الحَمدُ لِلَّهِ المُعيدِ المُبدي
مدة
قراءة القصيدة :
19 دقائق
.
الحَمدُ لِلَّهِ المُعيدِ المُبدي | حَمداً كَثيراً وُهوَ أُهلُ الحَمدِ |
ثُمَّ الصَلاةُ أَوَّلاً وَآخِرا | عَلى النَبِيِّ باطِناً وَظاهِرا |
يا سائِلي عَن اِبتِداءِ الخَلقِ | مَسأَلَةَ القاصِدِ قَصدَ الحَقِّ |
أَخبَرَني قَومٌ مِن الثِقاتِ | أولو عُلومٍ وَأولو هَيئآتِ |
تَقَدَّموا في طَلَبِ الآثارِ | وَعَرَفوا حَقائِقَ الأَخبارِ |
وَفَهِموا التَوراةَ وَالإِنجيلا | وَأَحكَموا التَنزيلَ وَالتَأويلا |
أَنَّ الَّذي يَفعَلُ ما يَشاءُ | وَمَن لَهُ العِزَّةُ وَالبَقاءُ |
أَنشَأَ خَلقَ آدَمٍ إِنشاءَ | وَقَدَّ مِنهُ زَوجَهُ حَواءَ |
مُبتَدِئاً ذلِكَ يَومَ الجُمعَهْ | حَتّى إِذا أَكمَلَ مِنهُ صُنعَهْ |
أَسكَنَهُ وَزَوجَهُ الجِنانا | فَكانَ مِن أَمرِهِما ما كانا |
غَرَّهُما إِبليسُ فَاِغتَرّا بِهِ | كَما أَبانَ اللَهُ في كِتابِهِ |
دَلّاهُما المَلعونُ فيما صَنَعا | فَأُهبِطا مِنها إِلى الأَرضَ مَعا |
فَوَقَعَ الشَيخُ أَبونا آدَمْ | بِجَبَلٍ في الهِندِ يُدعى واسِمْ |
لَبَئسَما اِعتاضَ عَن الجِنانِ | وَعَن جِوارِ المَلِكِ المَنّانِ |
وَالضَعفُ مِن خَليقَةِ الإِنسانِ | لا سِيَّما في أَوَّلِ الزَمانِ |
ما لَبِثا في الفَوزِ يَوماً واحِدا | حَتّى اِستَعاضا مِنهُ جُهداً جاهِدا |
فَشَقيا وَوَرَّثا الشَقاءَ | أَبناهُما وَالهَمَّ وَالعَناءَ |
وَلَم يَزَل مُستَغفِراً مِن ذَنبِهِ | حَتّى تَلَقّى كَلِماتِ رَبِّهِ |
فَأمِنَ السَخطَةَ وَالعِقابا | وَاللَهُ تَوّابٌ عَلى مَن تابا |
ثُمَّ اِستَمَلّا وَأَحَبّا النَسلا | فَحَمَلَت حَوّاءُ مِنهُ حَملا |
وَوَضَعَت إِبناً وَبِنتاً تَوأَما | فَسُرَّ لَمّا سَلِمَت وَسَلِما |
وَاِقتَنيا الإِبنَ فَسُمِّيَ قايِنا | وَعايَنا مِن أَمرِهِ ما عايَنا |
ثُمَّ أَغَبَّت بَعدَهُ قَليلا | فَوَضَعَت مُتئِمَةً هابيلا |
فَشَبَّ هابيلُ وَشَبَّ قايِنُ | وَلَم يَكُن بَينَهُما تَبايُنُ |
فَقَرَّبا لِحاجَةٍ قُربانا | وَخَضَعا لِلَّهِ وَاِستَكانا |
فَقُبِلَ القُربانُ مِن هابيلِ | وَلَم يَفُز قايِنُ بِالقُبولِ |
فَثارَ لِلحينِ الَّذي حُيِّنَ لَهْ | إِلى أَخيهِ ظالِماً فَقَتَلَهْ |
ثُمَّ اِستَفَزَّ أُختَهُ فَهَرَبا | وَفارَقا أُمّاً أَلوفاً وَأَبا |
فَبَعَدَت دارُهُما مِن دارِهِ | وَزَهَدا في الخَيرِ مِن جِوارِهِ |
