من كسعد ؟
مدة
قراءة القصيدة :
7 دقائق
.
سأل الصبح عن أخيه المفدّى | أيّها الصبح لن تشاهد سعدا |
غيّب الدّهر من سيوف نعدّ | مشرفيّا حمى وزان معدّا |
كلّما عارضوا الصّوارم فيه | كان امضى شبا و أصفى فرندا |
*** | |
حاسنوا غرّة الصباح بسعد | فعلمنا أيّ الصباحين أهدى |
طلعة تفرح العيون و تسبيها | و تغزو القلوب كبرا و مجدا |
و حديث كأنّه قطع الروض | تنوّعن أقحوانا و وردا .... |
بدعة الظرف و الأناقة يرضيك | دعابا عفا و يرضيك جدّا |
تنهل العين من بشاشة سعد | ريّها و العيون تروى و تصدى |
الحضارات في شمائل سعد | إذا سمته الهوان تبدّى |
مترف في رجولة و اعتداد | راع زيّا و راع وجها و قدّا |
زعم الخصم أنّه مستبد | حبّذا الحكم عادلا مستبدّا |
إنّ شرّ الأمور ظلم الجماهير | و أهون بالظلم إن كان فردا |
*** | |
من كسعد و للشباب هواه | قدرة تتعب الخيال و زهدا |
يا صفيّ الأحزان تسقي البرايا | كأسها مرّة و تسقيك شهدا |
رضيت نفسك الهموم رفيقا | اريحيّا على الشدائد جلدا |
بورك الهمّ عبقريّا جوادا | لا كهمّ أعطى قليلا و أكدى |
قل لمن يحسد العظيم ترفّق | إنّ خلف الأمجاد همّا و سهدا |
*** | |
من كسعد الملاحم جنّت | و تلقّى حدّ من الهول حدّا |
و على راية الشام كميّ | يقحم الدرعين أشقر نهدا |
هتكوا حرمة العرين فهاجوا | أسدا دامي البراثن وردا |
حشدوا جندهم و أقبل سعد | يحشد البأس و العقيدة جندا |
ضاحك الثغر و الضحى مكفهرّ | روّعوه قصفا و برقا و رعدا |
و التقينا لا و إيمان سعد | ما تحدّوا بالموت إلاّ تحدّى |
ضرب الظلم ضربة رنّحته | فتداعى مزمجرا فتردّى |
زعموا أنّه جلاء و ما كان | جلاء بل كان خزيا و طردا |
ما على العبد أن يسوّد عار | بدعة العار أن ترى الحرّ عبدا |
*** | |
من كسعد و للنديّ احتدام | جمرة الحرب عنفوانا و وقدا |
حمم كالجحيم مستعرات | ردّها حلمه سلاما و بردا |
ما حملت الجراح داء ملحّا | بل حملت الجراح غدرا و صدّا |
حزّ في قلبك الوفيّ صديق | صار في الندوة الخصيم الألدّا |
*** | |
من يهزّ النديّ بعدك بالخطبة | عصماء تحشد البأس حشدا |
ملهم حاضر البديهة تغريه | بأحلى ممّا اصطفى و أعدّا |
مترف الفكر و البيان غنيّ | بالآلي يصوغ عقدا فعقدا |
يجمع الحقّ و البيان على الخصم | فلمّا تملّك الأمر شدّا |
يطعن الطّعنة العفيفة لا | تدمي و لكنّه أباد و أردى |
*** | |
برّأ الله قلب سعد من الحقد | وفاء للكبرياء و حمدا |
خدع الحقد أهله فهو ذلّ | نكّروا وجهه و سمّوه حقدا |
و بنات الصدور يتعبها الذ | لّ خفاء عن العيون و وأدا |
و القويّ النبيل يحنو على الدنيا | و يسمو بها وفاء و ودّا |
حنّت الغوطة الرؤوم لسعد | و رواح له عليها و مغدى |
طالما باكر الرياحين فيها | و سقاها الندى حنينا و وجدا |
و شكى همّه فيا لك شكوى | نوّرت في الرّبى أقاحا و رندا |
قال لي و الرّبيع غاف على الزّهر | يذيع الأحلام عطرا و ندّا |
و الغروب النديّان في الغوطة المعطار | يحنو على الظلال فتندى |
و قطيع من الشياه و رعيان | و أغنّية ترقّ فتردى |
ما أحبّ الحياة في غوطة الشام | و أفجع الموت هجرا و فقدا |
أيّ ورد للحسن تشتفّه عيني | و يبقى بقدرة الله وردا .. |
هل رأت هذه الخمائل فبلي | من رآها عينا و ثغرا و خدّا |
