الحسن .. والشاعر
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
رُبَّ حُسْنٍ راعَنا ثم اسْتَوى | غَدَقاً نَنْهَلُ منه ما نَشاءْ! |
وإذا الحُسْنُ بدا مُقْتَرِساً | فَسَيحْني رَاْسَهُ للشُّرفاءْ! |
ذلك الحُسْنُ الذي يَرْنوا إلى | نَجْدةِ الفَنِّ.. حُنُوَاً.. وعطاءْ..! |
وهو يَحْبوه. وَيدْرِي أَنَّه | سوف يَجْزِيهِ خلوداً وإعلاء! |
*** | |
أيُّها الحُسْنُ لقد أَثْملَتْني | من يَفاعي. فأنا العاني الأَسيرْ! |
وأنا الضَّارعُ. إن كرَّمْتَني | ما أُبالِي كيف ما كانَ المَصِيرْ! |
فإذا ما رُمْتَني مُسْتَعْبَداً.. | عُفْتُ مَغْناكَ. وآثَرْتُ المَسِيرْ! |
فأنا المُعْطِيكَ حُسْناً وسَناً | وأنا الكاسيكَ تِبْراً وحَريرْ! |
*** | |
سوف يَبْكي الحُسْنُ. لو طال المَدَى | وسيَبْقى الفَنُّ يَلْهو بالسِّنينْ! |
يَتَحدَّاها .. فما تَلْوي به | فهو في حُصْنٍ مِن الدَّهْرِ حَصِينْ! |
وهو يَحْمي الحُسْنَ في ذُرْوَتِهِ | حينما يَهْوي إلى السَّفْح الحَزينْ! |
كانَ يَحْبوهُ فما ضَيَّعَهُ.. | بل حَباهُ الخُلْدَ في السِّفْرِ الأَمِينْ! |
*** | |
فإذا بالنَّاسِ لا يَنْسُونَه | حينما كان شِعاعاً ونَدى! |
كيف يَنْسَوْنَ الذي كان شّذىً | والذي كانَ عفافاً وهًدى؟! |
فهو كالبلسم يَشفِي مُهَجاً | شّفَّها البُؤْسُ. فكان الرَّغَدا! |
واسْتَوى ما بَيْنَهم يُرْضى الهوى | راشداً عَذْباً فما أَحْلى الصَّدى! |
*** | |
ولقد جَرَّبْتُ من أَطْهارِهِ | ولقد جَرَّبْتُ من أَقْذارِهِ! |
فّذا الحُسْنُ وَضِيءٌ في الذُّرى | تَسْتَشِفُّ الرُّوحُ من أَسْرارهِ! |
ليس يَطْوِي قَلْبَه إلاَّ على | عِفَّةٍ تُقْصيهِ عن أّوْزارِهِ! |
فهو لا يَخْشى الورى أَنْ يَهْتِكوا | بِشَتِيتِ القَوْلِ عن أَسْتارهِ! |
*** | |
ما الذي يَخْشاهُ مِمَا اخْتَلَقوا | وهو حُسْنٌ زانَه عَذْبُ الرُّواءْ؟! |
يَزْدَهي بالطُّهْرِ لا يَخْدِشُهُ | بَصَرٌ عَفٌ. شَغُوفٌ بالنَّقاءْ! |
شّدَّ ما أَلْهَمني حُلْوَ الرُّؤى | فَتَغَنَّيْتُ بما يَرْوي الظِّماءْ! |
وتَطَلَّعْتُ فأَفْضَيْتُ إلى | كَنَفٍ عالٍ بأَجْوازِ الفَضاءْ! |
*** | |
حاورَتْني فيه أَمْلاكٌ سَمَتْ | وتَلاقَيْنَا.. فَنَحْنُ الخُلَصاءْ! |
ههُنا الشِّعْرُ عَرِيقٌ سَيِّدٌ | وهنا الفِتْنَةُ جَنْبَ الشُّعراءْ! |
فِتْنَةٌ تَهْدي. وشِعْرٌ رائِعٌ | بِمَعانيهِ. تَجِيٌّ للسَّماءْ! |
يا لها من أُلْفَةٍ مَحْبُورَةٍ.. | ليس فيها غَيْرُ مَنْحٍ وعَطاءْ! |
*** | |
عِشْتُ لا أَمْلِكُ إلاَّ قَلَماً | ذَا مِدادٍ من دمٍ مُحْتَدِمِ! |
وسَطَوراً سُطِّرَتْ مِن أَلَمِ | يَدْفَعُ الرُّوحَ لأَعْلا القِمَم! |
وشُوراً لم يَزلْ مَضْطَرِماً | مِن يَفاعي.. راضِياً بالضَّرَمِ! |
ولقد أَزْهُوا بِفِكْرٍ شامِخٍ | مُسْتَنِيرٍ.. كاشِفٍ لِلظُّلَمِ! |
*** | |
حِينَما يَزْهُو الورى إلاَّ الأُلى | عَشِقوا المَجْد بِطرْسٍ ويَراعْ! |
فَهمُوا الصَّفْوَةُ لا تَرضى سِوى | بِمَتاعٍ ليس يُشَرى ويُباعْ! |
فهو مَجْدٌ وحُطامٌ خالِدٌ | ليس يُغْنِيهِ ولا يُبْلى الضَّياعْ! |
وأرى الدُّنْيا بِعَيْنَيْ شاعِرٍ | من سباعٍ ضارِياتٍ.. وضِباعْ! |
لَسْتُ من هذَيْنِ. لكِنْ طامِعٌ | أَنْ أَرى في الحَلَكِ الرَّاجي شُعاعْ! |
فَيُريني الدَّرْبَ سَمْتاً لاحِباً | أَستَوى فيه مع الحقِّ. الشُّجاعْ! |
أنا لا أَطْمَعُ إلاَّ في العُلاَ | لم يَشُبْها مِن هَوى النَّفْسِ اتِّضاع! |
فأنا المُسْفِرُ لا يَحْجُبَني | كأُولي السُّوءِ. عن العَيْنِ قِناعْ! |
*** | |
إٍيهِ. يا تَوْأَمَ رُوحي إنَّني | في سِبيلِ الحَقِّ لا أَخْشى الصِّراعْ! |
أَلهميني. إنّّ إلْهامَكِ لي | هو زّادِي. وهو لي نِعْمَ المتاعْ! |
أَنْتِ رَوْضٌ وأنا الغَيْمَةُ في | ذُرْوَةِ الجَوِّ.. حُنُوّاً. والْتِياعْ! |
نَوِّلِيني لأُجازِيكِ هَوىً.. | لا يُدانيهِ هَوىً.. قبل الوداع! |