحب - سبحانه وتعالى - يفرح، ويغضب، ويكره ويحب، لكن هذه الصفات ليست كصفاتنا؛ لأن الله يقول: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]؛ بل هو فرح يليق بعظمته وجلاله، ولا يشبه فرح المخلوقين.   وفيه دليل على أن الإنسان إذا أخطأ في قول من الأقوال، ولو كان كفرًا سبق لسانه إليه؛ فإنه لا يؤاخذ؛ فهذا الرجل قال كلمة كفر؛ لأن قول الإنسان لربه: «أنت عبدي وأنا ربك»؛ هذا كفر لا شك، لكن لما صدر عن خطأ من شدة الفرح؛ أخطأ ولم يعرف أن يتكلم، صار غير مؤاخذ به، فإذا أخطأ الإنسان في كلمة؛ كلمة كفر؛ فإنه لا يؤاخذ بها، وكذلك غيرها من الكلمات؛ لو سب أحدًا على وجه الخطأ بدون قصد، أو طلَّق زوجته على وجه الخطأ بدون قصد، أو أعتق عبده على وجه الخطأ بدون قصد، فكل هذا لا يترتب عليه شيء؛ لأن الإنسان لم يقصده، فهو كاللغو في اليمين، وقد قال الله تعالى: ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ [البقرة: 225]؛ بخلاف المستهزئ فإن المستهزئ يكفر إذا قال كلمة الكفر، ولو كان مستهزئًا؛ لقول الله سبحانه: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة: 65، 66]، فالمستهزئ قصد الكلام، وقصد معناه؛ لكن على سبيل السخرية والهزء؛ فلذلك كان كافرًا، بخلاف الإنسان الذي لم يقصده؛ فإنه لا يُعتبر قوله شيئًا.   وهذا من رحمة الله - عز وجل - والله الموفق.   المصدر: « شرح رياض الصالحين ».



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير