ثكل الأمومة
مدة
قراءة القصيدة :
8 دقائق
.
ما للمنيّة أدعوها و تبتعد | أمرّ من كل حتف بعض ما أجد |
ظمآن أشهد ورد الموت عن كثب | و الواردون أحبّائي و لا أرد |
علّلت بالصبر أحزاني فيا لأسى | بالجمر من نفحات الجمر يبترد |
دعوت خدنيّ من دمع و من جلد | فأسعف الدمع لكن خانني الجلد |
أصبحت أعزل و الهيجاء دائرة | لا السيف ردّ الأذى عنّي و لا الزرد |
أردّ رشق الظبى عن مهجتي بيد | و تمسح الدمع من نزف الجراح يد |
*** | |
أبا جميل سلام الله لا كتب | إليك تحمل أشواقي و لا برد |
لقيت في الحق ما لاقى به نفر من الهداة و ما عانوا و ما جهدوا | |
و العبقريّ غريب في مواطنه | يدور حيث يدور الحقد و الحسد |
و حاملين رسالات مقدّسة | توحّدوا بالجهاد السمح و انفردوا |
مشتّتين بعصف الرّيح و لا وطن | يلمّ أشتات بلواهم و لا بلد |
معارك الحقّ من أجسادهم مزق | على ثراها و من مرّانهم قصد |
و ربّ شاك فساد العصر يظلمه | لم يفسد العصر لكن أهله فسدوا |
*** | |
أذاكر لي على صيداء هانئة | من الزّمان عليها نعمة ودد |
يمشي بك المجد في أفياء وارفة | من الأمانيّ لا تلوي بما تعد |
فيها صباك عطور عبقريّة | و لي شباب طريف العمر متّئد |
و نحن بين الدّروب الحاليات يد | تضمّها في ظلال البرتقال يد |
و أستعيدك شعري حين تنشده | حتّى يقوّم في إنشاده الأود |
حبّ أبوك تولاّه و دلّله | و راح يكرم الإرث الوالد الولد |
*** | |
يا مبدع السحر إلاّ أنّه كلم | و ساقي الرأي إلاّ أنّه شهد |
يا ناقدا ، حبّه يملي فرائده | حتّى ليندى حنانا حين ينتقد |
يا مانح النّور من تاهت دروبهم | و مانح الحبّ و الغفران من حقدوا |
يفنى المزوّر من مجد و من خدعت | به الشعوب و تبقى أنت و الأبد |
لن يعدم القبر لا ريّا و لا عبقا | فلي جفون نديّات و لي كبد |
أحنو على دمك المطلول ألثمه | أزكى من الورد ما جادت به الورد |
دماء قلبك إيمان و غالية | فليس ينكرها بدر و لا أحد |
دماء قلبك ما من قطرة نزفت | إلاّ تمنّت سناها نجمة تقد |
يا من نحبّ و لولا الحبّ لا لعس | و لا لمى عبق السقيا و لا غيد |
سهرت في زحمة الجلّى و مزّقني | أنّي شهدتهم أغفوا و ما سهدوا |
و في ضناي و في أحزاني ازدلفوا | يحرّضون عليّ الدّهر و اتحدوا |
حتى بكت محنتي من ظلمهم و غدت | بالدّمع تنهش من قلبي و تزدرد |
*** | |
أمّاه ، دمعك تبكي من مواجعه | شمّ البواذخ و الأفلاك ترتعد |
أمّاه لم يبق لي روح فأغدقه | على أساك و لا دمع و لا كبد |
تطوف عينك في الزوار سائلة | عن الحبيب الذي ولّى و تفتقد |
و طاف ثكلك في عدن فهل سألت | مساحب النّور أين النّور و الرّغد |
ثكل الأمومة في التسعين حين بكى | عند الملائك في جنّانهم سجدوا |
ثكل الأمومة عند الله حرمته | كحرمة الحقّ لا ستر و لا بعد |
ثكل الأمومة عند الله فاتحة | من الكتاب و إيمان و معتقد |
ثكل الأمومة حفّ الأنبياء به | يهدهدون من الآلام و احتشدوا |
يدعو فتفتح أبوا ب السماء له | و يمسح الدمعتين الواحد الأحد |
*** | |
و أنت أمّ جميل أيّ نازلة | لم تبق رفدا لحزن جاء يرتفد |
ما قبل يومك يوم رحت أشهده | له لواء على الأحزان منعقد |
لبنان أين ربيع كنت أيكته | يبكي الرّبيع إذا جافى و يفتقد |
لا الشمّ كالعهد فيه لهفة و قرى | على النسور و لا الأمواج و الزبد |
لا الأرز بعد نوانا مائس عطر | و لا الغصون عليها الطائر الغرد |
جيرانك الأنجم الزهراء عاتبة | و كلّ نجم حزين ثاكل حرد |
