أَديرا عَليَّ الراحَ لا تَشرَبا قَبلي
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أَديرا عَليَّ الراحَ لا تَشرَبا قَبلي | وَلا تَطلُبا مِن عِندِ قاتِلَتي ذَحلي |
فَما حَزَني أَنّي أَموتُ صَبابَةً | وَلَكِن عَلى مَن لا يَحِلُّ لَهُ قَتلي |
أُحِبُّ الَّتي صَدَّت وَقالَت لِتُربِها | دَعيهِ الثُرَيّا مِنهُ أَقرَبُ مِن وَصلي |
أَماتَت وَأَحيَت مُهجَتي فَهيَ عِندَها | مُعَلَّقَةٌ بَينَ المَواعيدِ وَالمُطلِ |
وَما نِلتُ مِنها نائِلاً غَيرَ أَنَّني | بِشَجوِ المُحِبّينَ الأُلى سَلَفوا قَبلي |
بَلى رُبَّما وَكَّلتُ عَيني بِنَظرَةٍ | إِلَيها تَزيدُ القَلبَ خَبلاً عَلى خَبلِ |
كَتَمتُ تَباريحَ الصَبابَةِ عاذِلي | فَلَم يَدرِ ما بي فَاِستَرَحتُ مِنَ العَذلِ |
وَمانِحَةٍ شُرّابَها المُلكَ قَهوَةٍ | مَجوسِيَّةِ الأَنسابِ مُسلِمَةِ البَعلِ |
رَبيبَةِ شَمسٍ لَم تُهَجنَ عُروقُها | بِنارٍ وَلَم يُقطَع لَها سَعفُ النَخلِ |
تَصُدُّ بِنَفسِ المَرءِ عَمّا يَغُمُّهُ | وَتُنطِقُ بِالمَعروفِ أَلسِنَةَ البُخلِ |
قَدِ اِستُودِعَت دَنّاً لَها فَهوَ قائِمٌ | بِها شَفَقاً بَينَ الكُرومِ عَلى رِجلِ |
بَعَثنا لَها مِنّاً خَطيباً لِبُضعِها | فَجاءَ بِها يَمشي العِرضَنَة في مَهلِ |
رَقى رَبَّها حَتّى اِحتَواها مُغالِياً | عَقيلَتَهُ دونَ الأَقارِبِ وَالأَهلِ |
فَوافى بِها عَذراءَ كُلَّ فَتى نَدَىً | جَزيلَ العَطايا غَيرَ نِكسٍ وَلا وَغلِ |
مُعَتَّقَةً لا تَشتَكي وَطءَ عاصِرٍ | حَرورِيَّةً في جَوفِها دَمُها يَغلي |
أَغارَت عَلى كَفِّ المُديرِ بِلَونِها | فَصاغَت لَهُ مِنها أَنامِلَ كالذَّبلِ |
أَماتَت نُفوساً مِن حَياةٍ قَريبَةٍ | وَفاتَت فَلَم تُطلَب بِتَبلٍ وَلا ذَحلِ |
شَقَقنا لَها في الدَّنِ عَيناً فَأَسبَلَت | كَما أَسبَلَت عَينُ الخَريدِ بِلا كُحلِ |
كَأَنَّ حَبابَ الماءِ حينَ يَشُجُّها | لَآلِئُ عِقدٍ في دَماليجَ أَو حِجلِ |
كَأَنَّ فَنيقاً بازِلاً شُكَّ نَحرُهُ | إِذا ما اِستَدَرَّت كَالشُعاعِ عَلى البَزلِ |
كَأَنَّ ظِباءً عُكَّفاً في رِياضِها | أَباريقُها أَوجَسنَ قَعقَعَةَ النَبلِ |
ظَلِلنا نُناغي الخُلدَ في مَشرَعِ الصِبا | عَلَينا سَماءُ العَيشِ دائِمَةُ الهَطلِ |
وَدارَت عَلَينا الكَأسُ مِن كَفِّ طَفلَةٍ | مُبتَلَّةٍ حَوراءَ كَالرَشَءِ الطَّفلِ |
وَحَنَّ لَنا عودٌ فَباحَ بِسِرِّنا | كَأَنَّ عَلَيهِ ساقَ جارِيَةٍ عُطلِ |
تُضاحِكُهُ طَوراً وَتُبكيهِ تارَةً | خَدَلَّجَةٌ هَيفاءُ ذاتُ شَوىً عَبلِ |
إِذا ما اِشتَهَينا الأُقحُوانَ تَبَسَّمَت | لَنا عَن ثَنايا لا قِصارٍ وَلا ثُعلِ |
وَأَسعَدَها المِزمارُ يَشدو كَأَنَّهُ | حَكى نائِحاتٍ بِتنَ يَبكينَ مِن ثُكَلِ |
غَدَونا عَلى اللَذّاتِ نَجني ثِمارَها | وَرُحنا حَميدي العَيشِ مُتَّفِقي الشَكلِ |
أَقامَت لَنا الصَهباءُ صَدرَ قَناتِها | وَمالَت عَلَينا بِالخَديعَةِ وَالخَتلِ |
إِذا ما عَلَت مِنّا ذُؤابَةَ شارِبٍ | تَمَشَّت بِهِ مَشيَ المُقَيَّدِ في الوَحلِ |
فَلا نَحنُ مِتنا ميتَةَ الدَهرِ بَغتَةً | وَلا هِيَ عادَت بَعدَ عَلِّ إِلى نَهلِ |
وَساقِيَةٍ كَالريمِ هَيفاءَ طَفلَةٍ | بَعيدَةِ مَهوى القُرطِ مُفعَمَةِ الحِجلِ |
تَنَزُّهُ طَرَفَي في مَحاسِنِ وَجهُها | إِذا اِحتُثَّتِ الطاساتُ يُغنى عَنِ النُقلِ |
سَأَنقادُ لِلَّذاتِ مُتَّبِعَ الصِبا | لِأُمضِيَ هَمّي أَو أُصيبَ فَتىً مِثلي |
هَلِ العَيشُ إِلّا أَن أَروحَ مَعَ الصِبا | وَأَغدو صَريعَ الراحِ وَالأَعيُنِ النُجل |