لبنان...
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
أرجِعي ما استطعتِ لي من شَبابي | يا سُهولاً تَدَثَّرَتْ بالهِضابِ |
غسَلَ البحرُ أخْمَصَيْها ، ورشَّتْ | عبِقاتُ النَّدى جِباهَ الرَّوابي |
واحتواها " صِنّينُ " بينَ ذِراعيه | عجوزاً له رُواءُ الشَّباب |
كلَّلتْ رأسَهُ " الثّلوجُ " ، ومسَّتْهُ | بأذيِالها مُتونُ السَّحاب |
وانثنى " كالاطار " يحتضِنُ الصّورةَ | تُزْهَى ، أو جَدْولٍ في كتاب |
كلَّما غامَ كُربةً من ضَبابٍ | فرَّجَتْ عنه قُبْلةٌ من شِهاب |
وبدَتْ عندَ سفحِه خاشِعاتُ | الدور مثل " الزٍّميت " في مِحراب |
وحواليَهِ من ذَراريهِ أنماطٌ | لِطافٌ ، من مُسْتَقِلٍّ وكابي |
و " القُرَيَّاتُ " كالعرائس تُجْلى | كلَّ آنٍ تلوحُ في جِلباب |
منْ رقيقِ الغُيوم تحتَ نِقابِ | ومِنَ الشَّمسِ طلقةً في إهاب |
وهي في الحالتين فِتنةُ راءٍ | بينَ لونينِ من مُشِعٍّ وخابي |
والبيوتُ المُبَعْثراتُ " نَثارُ " | العُرس مبثوثةً بدونِ حساب |
وتراها بينَ الخمائلِ تلتفُّ | عليها ، عمارةً في غاب |
وتماسَكْنَ – والطبيعةُ شِعرٌ - | كقوافٍ يَلْمَعْنَ غيرَ نوابي |
زهوُ حُمْرِ القبِاب في الجبَلِ الأخضرِ | يَسبي كزهو أهلِ القباب |
و " الكرومُ " المُعرِّشاتُ حُبالى | مُرضِعاتٌ كرائمَ الأعناب |
حانياتٌ على " الدوالي " تُحَلِّينَ | عناقيدَ زينةً للكعاب |
رافعاتُ الرءوسِ شُكْراً ، وأُخرى | ساجداتٌ شُكْراً على الأعتاب |
سِلْنَ في الحَقْل مثلَ رُوحٍ لجسمٍ | وتمدَّدْنَ فيهِ كالأعصاب |
وتصايَحْنَ: أين .أينَ النَّدامى ؟ | وتغامَزْنَ ثَمَّ للأكواب |
وتخازَرْنَ والمَعاصِرُ أبصاراً | حِداداً مَلِيئةً بالسّباب |
نَظَراتٍ كانت خِطاباً بليغاً | ولدى " العاصرينَ " فحوى الخطاب |
إنَّ خيرَ الشُهورِ إرثاً لشهرٍ | ما تَلقَّى " أيلولُ " من شهرِ " آب" |
كيفَ لا ترقصُ الطبيعةُ في أرضٍ | ثراها مُخَضَّبٌ بالشراب |
غاضَ " نبعُ " النَّهارِ يُؤْذنُ ضوء البدرِ | قد فاضَ نبعهُ بانسِكاب |
وانزوَتْ تلكُمُ الخليعهُ ! طولَ اليومِ | " عُريانةً " وراءَ حجاب |
وأتتْ في غَيابةِ " الشَّفَقِ "الأحمرِ | ما تشتهي مِنَ الألعاب |
أي لونٍ ألقتْ على الأرضِ حَلَّى | كلَّ ما فوقَها ، وأيَّ خِضاب |
هدأ الحَقْلُ والمدينةُ والغابُ | ودوَّى الصَّدى ورَجْعُ الجواب |
ثمَّ سدَّ الدُروبَ جيشُ " الكَدودين " | طَوالَ النَّهارِ في أتعاب |
حبَّذا منظرُ " الفؤوس " استراحتْ | في " نِطاقِ " الفلاَّحِ والحطَّاب |
واستقلَّ الجبالَ " راعي " غُنَيْماتٍ | يُدَوّي " بزجلَةٍ " و " عتاب" |
يا مَثارَ الأحلامِ ، يا عالَمَ الشّعر | طريّاً ، يا جَنَّةً من تراب |
يا خيالاً لولا الحقيقةُ تُنبي | عنه كنَّا من أمرهِ في ارتياب |
حسبُ نفسي من كلِّ ما يأسِرُ النَّفْسَ | اغتِراراً من الأماني العِذاب |
هجعةٌ في ظِلال " أرزِكِ" تَنفي | مِن هُمومي ووَحشتي واكتئابي |
وصديقي وحشٌ أعزُّ وأوفى | من حسودٍ ، ومن صديقٍ محابي |
لا أقولُ " العدوُّ " إنَّ عِداتي | " نَسَبٌ " واضحٌ من الأنساب؟! |
كلَّما شاقني التأملُ لفتَّني مجاري | المياهِ بينَ الشِّعاب |
بينَ صفَّيْ " صَنَوْبرٍ " كشُعورِ الغيد | لُمَّتْ على قُدودٍ رِطاب |
آيةُ اللهِ عندَ لُبنانً َ هذا الحسنُ | في عامرٍ له وخراب |
رُبَّ " وادٍ " بادي المقاتِلِ تعلوهُ | الأخاديدُ كالجروح الرِّغاب |
كانَ في سِحرهِ كآخَرَ زاهٍ | مستفيضِ المياهِ والأعشاب |
وفِجاجٍ مَغْبَرّةٍ كُنَّ أبهى | روعةً من مُفَيَّحاتٍ رِحاب |
قلتُ إذ حِرتُ : أيُّ أرض لها الفضلُ | على غيرها وحارَ صِحابي ! |
أدْخُلوا " جنَّةَ " النَّعيم تُلاقوا | ألفَ " رضوانَ " فاتحاً ألفَ باب |
غيرَ أنّي أنكرتُ في جنَّةِ الفِردوسِ | "ربّاً " مُوَكَّلاً بعذاب! |
إيهِ " لُبنانُ " ، والحديثُ شجونٌ | هل يُطيقُ البيانُ دَفعاً لما بي ؟ |
حارَ طيَّ الَّلهاةِ مّني سؤالٌ | أنا أدرى بردِّهِ والجواب! |
ما تقولونَ في أديبٍ " حريبٍ!" | " مُسْتَقلٍّ " يلوذُ بـ " الانتداب" ؟ |
خلتُ أني فررْتُ مِن " جوِّ بغدادَ " | وطُغيانِ " جَوْرها " الَّلَّهاب |
ومِنَ البغيِ والتَّعَسّفِ والذُّلِّ | فظيعاً مُحَكَّماً في الرّقاب |
ومِنَ الزّاحفينَ كالدُودِ " هُوناً " | تحتَ رِجليْ " مسْتَعْمِرٍ " غَلَّاب |
ومنَ" الصَّائلينَ " في الحُكْمِ زُوراً | كخيولٍ " مُسوَّماتٍ " عراب |
خِلْتُ أنّي نجوتُ مِنْ ذا ومن | بَطشةِ عاتٍ ، وخائنٍ كذّاب |
غانماً " سَفرتي " وها أنا في حالٍ | تُريني غنيمتي في الإياب |
أفيَبْقَى " الأحرارُ " مِنَّا ومِنكُم | بينَ سَوْطِ " الغريبِ " والإرهاب؟ |