بِقِيَّةَ مَجدٍ وُدِّعتْ يَومَ وُدّعا
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
بِقِيَّةَ مَجدٍ وُدِّعتْ يَومَ وُدّعا | وَآمالُ عِزٍّ آنَ أَن تَتَقَطَّعا |
وَلَم تَنعَهُ الأَيّامُ إِلّا وَأَدمَجَت | مِنَ الشِرقِ شَطراً في مُنيَتِهِ مَعا |
لَقَد جادَنا نَوءُ الزَمانِ مَصائِباً | يَلوحُ لَنا أَنَّ مُزنَها لَيسَ مُقَطَّعا |
وَسُبحانَ مَن ساقَ الرَدى بِوُجوهِهِ | فَلَقى لَعَمري الجَمعَ وَالفَردَ مَصرَعا |
إِذا شَنَّ جَيشُ النَحسِ في القَومِ غارَةً | فَما أَجدَرُ الأَرزاءِ أَن تَتَنَوَّعا |
وَما كُنتُ حَتّى اليَومَ أَحسَبُ دَهرَنا | إِذا ساءَ لا يَرتادُ لِلعُذرِ مَوضِعا |
أَلَم يَكفِهِ ما غالَ مِن كُلِّ غايَةٍ | وَأَفسَدَ مِن مَعنى وَعَطَلَ مَرجِعا |
وَضيقُ الخَطبِ وَليَفدَحَ الأَسى | وَتَنقَلِبُ العُليا بِمارِنٍ أَجدَعا |
أَجَلَّ وَيُجَلّي الدَهرُ النَوادِبُ عَبرَتي | عَلَيَّ فائَت وَليَنعَ دَهرُكَ مَن نَعى |
فَهَيهاتَ ما إِن أَسطارٍ لِفاجِعٍ | إِذا كانَ مَن أَودى الأَمينَ المُشَيَّعا |
أَحِبَّتَنا إِن قيلَ في الصَبرِ رُجلَةً | فَإِنّي فَتى أَبغي أَنوحُ وَأجَزَعا |
تَرَكتُ لَكُم فَضلِ التَصَبُّرِ صَبرَةً | وَقُلتُ لِطَرفي اليَومَ لا تَألُ مَدمَعا |
وَشَعشَعَ كُؤوسَ الدَمعِ بِالدَمِ ساقِياً | فَكُلُّ شَرابٍ زينُهُ أَن يُشَعشَعا |
وَاِعتَدُّها نَحوَ الأَمينِ خِيانَةً | إِذا أَنا لَم أَشتَفَّ كاسَكَ مَترَعا |
فَما كانَ وُدّي لِلأَعِزَّةِ ضائِعاً | وَما كانَ قَلبي مِن أَخي الوُدِّ بَلقَعا |
حَمَلتُ لَهُ بَينَ الضُلوعِ أَمانَةً | لَو اِحتَمَلتُها الشَمُّ مالَت تَصدَعا |
وَأَصفَيتُهُ مِنّي إِخاءَ لَو أَنَّهُ | أَعارَ اللَيالي صَفوَهُ رُقنَ مَشرَعا |
وَما زِلتُ أَرعاهُ عَلى البُعدِ صاحِباً | وَقَبلي نُجومُ الأُفقِ مِثلِيَ مَن رَعى |
فَإِن يَكُ هَذا التُربُ غَرَّبَ بَدرَهُ | فَلا زَهَرَت تِلكَ الكَواكِبُ مَطلَعا |
وَلا لَمَعَت تِلكَ البُروقُ وَقَد خَبَت | بُروقُ أَمانٍ كُنَّ بِالأَمسِ لَمَّعا |
أَما في دُجى الخَطبِ المُخَيِّمِ حاجِبٌ | لِكُلِّ مُنيرٍ أَن يُضيءَ وَيَسطَعا |
قَضى اليَومَ مَن راعَ البَرِيَّةَ رُزؤَهُ | وَلَيسَ يُراعُ الناسُ إِلّا لِأَروَعا |
وَلَم يَأتِ فيهِ المَوتُ مَصرَعَ واحِدٍ | وَلَكِنَّهُ كانَ المَصارِعُ أَجمَعا |
أَصابَ الحِجى وَالعِلمَ وَالحَزمَ وَالمَضا | وَصَدَّقَ المَبادي وَالذِمامِ المُمَنَّعا |
وَما بَقِيَت في المَكرُماتِ سَجِيَّةً | وَلا خُطَّةً إِلّا ثَوَت مَعَهُ مَضجَعا |
فَلَو نَفَعَت عِندَ المَنونِ شَفاعَةً | كَفَتهُ فَريداتُ الخِصالِ مُشَفَّعا |
وَدافَعَ عَن حَوبائِهِ طَيِّبُ الثَنا | وَخَلَّدَهُ لَو أَنَّ في الخُلدِ مَطمَعا |
وَلَكِنداعي المَوتِ لا يَقبَلُ الرُشى | وَأَنفَسَ مِنهُ لَيسَ يَلقى وَأَرفَعا |
