بحرُ يا بحرُ، |
ياهامةً تنحني للسواحلِ |
تاركةً كبرياءَ السنينَ |
انكساراتِ وجدٍ .. |
تُراكَ تخاذَلْتَ مثليَ حين عشِقتَ، |
أم الوقتُ أرادكَ |
فوق الترابِ، |
صريعَ الأماني الجميلةِ ..؟ |
ها هي ذي الأغنياتُ |
تعزّيك فيما بكيتَ، |
وفيما رأيتَ |
من الأنجُمِ الموغلاتِ |
بهذا الظلامِ السحيقِ. |
أراك تُحَمّلني |
عِبْءَ ما خلّفتْهُ الليالي الثقيلةُ |
كيف وفيكَ انطفاءُ الشموسِ، |
وفيكَ اشتعالي .. |
كنتَ أنتَ عزاءَ الطيورِ الغريبةِ |
تبسطُ من تحتها صدرَكَ الرَّحبَ .. |
تُرشدُها للحياةِ |
فمن ذا يؤجّجُ فيكَ الحياةَ، |
وقد رستِ الفُلكُ |
بعد انقضاءِ المواسمِ ..؟ |
من ذا يُتوّج رأساً تَمَلّكهُ الوردُ، |
حتى اسْتَخَفّ بشوكِ المسافةِ ..؟ |
من ذا يُروّضُ فيكَ جُموحَ الطفولةِ، |
أو يشتريكَ ببعضِ الكلامِ المُنَمْنَمِ، |
حين تموتُ القصائدُ |
بين الخليجِ ومصَرَ وقامةِ سلمى ..؟ |
فاشْربِ المُرّ وحدَكَ، |
لا عاصمَ اليومَ من جُرعةٍ |
للبقاءِ أو الموتِ بين يديها. |
حالماً كالفراشاتِ كنتُ .. |
وحين أفقتُ، |
احْترقْتُ بنارِ الحقيقةِ، |
ياليتني ما أفقْتُ. |
حالماً كنتُ في عُشّها .. |
أعقد الليلَ بالليلِ، |
كي لا تفيقَ العصافيرُ |
بين ضلوعي |
وتلسعُني الشمسُ قبل الأوانْ. |
حالماً كنتُ .. |
لكنّني، |
أتَحَسّسُ كل المواضِعِ |
حين يُباغتُني الياسمينُ |
برائحةِ الزّعفرانْ. |
بحرُ يابحرُ، |
يا بعضَ شوقي إليها |
رويدكَ، |
فالغدُ موعدُنا .. |
سوف تأتي برائحةِ النخلِ |
شامخةً كالصباحِ |
وفي يدها جُلُّ ماقد تركتُ لديها. |
غداً تتحنّي بملحِكَ كلُّ النوارسِ، |
والأغنياتُ الحبيسةُ في شفتيها .. |
غداً نرتمي فوق موجكَ |
زوّادتينِ |
لهذا الطريقِ الطويلِ .. |
غداً نُطفِئُ الشمسَ |
قبل الغروبِ، |
نُعَلّقُ أحلى قصائدِنا |
في رقابِ الطيورِ |
ونسخرُ بالمستحيلِ .. |
بحرُ يابحرُ، |
ياهامةً تنحني |
كي تُقَوّمَ فينا انْحناءاتِ هذا الزمانِ |
وما أسقَطَ الدّهرُ |
من كبرياء السواحلِ |
قبل الخريفِ وبعد الخريفْ .. |
هاهو الشوقُ والشّعرُ والعاشقُ الطفلُ |
بين ذراعيكَ |
فلتحفظِ السِّرَّ |
حتى تعودَ الحقيقةُ عن غَيّها |
أو أعودَ إلى خيمةِ الزّاهدينَ |
لأخلو بها قصةً |
لاتموتْ. |