فَأَخلَفَ اللَهُ عَلَيهِ شيثا | وَلَم يَزَل بِاللَهِ مُستَغيثا |
حَتّى إِذا أَحَسَّ بِالحِمامِ | وَذاكَ بَعدَ سَبع مية عامِ |
كانَت إِلى شيثَ اِبنِهِ الوَصِيَّهْ | وَلَيسَ شَيءٌ يعجزُ المَنِيِّهْ |
أَنِ اِعبُدِ اللَهَ وَجانِب قايِنا | وَكُن لَهُ وَنَسلِهِ مُبايِنا |
فَلَم يَزَل شيثُ عَلى الإيمانِ | مُعتَصِماً بِطاعَةِ الرَحمنِ |
يَحفَظُ ما أَوصى بِهِ أَبوهُ | لا يَتَخَطّاهُ وَلا يَعدوهُ |
حَتّى إِذا ما حَضرَت وَفاتُهُ | وَخافَ أَن يَفجَأَهُ ميقاتُهُ |
أَوصى أَنوشاً وَأَنوشٌ كَهلُ | بِمِثلِ ما أَوصى أَبوهُ قَبلُ |
فَلَم يَزَل أَنوشُ يَقفو أَثَرَهْ | لا يَتَعَدّى جاهِداً ما أَمَرَهْ |
تَمَّ تَلاهُ إِبنُهُ قينانُ | وَقَولُهُ وَفِعلُهُ الإيمانُ |
ثُمَّ تَلا قينانَ مَهلائيلُ | فَسَنَّ ما سَنَّت لَهُ الكُهولُ |
ثُمَّ اِستَقَلَّ بِالأُمورِ يَردُ | اخنوخ وَهوَ في العُلومِ فَردُ |
وَكانَ في زَمانِهِ يوئيلُ | الخالِعُ المُضلِّلُ الضِلّيلُ |
أَوَّلُ مَن تَتَبَّعَ المَلاهِيا | وَأَظهَرَ الفَسادَ وَالمَعاصيا |
وَكانَ مِن نَسلِ الغَوِيِّ قاينِ | وَغَيرُ بِدعٍ خايِنٌ مِن خايِنِ |
فَاِغتَرَّ مِن أَولادِ شيثٍ عالَما | حَتّى عَصَوا وَاِنتَهَكوا المَحارِما |
وَخالَفوا وَصِيَّةَ الآباءِ | وَاِفتَتَنوا بِاللَهوِ وَالنِساءِ |
وَلَم يَزَل يارِدُ يَألو قَومَهُ | نُصحاً وَكانوا يُكثِرونَ لَومَهُ |
حَتّى إِذا ماتَ اِستَقَلَّ بَعدَهُ | إِدريسُ بِالأَمرِ فَأَورى زِندَهُ |
وَهُوَ حَنوخ بِالبَيانِ أَعجَما | صَلّى عَلَيهِ رَبُّنا وَسَلَّما |
أَوَّلُ مَبعوثٍ إِلى العِبادِ | وَآمِرٍ بِالخَيرِ وَالرَشادِ |
وَأَوَّلُ الناسِ قَرا وَكَتَبا | وَعَلِمَ الحِسابَ لَمَّا حَسَبا |
فَلَم يُطِعهُ أَحَدٌ مِن أَهلِهِ | وَاِختَلَطوا بِقايِنٍ وَنَسلِهِ |
فَرَفَعَ اللَهُ إِلَيهِ عَبدَهُ | مِن بَعدِ ما اِختارَ المَقامَ عِندَهُ |
وَصارَ مَتوشَلَخٌ مُستَخلَفا | مِن بَعدِ إِدريسَ النَبِيِّ المُصطَفى |
فَحَذَّرَ الناسَ عَذاباً نازِلا | فَلَم يَجِد في الأَرضِ مِنهُم قابِلا |
غَيرَ اِبنِهِ لَمكٍ فَأَوصى لَمكا | وَصِيَّةً كانَت تُقىً وَنُسكا |
فَوَعَظَ الناسَ فَخالَفوهُ | وَنَفروا عَنهُ وَفارَقوهُ |
فَأَرسَلَ اللَهُ إِلَيهِم نوحا | عَبداً لِمَن أَرسَلَهُ نَصوحا |
فَعاشَ أَلفاً غَيرَ خَمسينَ سَنَهْ | يَدعو إِلى اللَهِ وَتَمضي الأَزمِنَهْ |
