وفاء القبور
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
إنّي أكرّم شعري في متارفه | كما تكرّم عند المؤمن السور |
هديّة الله فيها عطر جنّته | و الخمر و اللّعس النشوان و الحور |
و قد أحنّ إلى حسن يدلّلني | كما يحنّ إلى أندائه الزّهر |
و بلبل الدّوح ترضيه بأيكته | نعمى الجمال و يرضي غيره الثمر |
أريد حبّا كنار الحقّ ماتهبا | كمزبد الموج من شمّاء ينحدر |
نزر الهوى ليس يرضي جائعا شرها | إلى الصّبابة لا يبقي و لا يذر |
و العبقريّ و إن جلّت موهبه | طفل السّريرة لا حقد و لا حذر |
طفل فإن نال ضيم من كرامته | ما البحر يزأر . ما البركان ينفجر |
ذنوبه خفرات من براءته | أحلى الغواية ما يندى به الخفر |
و ما تمنّى خيالي أنّني ملك | فوق الملائك زهوا أنّني بشر |
أقيم ما شئت في عدن و أتركها | و أخلع الجسم أحيانا و أتّزر |
أطلّ و الشعر من عصماء باذخة | و في السّفوح غرور الحكم و البطر |
نحن النّسور و من نعمى جوانحنا | أنّا رأينا صغارا كلّ من كبروا |
و ربّ هجر سولء في مواجعه | أكباد من هجروا ظلما و من هجروا |
*** | |
أدعو قبور أحبّائي لتسمعني | و هل تجيب دعاء الثاكل الحفر |
قبر بضاحية الشهباء طاف به | فلملم الطيب من حصبائه السحر |
و استودعت حمص قبرا لو مررت به | لهشّ لي منه حبّ مترف عطر |
و لي قبور على الفيحاء غافية | زوّارها الطير و الأشواق و القمر |
ظمأى و يندى ثراها لوعة و هوى | إذا ألمّ بها من غربتي خبر |
تلك المصارع ردّ الموت نجدتها | عنّي فكاد الأديم السمح يعتذر |
طاح الزمان بإخواني و أوردهم | على الحتوف فلا عين و لا أثر |
أصبحت بعدهم حيران منفردا | و الريح معولة و اللّيل معتكر |
أحنو على كلّ قبر من قبورهم | أبكيه .. حتّى بكى من لوعتي الحجر |
قد عقّني الصحب حتّى لا أضيق به | إن عقّني الأقربان السمع و البصر |
ألوّن الخطب أضواء و غالية | و أبدع الفقر عزّا حين أفتقر |
و ما وفى لي ممّن كنت أوثرهم | إلاّ القبور و إلاّ الأيك و النّهر |