وَلَمّا رَمى بِالأَربَعينَ وَراءَهُ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
وَلَمّا رَمى بِالأَربَعينَ وَراءَهُ | وَقارَعَ مِ الخَمسينَ جَيشاً عَرَمرَما |
تَذَكَّرَ مِن عَهدِ الصِبا ما تَصَرَّما | وَحَنَّ فَلَم يَترُك لِعَينَيهِ مُسجَما |
وَجَرَّ خِطاماً أَحكَمَ الشَيبُ عَقدَهُ | وَقَدَّمَ رِجلاً لَم تَجِد مُتَقَدَّما |
وَأَنكَرَ إِغفالَ العُيونِ مَكانَهُ | وَقَد كُنَّ مِن أَشياعِهِ حَيثُ يَمَّما |
هُوَ الدَهرُ لا يُعطيكَ إِلّا تَعِلَّةً | وَلا يَستَرِدُّ العُرفَ إِلّا تَغَنُّما |
عَزاءً عَنِ الأَمرِ الَّذي فاتَ نَيلُهُ | وَصَبراً إِذا كانَ التَصَبُّرُ أَحزَما |
فَلَم أَرَ مِثلَ الشَيبِ لاحَ كَأَنَّهُ | ثَنايا حَبيبٍ زارَنا مُتَبَسِّما |
فَلَما تَراءَتهُ العُيونُ تَوَسَّمَت | بَديهَةَ أَمرٍ تَذعَرُ المُتَوَسِّما |
فَلا وَأَبيكَ الخَيرِ ما اِنفَكَّ ساطِعٌ | مِنَ الشَيبِ يَجلو مِن دُجى اللَيلِ مُظلِما |
إِلى أَن أَعادَ الدُهمَ شُهباً وَلَم يَدَع | لَنا مِن شِياتِ الخَيلِ أَقرَحَ أَرثَما |
هَلِ الشَيبُ إِلّا حِليَةٌ مُستَعارَةٌ | وَمُنذِرُ جَيشٍ جاءَنا مُتَقَدِّما |
فَها أَنا مِنهُ حاسِرٌ مُتَعَمِّمٌ | وَلَم أَرَ مِثلي حاسِراً مُتَعَمِّما |
كَأَنَّ مَكانَ التاجِ سِلكاً مُفَصَّلاً | بِنَورِ الخُزامى أَو جُماناً مُنَظَّما |
وَضِيءٌ كَنَصلِ السَيفِ إِن رَثَّ غِمدُهُ | إِذا كانَ مَصقولَ الغِرارَينِ مِخذَما |
إِذا لَم يَشِب رَأسٌ عَلى الجَهلِ لَم يَكُن | عَلى المَرءِ عارٌ أَن يَشيبَ وَيَهرَما |
خَليلَيَّ كُرّاً ذِكرَ ما قَد تَقَدَّما | وَإِن هاجَتِ الذِكرى فُؤاداً مُتَيَّما |
فَإِن حَديثَ اللَهوِ لَهوٌ وَرُبَّما | تَسَلّى بِذِكرِ الشَيءِ مَن كانَ مُغرَما |
خَليلَيَّ مِن فَرعَي قُرَيشٍ رُزيتُما | فَتىً قارَعَ الأَيّامَ حَتّى تَثَلَّما |
وَأَحكَمُهُ التَجريبُ حَتّى كَأَنَّما | يُعايِنُ مِن أَسرارِهِ ما تَوَهَّما |
وَمَن ضَعُفَت أَعضاؤُهُ اِشتَدَّ رَأيُهُ | وَمَن قَوَّمَتهُ الحادِثاتُ تَقَوَّما |
خُذا عِظَةً مِن أَحوَذِيٍّ تَقَلَّبَت | بِهِ دُوَلُ الأَيّامِ بُؤساً وَأَنعُما |
إِذا رَفَعَ السُلطانُ قَوماً تَرَفَّعوا | وَإِن هَدَمَ السُلطانُ مَجداً تَهَدَّما |
إِذا ما اِمرُؤٌ لَم يُرشِدِ العِلمُ لَم يِجِد | سَبيلَ الهُدى سَهلاً وَإِن كانَ مُحكَما |
وَلَم أَرَ فَرعاً طالَ إِلّا بِأَصلِهِ | وَلَم أَرَ بَدءَ العِلمِ إِلّا تَعَلُّما |
وَمَن قارَعَ الأَيّامَ أَوفَرَ لُبَّهُ | وَمَن جاوَرَ الفَدمَ العَيِيَّ تَفَدَّما |
وَلَم أَرَ أَعدى لِاِمرِئٍ مِن قَرابَةٍ | وَلا سِيَّما إِن كانَ جاراً أَوِ اِبنَما |
وَمَن طَلَبَ المَعروفَ مِن غَيرِ أَهلِهِ | أَطالَ عَناءً أَو أَطالَ تَنَدُّما |
وَمَن شَكَرَ العُرفَ اِستَحَقَّ زِيادَةً | كَما يَستَحِقُّ الشُكرَ مَن كانَ مُنعِما |
وَمَن سامَحَ الأَيّامَ يَرضَ حَياتَهُ | وَمَن مَنَّ بِالمَعروفِ عادَ مُذَمَّما |
وَمَن نافَسَ الإِخوانَ قَلَّ صَديقُهُ | وَمَن لامَ صَبّاً في الهَوى كانَ أَلوَما |
أَما وَأَميرِ المُؤمِنينَ لَقَد رَمى ال | عَدُوَّ فَلا نِكساً وَلا مُتَهَضِّما |
وَلا ناسِياً ما كانَ مِن حُسنِ رَأيِهِ | لِخُطَّةِ خَسفٍ سامَنيها مُحَتِّما |
عُلوقاً بِأَسبابِ النَبِيِّ وَإِنَّما | يُحِبُّ بَني العَبّاسِ مَن كانَ مُسلِما |
لَعَلَّ بَني العَبّاسِ يَأسو كُلومَهُم | فَيَجبُرَ مِنّي هاشِمٌ ما تَهَشَّما |