يَدعوهُمُ سِرّاً وَيَدعو جَهرا | فَلَم يَزِدهُم ذاكَ إِلّا كُفرا |
وَاِنهَمَكوا في الكُفرِ وَالطُغيانِ | وَأَظهَروا عِبادَةَ الأَوثانِ |
حَتّى إِذا اِستَيأَسَ أَن يُطاعا | وَحَجَبوا مِن دونِهِ الأَسماعا |
دَعا عَلَيهِم دَعوَةَ البَوارِ | مِن بَعدِ ما أَبلَغَ في الإِنذارِ |
وَاِتَّخَذَ الفُلكَ بِأَمرِ رَبِّهِ | حَتّى نَجا بِنَفسِهِ وَحِزبِهِ |
وَأَقبَلَ الطوفانُ ماءً طاغِيا | فَلَم يَدَع في الأَرضِ خَلقاً باقِيا |
غَيرَ الَّذينَ اِعتَصَموا في الفُلكِ | فَسَلِموا مِن غَمَراتِ الهُلكِ |
وَكانَ هذا كُلُّهُ في آبِ | قَبلَ اِنتِصافِ الشَهرِ في الحِسابِ |
فَعَزَموا عِندَ اِقتِرابِ المَعمَعَهْ | أَن يَركَبوا الفُلكَ وَأَن يَنجوا مَعَهْ |
وَكانَ مِن أَولادِ نوحٍ واحِدُ | مُخالِفٌ لِأَمرِهِ مُعانِدُ |
فَبادَ فيمَن بادَ مِن عِبادِهِ | وَسَلِمَ الباقونَ مِن أَولادِهِ |
سامٌ وَحامٌ وَالصَغيرُ الثالِثُ | وَهُوَ في التَوراةِ يُدعى يافِثُ |
فَأَكثَرُ البيضانِ نَسلُ سامِ | وَأَكثَرُ السودانِ نَسلُ حامِ |
وَيافِثٌ في نَسلِهِ عَجائِبُ | يَأجوجُ وَالأَتراكُ وَالصَقالِبُ |
وَمِن بَني سامِ بنِ نوحٍ إِرَمُ | وَاَرْفَخْشَدٌ وَلاوِذٌ وَغَيلَمُ |
فَكَثُرَت مِن بَعدِ نوحٍ عادُ | وَشاعَ مِنها العَيثُ وَالفَسادُ |
وَعادُ مِن أَولادِ عوصِ بنِ إِرَمْ | وَمِن بَني عوصٍ جَديسٌ وَطَسَمْ |
فَأَرسَلَ اللَهُ إِلَيهِم هودا | فَجَرَّدَ الحَقَّ لَهُم تَجريدا |
فَعانَدوهُ شَرَّ ما عِنادِ | وَاِنهَمَكوا في الكُفرِ وَالإِلحادِ |
فَقالَ يا رَبِّ أَعِزَّ القَطرا | عَنهُم فَعَدّاهُم سِنينَ عَشرا |
وَأَرسَلَ الريحَ عَلَيهِم عاصِفا | فَلَم تَدَع مِن آلِ عادٍ طائِفا |
وَكانَ وَفدٌ مِنهُم سَبعونا | ساروا إِلى مَكَّةَ يَستَقونا |
فَاِبتَهَلوا وَرَفَعوا أَيديهِمُ | وَكانَ لُقمانُ بنُ عادٍ مِنهُمُ |
فَسَأَلَ البَقاءَ وَالتَعميرا | فَعاشَ حَتّى أَهلَكَ النُسورا |
وَوافَقَت دَعوَتُهُ إِجابَهْ | إِذ لَم يَكُن بِمُرتَضٍ أَصحابَهْ |
وَأَثمَرَت ثَمودُ بَعدَ عادِ | فَسَكَنَت حِجراً وَبَطنَ الوادي |
فَأَرسَلَ اللَهُ إِلَيهِم صالِحا | فَتىً حَديثَ السِنِّ مِنهُم راجِحا |
فَلَم يَزَل يَدعوهُمُ حَتّى اِكتَهَلْ | وَلَم يُجِبهُ مِنهُمُ إِلّا الأَقَلْ |
وَأَحضَروهُ صَخرَةً مَلساءَ | وَقالوا أَخلِص عِندَها الدُعاءَ |
