«قراءة في رسائل من داخل الوطن» |
------------ |
لي ما يُبَرِّرُ وحشتي هذا الصباحَ |
كأنْ أَغضُّ الطَرْفَ عن وردِ الحديقةِ |
وابتهاجِ ابني بأفْراخِ الحَمامِ |
لي ما يُبَرِّرُ وحشتي هذا الصباحَ |
فإنَّ أمي تشتكي صَمَماً وقد عَشِيَتْ |
لماذا لا أكفُّ عن اتصالي الهاتفيِّ بها |
هل يرى الأعمى من القنديلِ أكثرَ من ظلامِ؟ |
*** |
لي ما يبرر وحشتي هذا الصباحَ |
فإنَّ جارَتَنا «حسيبةَ» |
باعت الثورَ الهزيلَ |
وقايَضَتْ ثَوْبَينِ بالمحراثِ |
وابنتها - التي فُسِخَتْ خطوبتُها - اشترتْ نولاً |
ولكنَّ الخِرافَ شحيحةٌ.. |
كادَتْ تُزَفُّ إلى ثريٍِ جاوَزَ السبعينَ |
لولا أنَّ داءَ السُكّريّ أتى عليه |
ولم يكن كتبَ الكتابَ |
فلم تَرِثْ غيرَ العباءَةِ والسِوارِ |
وَوَهْمِ بَيْتٍ من رُخامِ |
*** |
لي ما يُبرّرُ وحشتي هذا الصباحَ |
كأنْ أصيخ السَمْعَ |
للماضي الذي لم يأتِ بَعْدُ |
وأنْ أُعيد صياغةَ النصِّ الذي |
أَهْمَلْتُهُ عامينِ |
لا أدري لماذا لا أكفُّ |
عن التَلَفُّتِ للوراءِ |
ولا أَملُّ من التأَمُّلِ في حطامي |
*** |
وإرسالي المزيدَ |
لي ما يُبَرِّرُ وحشتي هذا الصباحَ |
فإنَّ «نهلةَ» جاءها طفلٌ له رأسانِ.. |
«نَهْلَةُ» كانتِ القنديلَ في ليلِ الطفولةِ |
ضاحَكَتْني مرةً ... فكبرتُ! |
أذكر أنني - في ذاتِ وجدٍ - |
قد كتبت قصيدةً عنها... |
وحين قَرَأْتُها في الصَفِّ |
صَفَّقَ لي المُعَلّمُ |
غير أَنَّ بَقِيَّةَ الطلابِ |
أَضْحَكَهُمْ هُيامي |
*** |
من التصاويرِ الحديثةِ |
لي ما يبررُ وحشتي هذا الصباحَ |
يقولَ «رفعتُ» في رسالته الأخيرةِ: |
إنَّ «محمود بن كاظمَ» بات - بعد العفوِ - حُرّاً |
غير أَنَّ حديثَهُ يُفْضي الى رَيْبٍ بعقلٍ |
فهو يُطْنِبُ في الحديثِ |
عن التقدمِ للوراءِ |
أو |
التراجعِ للأَمامِ |
*** |
لي ما يُبَرِّرُ وحشتي هذا الصباح |
وما سَيَذْبَحُ في رياضِ فمي |
أزاهيرَ ابتسامي |
فـ «حَمادةُ الحمّالُ» مات حمارُهُ |
وأنا أُرَجِّحُ أنْ يكونَ «حمادةُ الحمّالُ» |
قد قتل الحمارَ |
تَدَبُّراً لـ «بطاقةِ التموينِ» |
والسوقِ التي كسُدَتْ |
وللحقلِ الذي ما عادَ يعرفُ خضرةَ الأعشابِ |
كان «حمادةُ الحمّالُ» مُخْتَصّاً بنقلِ الخضرواتِ |
وكان أشْهَرَ في «السماوةِ» |
من وزيرِ الخارجيةِ.. |
غير أَنَّ حكومةَ «البطل المجاهدِ» عاقَبَتْهُ |
لأنه |
تَرَكَ الحمارَ يَبولُ تحتَ مِنَصَّةٍ |
رُفِعَتْ عليها صورةُ «الركن المهيبْ» |
و«حمادةُ الحمّالُ» يجهلُ في السياسةِ.. |
لم يشاركْ في انتخابِ البرلمانِ.. |
وحين يُسأَلُ لا يُجيبْ |
ويُقالُ: |
إنَّ كبير مسؤولي الحكومةِ في «السماوةِ» |
كان يخطبُ في اجتماعٍ حاشدٍ |
في عيدِ ميلادِ «ابنِ صبحةَ» |
ثمَّ صادفَ أَنْ يَمُرَّ «حمادةُ الحمّالُ» |
فاحْتَفَلَ الحمارُ |
(وربما ارتبكَ الحمارُ) |
فكانَ |
أنْ غَطّى النهيقُ على الخطيبْ |
ولذا |
أُرَجِّحُ أنْ يكون «حمادةُ الحمالُ» |
قد قَتَلَ الحمارَ |
او الحكومةُ أَرْغَمَتْهُ |
بأَمْرِ قائدِها اللبيبْ |
فـ «حمادةُ الحمّالُ» مَتَّهَمٌ |
بتأليب الحمارِ على الحكومةِ |
و«المهيبْ» |
*** |
لي ما يُبَرّرُ وحشتي.... |
بغداد تُطْنِبُ في الحديث عن الربيعِ |
ونشرة الأخبارِ تُنْبِيءُ عن خريفٍ |
قد يدوم بأرضِ دجلةَ ألف عامِ! |
وأنا ورائي جُثَّةٌ تمشي.. |
ومقبرةٌ أمامي! |
*** |