قبر شاعر
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
رفّت عليه مورقات الغصون | و حفّه العشب بنوّاره |
ذلك فبر لم تشهده المنون | بل شاده الشّعر بآثاره |
أقامه من لبنات الفنون | و زانه المجد بأحجاره |
ألقى الشّاعر عبء الشّجون | وأودع القلب بأسراره |
*** | |
و جاورته نخلة باسقة | تجثم في الوادي إلى جنبه |
كأنّها الثّاكلة الوامقة | تقضي مدى العمر إلى قربه |
و ترسل الأغنية الشّائقة | قمريّة ظلّت على حبّه |
*** | |
و يقبل الفجر الرّقيق الإهاب | يحنو على القبر بأضوائه |
كأنّما ينشد تحت التّراب | لؤلؤة تزري بلألائه |
إستلّ منها الموت ذاك الشّهاب | غير شعاع في الدّجى تائه |
يظلّ يهفو فوق تلك الشّعاب | يطوف بالينبوع من مائه |
*** | |
و يذهب النّور و يأتي الظّلام | ز تبزع الأنجم في نسقه |
حيرى تحوم اللّيل كالمستهام | أسهره الثّائر من شوقه |
تبحث عن نجم بتلك الرّجام | هوت به الأقدار عن أفقه |
أخ لها في الأرض ودّ المقام | و آثر الغرب على شرقه |
و يطلق الطير نشيد الصّباح | بنغمة تصدر عن حزنه |
يمدّ فوق القبر منه الجناح | و يرسل المنقار في ركنه |
أفضى إلى الرّاقد فيه و باح | بأنّه الملهم من فنّه |
فمن قوافيه استمدّ النّواح | و من أغانيه صدى لحنه |
*** | |
و حين تمضي نسمات الخريف | و تملأ الأرض رياح الشّتاء |
و يقبل اللّيل الدّجى المخيف | فلا ترى نجما ينير السّماء |
هناك لا غصن عليه وريف | يهفو ، و لا طير يثير الغناء |
يظلّل الأرض الظّلام الكثيف | كأنّما تمسي بوادي الفناء |
يا شاعرا ما جمعتني به | كوكب اللّيل و شمس النّهار |
لكنّه الشّرق و في حبّه | ينأى بنا الشّوق و تدنو الدّيار |
سكبت من شجونك في قلبه | و من مآقيك الدّموع الغزاز |
فودّ لو أن نمت في تربه | ليشفي النّفس بهذا الجوار |
*** | |
صوّر لي القبر الذي تنزل | تخيّل الشّعر و وحي الشّعور |
فجئت للقبر بما يجمل | من صور الدّنيا الفتون الغرور |
قل لي بحقّ الموت ما يفعل | بالشّاعر الموت و هذي القبور؟ |
و هل وراء الموت ما نجهل | من عالم الرّحعى و يوم النّشور؟ |
*** | |
قد راعني موتك يا شاعري | في ميعة العمر و فجر الشّباب |
و هزّني ما فاض من خاطر | كان ينابيع البيان العذاب |
و نفاثات القلم السّاحر | في جوبك ألافق و طيّ السّحاب |
و وقفة بالكوكب الحائر | رأى بساط الرّيح يدنو فهاب |
لكنّه شعرك لمّا يزل | يردّد الكون أناشيده |
شعر كصوب الغيث أنّى نزل | أرقص في الرّوض أماليده |
و علّم الطّير الهوى و الغزل | فأسمع الزّهر أغاريده |
و غنّت الرّيح به في الجبل | فحرّكت منه جلاميده |
*** | |
يا قبر لم تبصرك عيني و لا | رأتك إلاّ في ثنايا الخيال |
ملأت بالرّوع فؤاد خلا | إلاّ من الحبّ و نور الجمال |
أوحيت لي السّر الرّدى فانجلى | عن عيني الشّكّ و ليل الضَلال |
غدا ستطوي القلب ايدي البلى | و ينقص النّجم عقاب اللّيال |
*** | |
و هكذا تمضي ليالي الحياه | و القبر ما زال على حاله |
دنيا من الوهم و دهر تراه | يغرّر القلب بآماله |
يسخّر من مبتسمات الشّفاه | و جامد الدّمع و سيّاله |
دهر على العالم دارت رحاه | فلم تدع رسما لأطلاله |