فَهَل لِمَن تَعبُدُهُ مِن طاقَهْ | أَن تَتَشَظّى وَلَداً عَن ناقَهْ |
فَاِنفَلَقَت حَتّى بَدا زَجيلُها | عَن ناقَةٍ يَتبَعُها فَصيلُها |
فَعَقَروا الناقَةَ لِلشَقاءِ | فَعاجَلَتهُم صَيحَةُ الفَناءِ |
فَتِلكَ حِجرٌ مِن ثَمودٍ خالِيَهْ | فَهَل تَرى في الأَرضَ مِنهُم باقِيَهْ |
ثُمَّ اِصطَفى رَبُّكَ إِبراهيما | فَلَم يَزَل في خَلقِهِ رَحيما |
فَكانَ مِن إِخلاصِهِ التَوحيدا | أَن هَجَرَ القَريبَ وَالبَعيدا |
وَشَرَعَ الشَرائِعَ الحِسانا | وَكَسَرَ الأَصنامَ وَالأَوثانا |
وَقالَ لوطٌ إِنَّني مُهاجِرُ | وَبِالَّذي يَأمُرُ قَومي آمِرُ |
ما قَد تَوَلّى شَرحَهُ القُرآنُ | وَفي القُرانِ الصِدقُ وَالبَيانُ |
فَشَكَرَ اللَهُ لَهُ الإيمانا | وَخَصَّهُ الحُجَّةَ وَالبُرهانا |
وَقَمَعَ النُمرودَ عاتي دَهرِهِ | بِحُجَجِ اللَهِ وَحُسنِ صَبرِهِ |
وَجَعَلَ الحِكمَةَ في أَولادِهِ | وَاِختارَهُم طُرّاً عَلى عِبادِهِ |
وَجَعَلَ الأَمرَ لِإِسماعيلِ | فَهُوَ أَسَنُّ وَلَدِ الخَليلِ |
وَوَلَدَت هاجَرُ قَبلَ سارَهْ | وَقَبلَها بُلِّغَتِ البِشارَهْ |
مِن رَبِّها وَسَمِعَت نِداءَ | قَد سَمِعَ اللَهُ لَكِ الدُعاءَ |
وَأُسكِنَت في البَلَدِ الأَمينِ | وَشَبَّ إِسماعيلُ في الحَجونِ |
وَكانَ يَوماً عِندَهُ جِبريلُ | وَعِندَهُ النَبِيُّ إِسماعيلُ |
وَهوَ صَغيرٌ فَاِشتَكى الظَماءَ | فَخَرَجَت هاجَرُ تَبغي الماءَ |
فَهَمَزَ الأَرضَ فَجاشَت جَمجَما | تَفورُ مِن هَمزَتِهِ أَنْهُرَ ما |
وَأَقبَلَت هاجَرُ لَمّا يَئِسَت | فَراعَها ما عايَنَت فَأَبلَسَت |
وَجَعَلَت تَبني لَهُ الصَفائِحا | لَو تَرَكَتهُ كانَ ماءً سائِحا |
وَجاوَرَتهُم جُرهُمٌ في الدارِ | راغِبَةً في الصِهرِ وَالجِوارِ |
فَوَلَّدوا النِساءَ وَالرِجالا | خَؤولَةٌ شَرَّفَت الأَخوالا |
وَوَطَّنوا مَكَّةَ دَهراً داهِرا | حَتّى إِذا ما قارَفوا الكَبائِرا |
وَبَدَّلوا شِرعَةَ إِبراهيمِ | وَشَبَّهوا التَحليلَ بِالتَحريمِ |
أَجلَتهُمُ عَنها بَنو كِنانَهْ | فَدَخَلوا بِالذُلِّ وَالمَهانَهْ |
وَوَلي البَيتَ وَأَمرَ الناسِ | الأَكرَمونَ مِن بَني إِلياسِ |
فَلَم تَزَل شِرعَةُ إِسماعيلِ | في أَهلِهِ واضِحَةَ السَبيلِ |
حَتّى اِنتَهى الأَمرُ إِلى قُصَيِّ | مُجَمِّعٍ خَيرِ بَني لُؤَيِّ |
فَسَلَّمَ الناسُ لَهُ المَقاما | وَالبيتَ وَالمَشعَرَ وَالحَراما |