هي عندي شمائل و عطور | و قلوب تهوى و دلّ يفدّى |
أعشق الحسن دوحة و غديرا | و بيانا سمحا و فجرا مندّى |
*** | |
ما رأى السقم قبل سعد حنانا | و حياء من السّقام و رفدا |
كبقايا السيف اطمأنّت إلى الجفن | و راحت تبلى الهويني و تصدا |
روعة الشمس في الغروب و لا أعشق | للشمس عنفوانا و رأدا |
*** | |
رنّح الشعر و الكريم طروب | ذكر سعد لا يبعد الله سعدا |
و حدونا به المعاني فحنّت | حنّة العيس بالأغاريد تحدى |
ما لسعد في الموت يزداد قربا | من فؤادي ما ازداد هجرا و بعدا |
و إذا رفّ طيفه في خيالي | رفّ ريحانة من الله تهدى |
أنت في خاطري و عيني و قلبي | و على الهجر لا أرى منك بدّا |
صور لو ينال من حسنها النّور | لكانت بنور عينيّ تفدى |
و أصون الطيوف بين جفوني | لو تطيق الجفون للطّيف ردّا |
و أنا الصاحب الوفيّ فما خنت | حبيبا و لا تناسيت عهدا |
لم يرعك الزّمان في حالتيه | و تحدّيته و عيدا و وعدل |
ما وفيناك بعض حقّك فاعذر | إنّ عذر الكريم أسمى و أجدى |
إنّ دين العظيم في كلّ شعب | لا يوفّى و حقّه لا يؤدّى ... |
شغل الناس بالعظيم و أرضوا | نزوات النفوس هدما و نقدا |
حسدوه على المزايا فكان الـ | موت بين الأهواء و الحقّ حدّا |
إنّ من ينكرونه و هو حيّ | ربّما ألهوه رمزا و لحدا |
*** | |
عيّروا بالمشيب إخواني الصيد | سفاها و هل عن الشيب معدى |
أيّ لوم على الكهول و خاضوا | غمرات العلى شبولا و أسدا |
ما لأبنائنا تجنّوا علينا | و غفرنا ما كان سهوا و عمدا |
أنكرونا على المشيب كأنّا | لم نكن قبلهم غرانيق مردا |
حاسبونا على هنات المعالي | ثمّ غالوا بها حسابا و عدّا |
نحن روّادكم طلعنا الثنايا | و زحمنا الصعاب غورا و نجدا |
و بنينا لكم و نعلم أنّا | لن نملّى به بقاء و خلدا |
أيّها النازل المقيم تعهّد | بالرضى و الحنان ركبا مجدّا |
*** | |
قل لشكري العظيم أشرقت في | السدّة يمنا و كبرياء و رشدا |
يا أبا الدّولة الفتيّة تبنيها | و يلقى الباني عناء و جهدا |
إن حضنت استقلالها و هو في | المهد فما اختار غير نعماك مهدا |
لا تخف عثرة عليه و وهنا | بلغ الطفل في حماك الأشدّا |
يا وريث الشموس من عبد شمس | ملكوا العالمين روما و هندا |
بفتوح هنّ الملوك من العزّ | و بعض الفتوح غرثى عبدّى |
أسلم القدس من يحجّ إلى القدس | و يتلو الإنجيل وردا فوردا |
إن يناموا عنها نبّه الثأر | على الغوطتين أروع نجدا |
مدن القدس كالعذارى سبوها | و أرادوا لكلّ عذراء وغدا |
كالسّبايا لطمن خدّا و مزّقن | شفوف الحرير بردا فبردا |
ضجّ سوق الرقيق في ندوة القوم | و نخّاسه طغى و استبدّا |
يعرضون الشعوب عرض الجواري | عرّيت للعيون نحرا و نهدا |
غيرة الله ! أين قومي و عهدي | بهم ينهدون للشرّ نهدا |
نعشق القدّ للعوالي و أحببنا | لهنديّة الصوارم هندا |
و دفنّا الكنوز يوم دفنّا | في ثراها الآباء جدّا فجدّا |
رضي الله عن أخ لك كالسيف | المحلّى يروع نضلا و غمدا |
أين سعد ؟ و لا ألوم اللّيالي | و هب الدّهر غاليا و استردّا |
أيّ بدع إذا بكيت لسعد | إن بكى السيف حدّه ما تعدّى |
لو رأى هذه الدّموع الغوالي | لبكى رحمة وحيّا و فدّى |
غاب سعد عن العيون و ما | غاب ضياء يهدي القلوب فتهدى |
ثورة في الحياة و الموت جلّت | ثورة الحقّ أن تقرّ و تهدأ |