اِستَمطَرَ العَينَ أَن أَحبابُهُ اِحتَمَلوا
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
اِستَمطَرَ العَينَ أَن أَحبابُهُ اِحتَمَلوا | لَو كانَ رَدَّ البُكاءُ الحَيَّ إِذ رَحَلوا |
لَولا الشَبابُ وَعَهدٌ لا أَحيسُ بِهِ | لَأَعقَبَ العَينَ نَوماً ماؤُها الخَضِلُ |
رُمتُ السُلوَّ وَناجاني الضَميرُ بِهِ | فَاِستَعطَفَتني عَلى بَيضاتِها الحَجَلُ |
وَلَيلَةٍ يَومَ يَومي ضِحكَةٌ وَبُكاً | باتَت بِعَيني عُيونُ العَينِ تَكتَحِلُ |
باتَت تُعاطيهِ كَأسَ اللَهوِ جارِيَةٌ | رودُ الشَبابِ أُناةٌ مِرطُها رَحِلُ |
كَأَنَّها ثَمِلٌ مالَ الصَبوحُ بِهِ | لَيسَت بِهِ هُوَ لَكِن مَشيُها ثَمِلُ |
وَما اِستَخَفَّكَ إِلّا نَظرَةٌ سَلَكَت | إِثرَ القَبولِ وَقَد خَفَّت لَهُ السُدُلُ |
ريعَت فَراعَت ظِباءَ الإِنسِ آنِسَةً | وَهُنَّ عَنها وَما أَغفَلنَها غُفُلُ |
وَالناظِراتُ شُفوناً إِن عَرَضنَ لَنا | كَما تَرامى بِلَحظِ الخُلسَةِ القُبُلُ |
تَداوَلَت عَذَباتِ السَجفِ أَعيُنُها | خُذلَ القُلوبِ وَفي أَبصارِها وَجَلُ |
اِستَفسَدَ الدَهرُ أَقواماً فَأَصلَحَهُم | مُحَمَّلٌ نَكَباتِ الدَهرِ مُحتَمِلُ |
بِهِ تَعارَفَتِ الأَحياءُ وَإِئتَلَفَت | إِذ أَلَّفَتهُم إِلى مَعروفِهِ السُبُلُ |
كَأَنَّهُ قَمَرٌ أَو ضَيغَمٌ هِصرٌ | أَو حَيَّةٌ ذَكَرٌ أَو عارِضٌ هَطِلُ |
لا يَضحَكُ الدَهرُ إِلّا حينَ تَسأَلُهُ | وَلَيسَ يَعبُسُ إِلّا حينَ لا يُسَلُ |
أَعطى المَقادَةَ أَهلَ الشامِ حينَ غُشوا | مِن جَعفَرٍ بِهَناتٍ مالَها حِوَلُ |
سَدَّ الخَليفَةُ أَطرافَ الثُغورِ بِهِ | وَقَد تَهَتَّكَ وَاِستَرخى لَها الطِوَلُ |
يَأتي الأُمورَ بِأَشكالٍ فَيُبرِمُها | مُستَحصِدُ الرَأيِ ما في رَأيِهِ خَطَلُ |
يَكادُ مِن عَزمِ رَأيٍ في بَصيرَتِهِ | أَن يَختِلَ الدَهرَ عَما لَيسَ يُختَتَلُ |
أَمَّنتَ بِالشامِ أَرواحاً وَأَفئِدَةً | قَد حَلَّ مُستَوطِناً أَوطانُها الوَجَلُ |
كُلُّ البَرِيَّةِ مُلقٍ نَحوَهُ أَمَلاً | بِالرُغبِ وَالرُهبِ مَوصولاً بِهِ الأَمَلُ |
مُستَغرِقٌ لِمُنى العافينَ نائِلَهُ | تَفنى عَلى وَعدِهِ الأَموالُ وَالعِلَلُ |
وَمَجمَعٍ لِحُتوفِ الدَهرِ أُهبَتُهُ | فَرَّجتَ غَمّاءَهُ وَالمَوتُ مُشتَمِلُ |
وَمَأزِقٍ يَبعَثُ الطُغيانُ بَعثَتَهُ | مُستَهدِفٍ لِلمَنايا دَواؤُهُ القَفِلُ |
قَد بَلَّغَتهُ بِكَ الأَقدارُ مَبلَغَهُ | وَعاذَ بِالأَسرِ مَن يُؤتى بِهِ النَفَلُ |
في عَسكَرٍ تُشرِقُ الأَرضُ الفَضاءُ بِهِ | كَاللَيلِ أَنجُمُهُ القُضبانُ وَالأَسَلُ |
لا يُمكِنُ الطَرفَ مِنهُ أَن يُحيطَ بِهِ | ما يَأخُذُ السَهلُ مِن عُرضَيهِ وَالجَبَلُ |
أَثبَتَّ لِلدينِ أَركاناً وَأَعمِدَةً | قَد كانَ خِيفَ عَلَيها الدَحضُ وَالزَلَلُ |
إِذا تَفاوَتَ أَمرٌ أَو مَضى حَدَثٌ | رَدَّت نَوافِلَهُ مِن أَمرِكَ المُهَلُ |
أَطَعتَ رَبَّكَ فيما الحَقُّ لازِمُهُ | حَتّى أَطاعَكَ في أَعدائِكَ الأَجَلُ |
لَم يُخرِجِ النَكثُ قَوماً عَن دِيارِهِمُ | إِلّا رَمَتهُم بِكَ الأَيّامُ وَالدُوَلُ |
تَفتَرُّ عَنكَ العُلا إِذا عُدَّ واحِدُها | حَتّى يَكونَ إِلَيكَ الخَوفُ وَالأَمَلُ |
لاقى بِكَ المَجدُ قَوماً يَحتَلونَ بِهِ | فَقَلَّدوكَ حُلِيَّ المَجدِ إِذ عُطِلوا |
هَبَطتَ أَرضَ فِلَسطينٍ وَقَد سَمُحَت | فَالخَوفُ مُنتَشِرٌ وَالسَيفُ مُعتَمَلُ |
فَما بَرِحتَ تَسوقُ المَوتَ نَحوَهُمُ | حَتّى كَبوا وَأَضَلَّ اللَهُ ما عَمِلوا |
لَقيتَهُم بِالمَنايا في مُلَملَمَةٍ | تَنبو الصَوارِمُ عَنها وَالقَنا الذُبُلُ |
يَحوزُ عَفوَكَ مَن سالَمتَ مُغتَبِطاً | وَلا يُقالُ لِمَن عادَيتَ ما فَعَلوا |
ناضَلتَ فيها الرَدى عَن نَفسِ ذائِدِها | وَالمَوتُ في مُهَجِ الفُرسانِ تَنتَضِلُ |
داوى فِلِسطينَ مِن أَدوائِها بَطَلٌ | في صورَةِ المَوتِ إِلّا أَنَّهُ رَجُلُ |
سَلَّ المَنونُ عَلَيهِم مِن مَناصِلِهِ | مِثلَ العَقيقِ تَرامى دونَهُ الشُعَلُ |
مِن بَعدِ ماعَظُمَت في الدينِ شَوكَتُها | وَاِستَذأَبَت شاتُها وَاِستَأسَدَ الوَعِلُ |
فَسَيفُ جَعفَرَ أَعطاهُم أَمانَهُمُ | وَرَأيُ يَحيى أَراهُم غِبَّ ما جَهِلوا |
فَالمُلكُ مُمتَنِعٌ وَالشَرُّ مُتَّزِعٌ | وَالخَيرُ مُتَّسِعٌ وَالأَمرُ مُعتَدِلُ |