وَصارَتِ القوسُ إِلى باريها | وَصادَفَت رَمِيَّةٌ راميها |
وَإيطَنَت في أَهلِها المَكارِمُ | وَرُفِعَت لِشَيدِها الدَعائِمُ |
وَوَرَّثَ الشَيخُ بَنيهِ الشَرَفا | وَكُلُّهُم أَغنى وَأَجدى وَكَفى |
وَاِسمَع حَديثَ عَمِّنا إِسحاقا | فَإِنَّني أَسوقُهُ أَنساقا |
جاءَ عَلى فَوتٍ مِن الشَبابِ | وَمِئَةٍ مَرَّت مِن الأَحقابِ |
فَأَيَّدَ اللَهُ بِهِ الخَليلا | وَعَضَدَ الصادِقَ إِسماعيلا |
وَعَجِبَت سارَةُ لمّا بُشِّرَت | بِهِ فَصَكَّت وَجهَها وَذُعِرَت |
قالَت وَأَنّى تَلِدُ العَجوزُ | قيلَ إِذا قَدَّرَهُ العَزيزُ |
وَقيلَ مِن وَرائِهِ يَعقوبُ | مَقالَةٌ لَيسَ لَها تَكذيبُ |
فَتَمَّ وَعدُ اللَهِ جَلَّ ذِكرُهُ | وَغَلَبَ الأَمرَ جَميعاً أَمرُهُ |
فَكانَ مِن قِصَّةِ يَعقوبَ النَبِي | ما لَيسَ يَخفى ذِكرُهُ في الكُتُبِ |
قَد أَفرَدَ اللَهُ بِذاكَ سورَهْ | مَعروفَةً بِيوسِفٍ مَشهورَهْ |
وَماتَ يَعقوبُ بِأَرضِ مِصرِ | مِن بَعدِ تِسعٍ كَمُلَت وَعَشرِ |
وَإِنِّما طالَعَ مِصرَ زائِرا | لِيوسِفٍ ثُمَّ ثَوى مُجاوِرا |
حَتّى إِذا أَيقَنَ بِالحِمامِ | أَوصى بِأَن يُقبَرَ بِالشآمِ |
فَحَمَلَ التابوتَ حَتّى قَبَرَهْ | يوسُفُ بِالشامِ عَلى ما أَمَرَهْ |
ثُمَّ أَتى مِصرَ فَعاشَ حِقَبا | حَتّى قَضى مِن الحَياةِ أَرَبا |
وَكانَ مِن أُسرَتِهِ سَبعونا | أَتوهُ مَع يَعقوبَ زائِرينا |
وَكانَ فِرعَونُ يَليهِم قَسرا | فَسامَهُم سوءَ العَذابِ دَهرا |
فَبَعَثَ اللَهُ إِلَيهِم موسى | مِن بَعدِ ما قَدَّسَهُ تَقديسا |
فَخَلَّصَ القَومَ مِن العَذابِ | وَهُم عَلى ما قيلَ في الحِسابِ |
سِوى الذَراري وَالرِجالِ العُجفِ | مِن الرِجالِ سِتَّ مِيةِ أَلفِ |
وَنَقَلَ التابوتَ ذو العَهدِ الوَفي | موسى وَفي التابوتِ جِسمُ يوسُفِ |
لَم يَثنِهِ عَن ذاكَ بُعدُ العَهدِ | وَلا الَّذي مَرَّ بِهِ مِن جُهدِ |
وَبَينَهُم إِحدى وَخَمسونَ سَنَه | وَمِئَةٍ كامِلَةٍ مُمتَحَنَه |
وَمَكَثوا في التيهِ أَربَعينا | وَلَم يَعيشوا مِثلَها سِنينا |
وَماتَ هارونُ بنُ عِمرانَ النَبِي | مِن قَبلِ موسى في مَنامٍ طَيِّبِ |
وَقيلَ ما أُخِّرَ عَن أَخيهِ | إِلّا لِأَمرٍ قَد قُضِي في التيهِ |
ثُمَّ تَنَبّا يوشَعُ بنُ نونِ | وَصِيُّ موسى الصادِقِ الأَمينِ |
فَخاضَ بَحرَ أُردُنَ العَميقا | وَجَعَلَ البَحرَ لَهُ طَريقا |
