يا صاحِ ما لكَ لا ترُدُّ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
يا صاحِ ما لكَ لا ترُدُّ | أصَدَدتَ أم أعياكَ بُعدُ |
نفسي الأسيرةُ في الحضيض | اليك أيديَها تَمُدُّ |
هلا أجَبتَ أليسَ ما | بيني وبينَك صاحِ عَهدُ |
أم أنتَ في كونٍ سَحيق | لا صدىً منه يُرَدُّ |
أم قصَّرت نفسي ودون | مداكِ أبعادٌ وجُهدُ |
هَب أنَّهُ حالت بموتِكَ | دوننا حُجُبٌ وسُدُّ |
أفتَعجِزُ الأرواحُ عن | خَرقِ الحَواجزِ لو تَوَدُّ |
يا صاحِ ليلي طالَ | والظُلُماتُ فيه لا تُحَدُّ |
ليلُ الأسى ما مِن عسى | فيه ولا قبلٌ وبعدُ |
أفلا بَصِيصٌ أو صدىً | أو آيةٌ في الليلِ تَبدو |
تلقى بها نفسي الجَوابَ | ومن رجائِك تَستمِدُّ |
أولا تعلِّلُني بوعدٍ | باللِقاء فأستعِدُ |
وتصونُ إيماني فقد | أودى به شكّ وجحدُ |
هلا أجبتَ وقلتَ إني | سامعٌ فأعودَ أشدو |
وأقولَ ليسَ أخي فقيدي | بل رفيقي حيثُ أغدو |
ويَبِينُ لي فجرُ الرجاء | ونُورُه أملٌ ووعدُ |
يا صاحِ يا ابنَ أبي وأمي | ما كوجدي اليومَ وَجدُ |
روحٌ تخاطِبُ شَطرَها | والشَّطرُ يُعرِضُ لا يَرُدُّ |
ورِتاجُ صَرحِ الموتِ دونهما | وسورٌ لا يُهَدُّ |
أفتخرَسُ الأرواحُ إذ | تنأى وتنسى مَن تَوَدُّ |
أم تضمَحِلُّ فما لها | عَودٌ ولا أملٌ وخُلدُ |
نفسي على بحرِ الأسى | ينتابُها جَزرٌ ومَدُّ |
فالقلبُ يَدفَعُها إلى | حيثُ الهلاكَ لها مُعَدُّ |
فَتُطِيعُ ذاهلةً وحادي | عيسها لليأسِ يَحدو |
تُصغي إلى الأمواجِ تَلطِمُ | طَوفَها لطماً يَهُدُّ |
وشِراعُها أمَلٌ تمزَّقَ | والرِياحُ عليه تَعدو |
والعقلُ يَقذِفُها إلى | شَطِّ السُّلوَّ ولا تَوَدُّ |
تأبى سوى الذِكرى وفي | وفي الذكرى لها ألَمٌ وسُهدُ |
آهاً من الذِكرى ففي | أكوابها سُمّ وشَهدُ |
يا صاحِ يا ابن أبي وأمي | أين كنتَ وأين تغدو |
أكذا مصِيرُكَ للضَريحِ | ولا اعتراضٌ منكَ يبدو |
أكذا النهاية يا لَعُقبى | ما لها في الخَلقِ بُدُّ |
جسمٌ تضيقُ بهمِّهِ | الدُنيا على نعشٍ يُمَدُّ |
أين المطامحُ والعواطفُ | والأماني وهي حُشدُ |
والفكرُ خَلَّاقُ الغرائبِ | هل له في اللحدِ حَدُّ |
وبناتُ صدرِك هل لها | تحت الثرى خِدرٌ ومهدُ |
هيهات ما ضمَّ الضريحُ | سوى قليلٍ لا يُعَدُّ |
يَطوِ جوهرَكَ الثَرى | فالروحُ لا يَطوِه لَحدُ |
قد ضمَّ قبرُكَ ما يُحَدُّ | وإن نفسكَ لا تُحَدُّ |
أرجَعتَ عاريةَ الثرى | وخلعتَ ثوباً لا يُجَدُّ |
وكسَرتَ قَيدكَ ظافراً | ما أنتَ بعد اليوم عَبدُ |
وسَموتَ نحو مطالِعِ الأنوارِ | حيثُ الصُبحُ يبدو |
فإلى اللقاء أخي فإني | سوف أغدو حيثُ تغدو |
جارَيتني فسبقتني | ان السبوق هو الأشدُّ |
ما العيشُ آمالٌ وأموالٌ | ولذاتٌ ورَغدُ |
العيشُ أرواحٌ تُعذَّبُ ثمَّ | أرماسٌ تُخَدُّ |
ليست تُعيدُ لنا الصَدى | وعلى التحيَّةِ لا تَرُدُّ |