يا عَينُ مَهما كُنتِ ذاتَ جُمودٍ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
يا عَينُ مَهما كُنتِ ذاتَ جُمودٍ | فَلَأُبكِينكِ دَماً عَلى مَحمودِ |
وَلَأُمطِرَنكَ مِنَ الدُموعِ سَحائِباً | تَروينَها عَن كَفِّهِ في الجودِ |
وَلَأَنتَ يا كَبِدي فَمِن نارِ الأَسى | ذوبي وَيانارُ الضُلوعِ فَزيدي |
ماكُنتُ يا قَلبُ الحَديدَ فَإِن تَكُن | فَالنارُ قَد تُلوى بِكُلِّ حَديدِ |
أَتُعِزُّ في مَحمودِ دَمعَةَ ناظِرِ | لَو كانَ فيهِ قَسوَةَ الجَلمودِ |
مِن بَعدِ ما مَلَأَ النَواظِرَ قُرَّةً | وَغَدا مَسَرَّةَ قَلبِ كطُلَّ وَدودِ |
ما كُنتُ أَحسَبُ أَنَّ مِثلَ جَبينِهِ | شَرخَ الشَبابِ يَعودُ طَعمُ الدودِ |
ما كُنتُ آمُلُ أَنَّ شُعلَةَ ذِهنِهِ | تَعدو عَلَيها اليَومَ كَفَّ خَمودِ |
ما كُنتُ آمُلُ أَن نَكباءَ الرَدى | تودي بِغُصنِ شَبابِهِ الأَملودِ |
وَبِكُلِّ نَفسٍ مِن أَمائِرِ نَبلِهِ | إيماضَ بارِقَةٍ وَلَمحَ شُهودِ |
سَهِرَ الَيالي في وِصالِ حَقائِقٍ | وَالغَيرُ يَسهَرُ في وِصالِ الغَيدِ |
ما غَرَّهُ زَهوٌ وَلا حَسَبُ العُلا | إِلّا بِمَجمَعِ طارِفِ وَتَليدِ |
نَظُمَت بِهِ زَهرَ الخِلالِ كَأَنَّها | في الخودِ عَقدَ اللُؤلُؤِ المَنضودِ |
ما كانَ مَن يَمضي وَهَذا شَأوُهُ | في السِتِّ وَالعِشرينَ غَيرَ شَهيدِ |
ما ارعَ مِثلُ القَصفٍ في شَرخِ الصِبا | وَالقَطفُ قَبلَ حَلاوَةِ العُنقودِ |
يَومَ غَدا في كُلِّ دارٍ مَأتَماً | فينا وَفي الفِردَوسِ يَومَ العيدِ |
لَبِسَ النَهارَ بِهِ دُجُنَّةَ غاسِقٍ | وَلَقَد يَكونَ ضِيا اللَيالي السودِ |
وَلّى وَخَلَّفَ في ذَويهِ مِنَ الأَسى | حالاً أَشَقَّ مِنَ الحِمامِ المودي |
لَو كانَ يَنظُرُ لِلحَقيقَةِ ناظِرٌ | فَالمَوتُ لِلمَوجودِ لا المَفقودِ |
هَذا يَموتُ بِكُلِّ يَومٍ حَسرَةً | إِذا ذاكَ راحَ بِيَومِهِ المَوعودِ |
يا أَيُّها المَحمودُ رِفقاً بِالأُلى | دَفَنوكَ بَينَ جَوانِحٍ وَكَبودِ |
قَد كُنتَ سَبّاقاً إِلى حَوضِ العُلا | فَسَبَقتَ نَحوَ المَورِدِ المَورودِ |
وَالكُلُّ رَكبٌ سائِرونَ وَإِنَّما | أَهلُ النَباهَةِ فَوقَ خَيلٍ بَريدِ |
رِفقاً بِوالِدِكَ الكَريمِ فَقَد وَفى | شَجوَ الفَقيدِ بِفَرحَةِ المَولودِ |
غادَرَت بُعدَكَ كُلَّ باكٍ جَفنَهُ | يَمتاحُ مِن بَحرِ البُكا بِمَديدِ |
وَمَضَيتُ قاصِداً جَنَّةً وَتَرَكتَنا | مِن حُزنِنا في النارِ ذاتَ وَقودِ |
قَد عَزَّ فيكَ الصَبرَ لَولا أَنَّهُ | فَرضٌ وَإِنَّ الحُزنَ غَيرَ مُفيدِ |
قَد كُنتَ تَفدي في مَقامٍ كَريهَةٍ | لَو أَنَّ ثُمَّةَ مَوقِفاً لِجُنودِ |
المَوتَ حَتَمَ وَالمَسافَةِ بَينَنا | نَزرٍ وَما مَن قامَ بِبَعيدِ |
يَتَخَيَّلُ الإِنسانُ أَبعَدَ مَطمَعِ | وَالَوتُ مِنهُ مِثلَ حَبلٍ وَريدِ |
لا تَستَحِقُّ مِنَ الهُمومِ حَياتَنا | لَو أَنصَفَ الأَقوامُ غَيرَ زَهيدِ |
لَكِنَّ حَقَّ الطَبعُ مَحكومٌ بِهِ | وَالعَقلُ مُرتَبِطٌ بِبَعضِ قُيودِ |
يا ثاكِلَ المَحمودِ صَبِراً بَعدَهُ | فَبَقاءُ أَحمَدَ سَلوَةَ المَفئودِ |
إِن جَلَّ خَطبُكَ بِالَّذي أَثكَلتَهُ | فَالرُكنُ باقٍ لَيسَ بِالمَهدودِ |
وَمِنَ الإِلَهِ عَلى الفَقيدِ تَحِيَّةً | وَفِراقُ عاجِلَةٍ لِدارِ خُلودِ |
مَهما تَعاظَمَتِ الخُطوبُ عَلى الفَتى | فَعَزاؤُهُ في العَدلِ وَالتَوحيدِ |