وَحَرَقَت مَن خانَ في أَريحا | وَفَتَحَ اللهُ بهِ الفُتوحا |
وَقالَ لِلشَمسِ قِفي فَوَقَفَت | وَرَدَّها مِن قَصدِها فَاِنصَرَفَت |
وَذَلَّلَ المُلوكَ حَتّى ذَلَّتِ | وَقُلِّلَت في عَينِهِ فَقَلَّتِ |
وَأَسكَنَ الشامَ بَني اِسرائيلِ | وَعداً مِن الرَحمنِ في التَنزيلِ |
ثُمَّ تَنَبّا وَقَفاهُ كَالِبُ | وَقالَ لِلأَسباطِ إِنّي ذاهِبُ |
وَخَلَّفَ الحَليمَ حَزقائيلا | ابنَ العَجوزِ بَعدَهُ بَديلا |
وَكَثُرَت مِن بَعدِهِ الأَحزابُ | وَنَصَبوا بَعلَهُمُ وَعابوا |
فَقالَ إِلياسُ بنُ ياسينَ لَهُم | وَهُوَ نَبِيٌّ مُرسَلٌ مِن رَبِّهِم |
أَنِ اِعبُدوا اللَهَ وَأَلقوا بَعلا | فَاِستَكبَروا وَأَوعَدوهُ القَتلا |
فَلَم يَزَل مُستَخفِياً سَيّاحا | حَتّى دُعِي بِالمَوتِ فَاِستَراحا |
وَقيلَ في التَوراةِ إِنَّ فَرَسا | أَتاهُ في صَباحِهِ أَو في مسا |
حَتّى إِذا رَكِبَهُ إِلياسُ | غابَ فَلَم يَظهَر عَلَيهِ الناسُ |
وَلَم يَزَل اِبنُ الخطوبِ اليَسَعُ | يَردَعُهُم دَهراً فَلَم يَرتَدِعوا |
وَسُلِبوا التابوتَ مِن بَعدِ اليَسِعْ | وَماتَ اليادُ اِسمُهُم مِن الحَذعْ |
وَظَهَرَت عَلَيهِمُ الأَعداءُ | وَعَمَّهُم بَعدَ الهُدى العَماءُ |
فسأَلوا نبيَّهم سُمويلا | أنَّ يستقيل الملكَ الجليلا |
وَسَأَلوهُ أَن يُوَلّي والِيا | عَلَيهِمُ يُقاتِلُ الأَعادِيا |
وَعاهَدوهُ أَن يُطيعوا أَمرَهُ | وَأَن يُعِزّوهُ وَيُعلوا قَدرَهُ |
فَبَعَثَ اللَهُ لَهُم طالوتا | فَاِتَّبَعوهُ وَغَزوا جالوتا |
وَكانَ داودُ أَقامَ بَعدَهُ | في أَهلِهِ ثُمَّ أَتاهُ وَحدَهُ |
وَكَلَّمَتهُ صَخرَةٌ صَمّاءُ | نادَتهُ حَيثُ يَسمَعُ النِداءُ |
خُذني فَإِنّي حَجَرُ الخَليلِ | يُقتَلُ بي جالوتُ عَن قَليلِ |
وَكانَ أَيضاً سَأَلَتهُ قَبلَها | صَخرَةُ إِسحاقَ النَبِيِّ حَملَها |
فَشاهَدَ الحَربَ عَلى أَناتِهِ | وَاِصطَكَّتِ الأَحجارُ في مُخلاتِهِ |
وَكُلُّها يَطمَعُ في إِسدائِهِ | مُنتَقِمٌ لِلَّهِ مِن أَعدائِهِ |
فَنالَ داودُ بِبَعضِهِنَّهْ | جالوتَ إِذ كانَت لَهُ مَظَنَّهْ |
فَأَهلَكَ اللَهُ لَهُ عَدُوُّهْ | وَفازَ بِالمُلكِ وَبِالنُبُوَّهْ |
وَكانَ طالوتُ لَهُ حَسودا | فَأَظفَرَ اللَهُ بِهِ داودا |
وَكانَ قَد أَسَّسَ بَيتَ المَقدِسِ | بورِكَ في الأَساسِ وَالمُؤَسِّسِ |
وَإِنَّما تَمَمَّهُ سُلَيمانْ | مِن بَعدِهِ حّتى اِستَقَلَّ البُنيانْ |