يطلّ فيك دم للنور بعد دم | و لا حماة و لا ثأر و لا قود |
لي فيك شعر رواه العطر فازدحمت | منك السّفوح على ريّاه و النجد |
لبنان فيك قبور للسّيوف حمى | هان ففي كلّ قبر صارم فرد |
تألّقوا في سماء المجد ما خمدت | رغم العواصف ذكراهم و ما خمدوا |
حتّى إذا ضفرت غارا لمفرقهم | أنامل الخلد زان الخلد من خلدوا |
*** | |
أبا جميل .. و قربى بيننا اتّصلت | إلى الجنان .. فدان و هو مبتعد |
عدنان عندك في النعمى و لي كبد | عليه بالجمر و الأحزان يتّقد |
أحبابنا في جنان الله قد نعموا | لقد شقينا بهم لكنّهم سعدوا |
هشّوا إلى ابن أخيهم و هو بينهم | بحاليات صباه كوكب يقد |
يا للنجوم قديمات السنى نزلت | على قراها نجوم طلّع جدد |
حمّلت عدنان أطياب الحنين فهل | أدّى أمانة ما أشكو و ما أجد |
لم أرثه و هو روحي فارقت جسدي | و كيف يبكي و يرثي روحه الجسد |
ألمّ بالقبر أغليه و ألثمه | و حولي الساخران : الغيب و الأبد |
أحبّتي كلّما غامت طيوفهم | هتفت : لا تبتعدوا عنّي و قد بعدوا |
*** | |
روح الشهيد كنور الله ما همدت | لبث قليلا الظلاّم قد همدوا |
حرب على الكفر و الطغيان يضرمها | رأي على الحجّة الزّهراء يعتمد |
رموك غدرا و لو صالوا مجابهة | لمزّق الصائدين الضيغم الحرد |
سلاحك النّور و الإسلام وحدهما | و منهما العون عند الفتح و المدد |
رسالة من أبي الزهراء خالدة | عديدك الفاتح المنصور و العدد |
حتّى إذا انهزمت شتّى فلولهم | و مرّغ الجبن زهو الحقّ و الصيد |
أشرفت و الدم شمس – راح يحجبها | بكفّه و يواري وجهها الرّمد |
لا يخدعنّك زهو الظالمين و إن | تاهت على الفلك الأبراج و العمد |
ثلاثة لهوان الدّهر قد خلقوا | ألظالمون و عير الحيّ و الوتد |
تكبّر الحقّ أن تلقاه مضطهدا | ألظلم في عنفوان الظلم مضطهد |
*** | |
شمائل الصّيد من قومي معطّرة | بمترف الحق لا غالوا و لا جحدوا |
سمحاء لم تدر تهريجا و لا عقدا | فكيف شوّهها التهريج و العقد |
تنكرّوا لقديم المجد و هو ضحى | يؤذي العيون و لا يؤذي الضحى الرمد |
خطوبهم لا خطوب الدّهر ضاربة | على العروبة إن حلّوا و إن عقدوا |
ألهانئون بسلم لا حماة له | فداء من زحموا الجلّى و من نهدوا |
القدس سيناء لحد هبّ منتفضا | به الكمأة و خيل الحقّ تطّرد |
و رمل سيناء لحد هبّ منتفضا | بكلّ من سقطوا غدرا و ما لحدوا |
يصيح ألف صدى في الرّمل منتظرا | أن يستثير الصحارى فارس نجد |
*** | |
أرى الأذلاّء و الهيجاء ساخرة | توعّدوا بالوغى لكنّهم وعدوا |
ردّ الأباة على الطغيان غارته | و لم يسلّموا ظبى لكنّهم حقدوا |
و كيف أرضى بقوم ألّهوا صنما | و كفّروه و ذمّوا بعد أن حمدوا |
حتى إذا راع قصف الرّعد من سمعوا | و راع برق الدّجى أحلام من شهدوا |
تكشّف النقع عن أشلاء طاغية | و راح يخطر في غاباته الأسد |
*** | |
أبا جميل أناجي فيك حالية | من الشمائل أغليها و أفتقد |
تحوّلت أفقا غير الذي عرفوا | و أنجما في الدّجى غير التي رصدوا |
فسلّم الفلك الأسمى على فلك | فيه الكواكب و الأسحار و الرأد |
هذي السماء كتاب من شتيت رؤى | فكلّ نجم بها رأى و معتقد |
لي عالم يغمر الدنيا و تغمره | و عالم عطر الأسرار منفرد |
تخفّ روحي لحاقا في حتوفكم | و يحكم القدر العاتي فتتّئد |
ألعيش بعدكم لغو فلا طرب | فيه و لا أمل هان و لا كمد |
فيا شقاء فتى آماله رجعت | لأمسه و انطوى يوم و مات غد |