تَصَيَّدَهُ عَن ساعِدِ الغَدرِ فَجأَةً | فَكانَ كَرَجعِ الطَرفَ أَو كانَ أَسرَعا |
مُصابٌ لَهُ الأَقطارُ إِذ شاعَ زَلزَلَت | فَلا رُكنٌ لِلعَلياءِ إِلّا تَزَعزَعا |
أَذَلَّ إِباءَ الدَمعِ مِن كُلِّ جامِدٍ | فَلَم يَبقَ عاصٍ مِنهُ إِلّا تَطَوَّعا |
وَلَم أَرَ في الأَرزاءِ أَبعَدَ غارَةٍ | وَلا مِن قُلوبِ الخَلقِ أَقرَبَ مَوقِعا |
عَشِيَّةَ لا في الناسِ مالِكُ عَبرَةٍ | وَلا زَفَراتِ الصَدرِ إِلّا تَصَنُّعا |
عَشِيَّةَ آبِ الناسِ سُكري وَإِنَّما | بِما لَم يَكُن يَوماً لَهُ الكَرَمُ مَنبَعا |
عَشِيَّةَ لَم تُبقِ الفَجيعَةِ مُسكَةً | وَلا حَزَمَ لِلمَحزونِ إِلّا مُضَيَّعا |
عَشِيَّةَ وارى الناسَ شَمساً وَأَظلَمَت | لَها الشَمسُ حَتّى لا تَرُدَّ بِيوشَعا |
وَقيلَ أَمينُ المَجدِ تَدُقُّ بِأُختِها | وَكَم شِفَةً باتَت تُجاوِرُ أُصبَعا |
فَإِن يَكُ وادي النَيلِ أَشعِر فَقدَهُ | فَلا جَبَلٌ في الشامِ إِلّا تَضَعضَعا |
كَريمٌ بِهِ لَفظَ الكَريمِ مُقصِرٌ | إِذا قيلَ عَن قَومٍ كِرامٍ تَوَسُّعا |
تَوَخّى طَريقُ الخَيرِ مَحَضّاً كَأَنَّهُ | مِنَ المَهدِ حَتّى اللَحدِ جاءَ لِيَنفَعا |
لَهُ خَلقٌ سَهلٌ وَنَفسٌ أَبِيَّةٌ | وَحَسُنَ خِلالَ دَونِها الرَوضُ مِمرَعا |
وَأَقلامُ صِدقٍ راجِعٌ في وَلائِها | لِأَكتُبَ مَن أوتي الكِتابَ وَأَبرَعا |
وَمِن بَعدِ عَبدِ اللَهِ كانَ مُؤَمَّلاً | بِأَن لَم يَغِب ذا الأَصلُ إِلّا وَفَرَّعا |
فَما زالَ حَتّى أَتبَعَ الفَرعَ أَصلَهُ | زَمانٌ لِتَنقادَ الكِرامَ تَتبَعا |
وَما زالَ فَقَدَ البَدرَ لِلناسِ موجِعا | وَفي اللَيلَةِ الدَهماءِ أَنكى وَأَوجَعا |
فَإِن تَطوِهِ أَيدي المَنونِ فَما طَوى | كُرورُ اللَيالي ذِكرُهُ المُتَضَوِّعا |
وَإشن تَكُنِ الأَكفانُ بيضاً نَواصِعاً | فَإِنَّ لَهُ مِن أَبيَضِ الذِكرِ أَنصَعا |
أَلا في ذِمامِ اللَهِ سَيرَكَ إِنَّهُ | مُسَيَّرُ فَتى ماضٍ أَغذَ وَأَوضَعا |
سَبَقَت إِلى حَوضٍ كَأَنَّهُ ناهِلٌ | عَلى نَكظٍ خافَ الزِحامَ فَأَهرَعا |
وَنازَلتَ قَرنَ المَوتِ لا مُتَهَيِّباً | وَحَسبُكَ أَلفاظُ الشَهادَةِ أَدرَعا |
أُناديكَ لا راجي الجَوابَ فَقَد مَضى | وَيا لَهفَ قَلبي أَن أَقولَ وَتَسمَعا |
أَخلَفتَ ثَغراً بَعدَ بُعدِكَ باسِماً | وَطَرفاً تَمَنّى أَن يَنامَ وَيَهجَعا |
وَلَو ساكِناتِ الأَيكطِ يَعمَلنَ مَن ثَوى | لِما نَحنُ إِلّا في رِثائِكَ سَجَّعا |
رَجَوناكَ لِلأَوطانِ أَحوَجَ ما غَدَت | إِلى مَن يَرقيها وَأَوحَشَ أَربُعا |
فَلَم تَسمَحِ الدُنيا وَلَم نَعلَمِ الوَفا | وَلَم تَرَ إِلّا أَن تَغَرَّ وَتَخدَعا |
وَما هَذِهِ الدارُ الَّتي لِفِنائِها | يُشُّ وَيَهوى أَن يُمالَ وَيَنزَعا |
مَتاعٌ قَليلٌ ثُمَّ مَأوى لِحَفرَةٍ | فَماذا عَسى الإِنسانُ أَن يَتَمَتَّعا |