وَكانَ قَد وَصّاهُ بِاِستِمامِهِ | داودُ إِذ أَشفى عَلى حِمامَهِ |
وَقامَ بِالمُلكِ سُلَيمانُ المُلِكْ | نَحوَ اَربَعينَ سَنَةً حَتّى هَلَكْ |
وَكانَ مِن أَولادِهِ عِشرونا | مِن بَعدِهِ بِالمُلكِ قائِمونا |
ثُمَّ أَزالَ المُلكَ بُختَنَصَّرُ | عَنهُم فَقامَ بَعدَهُم وَقَصَّروا |
وَخَرَّبَ الشَقِيُّ بَيتَ المَقدِسِ | وَكانَ مَشغوفاً بِقَتلِ الأَنفُسِ |
وَماتَ بِالرَملَةِ عَن بَنينا | مِن بَعدِهِ بِالمُلكِ قائِمينا |
فَقَتَلَ الأَخيرَ مِن بَنيهِ | دارا وَصارَ مُلكُهُم إِلَيهِ |
وَكانَ في زَمانِهِ أَيّوبُ | الصابِرُ المُحتَسِبُ المُنيبُ |
وَبَعدَ أَيّوبَ اِبنُ مَتّى يونُسُ | وَفيهِ لِلَّهِ كِتابٌ يُدرَسُ |
وَيونِسٌ وَلّى فَقامَ شَعيا | فَأَنزَلَ اللَهُ عَلَيهِ الوَحيا |
وَقيلَ إِنَّ الخِضرَ مِن إِخوانِهِ | وَإِنَّهُ قَد كانَ في زَمانِهِ |
وَزَكَرِيّاءُ وَيَحيى الطاهِرُ | قَد أَنذَروا لَو أَغَنتَ المَناذِرُ |
كِلاهُما أُكرِمَ بِالشَهادَهْ | فَسَعِدا وَأَيَّما سَعادَهْ |
وَكانَ يَحيى أَدرَكَ اِبنَ مَريَمِ | طِفلاً صَغيراً في الزَمانِ الأَقدمِ |
وَبَعدَ ذاكَ مَلَكَ الإِسكِندَرُ | وَالإِسمُ ذو القَرنينِ فيما يَذكُرُ |
وَكانَ عيسى بَعدَ ذي القَرنينِ | بِنَحوِ خَمسينَ وَمائَتَينِ |
يَنقُصُ حَولاً في حِسابِ الرومِ | بِذِكرِهِ في الخَبَرِ المَعلومِ |
وَكانَ في أَيّامِهِ الأَشغانون | وَهُم مُلوكٌ لِلبِلادِ غَرين |
فَجَذَّهُم بِالسَيفِ أَردَشيرُ | ثُمَّ اِبنُهُ مِن بَعدِهِ سابورُ |
وَاِنقَطَعَ الوَحيُ وَصارَ مُلكا | وَأَعلَنوا بَعدَ المَسيحِ الشِركا |
فَخَصَّ بِالطَولِ بَني اِسماعيلِ | أَضافَهُم بِالشَرَفِ الجَليلِ |
فَلَزِمَت مَكَّةَ وَالبَوادِيا | وَحَلَّت الأَريافَ وَالحَواشِيا |
وَظَهَرَت بِاليَمنِ التَبابِعَهْ | شَمرُ بنُ عَبسِ وَمُلوكٌ خالِعَهْ |
وَاِستَولَتِ الرومُ عَلى الشاماتِ | فَآثَرَت رَفاهَةَ الحَياةِ |
وَأجمَعَت لِلفُرسِ أَرضَ بابِلِ | وَقَنَعَت بِآجِلٍ مِن عاجِلِ |
فَهذِهِ جُملَةُ أَخبارِ الأُمَمْ | مَنقولَةٌ مِن عَرَبٍ وَمِن عَجَمْ |
وَكُلُّ قَومٍ لَهُمُ تكثيرُ | وَقَلَّما تُحَصَّلُ الأُمورُ |
وَعُمِّيَتْ في الفَترَةِ الأَخبارُ | إِلّا الَّتي سارَت بِها الأَشعارُ |
وَالفُرسُ وَالرومُ لَهُم أَيّامُ | يَمنَعُ مِن تَفخيمِها الإِسلامُ |
وَإِنَّما يَقنَعُ أَهلُ العَقلِ | بِكُتبِ اللَهِ وَقَولِ الرُسلِ |
ثُمَّ أَزالَ الظُلمَةَ الضِياءُ | وَعاوَدَت جِدَّتَها الأَشياءُ |
وَدانَتِ الشُعوبُ وَالأَحياءُ | وَجاءَ ما لَيسَ بَهِ خَفاءُ |
أُتاهُمُ المُنتَجَبُ الأَواهُ | مُحَمَّدٌ صَلّى عَلَيهِ اللَهَ |
أَكرَمُ خَلقِ اللَهِ طُرّاً نَفسا | وَمَولِداً وَمَحتَداً وَجِنسا |
يَغشى لَهُ بِالشَرفِ الأَشرافُ | لا مِريَةٌ فيهِ وَلا خِلافُ |
أَقامَ في مَكَّتِهِ سِنينا | حَتّى إِذا اِستَكمَلَ أَربَعينا |
أَرسَلَهُ اللَهُ إِلى العِبادِ | أَشرِف بِهِ مِن مُنذِرٍ وَهادِ |
فَظَلَّ يَدعوهُم ثَلاثَ عَشرَه | بِمَكَةٍ قَبلَ حُضورِ الهِجرَه |
ثُمَّ أَتى مَحَلَّةَ الأَنصارِ | في عُصبَةٍ مِن قَومِهِ خِيارِ |
أَوَّلُهُم صاحِبُهُ في الغارِ | أَفضَلُ تِلكَ العِصبَةِ الأَبرارِ |
صِدّيقُها الصادِقُ في مَقالِهِ | المُحسِنُ المُجمِلُ في أَفعالِهِ |
وَذاكَ في شَهرِ رَبيعِ الأَوَّلِ | لِلَيلَتَينِ بَعدَ عَشرٍ كُمَّلِ |
فَسُرَّتِ الأَنصارُ بِالمُهاجِرَه | وَكُلُّهُم يُؤثِرُ دارَ الآخِرَه |
وَاِحتَشَدَت لِحَربِهِ القَبائِلُ | فَثَبَتَ الحَقُّ وَزالَ الباطِلُ |
فَلَم يَزَل في يَثرِبٍ مُهاجِرا | عَشرَ سِنينَ غازِياً وَنافِرا |
حَتّى إِذا ما ظَهَرَ الإيمانُ | وَخَضَعَت لِعِزِّهِ الأَوثانُ |
وَبَلَّغَ الرِسالَةَ الرَسولُ | وَوَضَحَ التَأويلُ وَالتَنزيلُ |
وَعُرفَ الناسِخُ وَالمَنسوخُ | وَكانَ مِن هِجرَتِهِ التاريخُ |
ناداهُ مَن رَبّاهُ فَاِستَجابا | مِن بَعدِ ما اِختارَ لَهُ أَصحابا |
عَدَّلَهُم في مُحكَمِ الكِتابِ | لِعَبدِهِ وَلِذَوي الأَلبابِ |
مِن سورَةِ الحَشرِ وَفي آياتِ | من القُرَانِ غيرِ مُشكِلاتِ |
قامَ أَبو بَكر الَّذي وَلّاهُ | أَمرَ صَلاةِ الناسِ وَاِرتَضاهُ |
فَعاشَ حَولَينِ وَعاشَ أَشهُرا | ثَلاثَةً تَزيدُ ثُلثاً أَوفَرا |
وَماتَ في شَهرِ جمادى الآخِرَه | يَومَ الثُلاثاءِ لِسَبعٍ غابِرَه |
وَكانَتِ الرِدَّةُ في أَيّامِهِ | فَصَلَحَ النَقضُ عَلى إِبرامِهِ |
وَقامَ مِن بَعدِ أَبي بَكرٍ عُمَرْ | فَبَرَزَت أَيّامُهُ تِلكَ الغُرَرْ |
تَضَعضَعَت مِنهُ مُلوكُ فارِسِ | وَخَرَّتِ الرومُ عَلى المَعاطِسِ |
أَسلَمَ كِسرى فارِسٍ إيوانُهُ | وَأَصبَحَت مَفروسَةً فُرسانُهُ |
وَأَجلَت الرومُ
اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (علي بن الجهم) . |