اِسأليني..
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
اسْأَلِيني ما الذي يَجْعَلُني | شَبَحاً حتى أرى الخَلْقَ هَباءَ؟! |
واسْأَلِيني عن دَواعِي عُزْلَتي | أَفكانَتْ جَفْوَةً أم خُيَلاءَ؟! |
وإذا أثَرْتِ أنْ لا تَسْأَلي | فَدَعيني أُوثِرُ الدَّاءَ العَياءَ! |
أنا وَحْدي في اعْتِزالي ذائِقٌ | لَذَّةَ الروح ابْتِعاداً واجْتِواءَ! |
* * * | |
واسأليني ما الذي يُسْعِدُني | وأنا أُبْصِرُ حَوْلي السُّعداءَ؟! |
إنَّني أُبْصِرُهم في نَشْوَةٍ | فَأَرى فيهم أمانِيَّ الوِضاءَ! |
تلك كانتْ في شَبابي وانْمَحَتْ | وتَبَدَّلْتُ الأسى والبُرَحاءَ! |
ثم عادتْ وَمْضَةً باسِمَةً | في مُحَيَّاهُم.. فَكانَتْ لي عَزاءَ! |
* * * | |
تُسْعِدُ القَلْبَ الشَّجِيَّ المُسْتَوى | في دَياجِيهِ. نُجُومٌ مُشْرِقاتْ! |
رُبَّما لا يُبْصِرُ الدَّرْبَ بها | فهو أَدْجى. أَوْ هو الحَظُّ المَواتْ؟! |
هو في دُنْياهُ ما يَرْجُو سِوى | أَنْ يَرى العالَمَ مَوْفُورَ الهِباتْ! |
ولقد يَرْضى لهم مائِدَةً.. | مُشْتَهاةً. وهو يَرْضى بالفُتاتْ! |
* * * | |
هكذا عِشْتُ غَنِيّاً بالرُّؤى | بالشَّذا تَشْفِي. وتروي بالفُراتْ! |
وفَقيراً ما يُبالي باللُّهى | فهي قد تَسْلِبُهُ حُلْوَ السُّباتْ! |
ولقد أَشْعُرُ أنِّي طَرِبٌ | في دُرُوبٍ مُدْلَهِمَّاتِ السِّماتْ! |
ولقد أشْدو بِصَمْتٍ مُطْبِقٍ | تَتَمنَّاهُ.. فما تَحْظى –اللُّغاتْ! |
* * * | |
واسْأَلِيني ما الذي يُكْرِبُني؟! | ما الذي يَدْفَعُني لِلإِنْزِواءْ؟! |
رَغْمَ أَنِّي بانزوائي قِلِقٌ | دَنِفٌ يهفو لإِخْوانِ الصَّفاءْ! |
أَيْنَهُم؟! إنِّي إِلَيْهِمْ تائِقٌ | أَيْنَهم؟! هل هُمْ كَمِثْلي غُرَباءْ؟! |
لا تَلاقي بَيْنَنا إنَّ الوَرى | فَرَّقُوا ما بَيْنَنا خَوْفَ اللِّقاءْ! |
والورى فيه صَباً.. فيه دَبُورْ | فيه عَقْلٌ مُبْصِرٌ. فيه عَماءْ! |
فيه رَوْضٌ يانِعٌ. فيه يَبِيسْ | بَلْقَعٌ لَيْسَ به نَبْتٌ وماءْ! |
طالَما أظْمَأَني.. لكِنَّنِي.. | سِرْتُ فيه بين أشْتاتِ الظِّماءْ! |
لم أَجِدْ فيه سِوى ما راعَني | مِثْلَ ما راع رَعيلَ الحُكماءْ! |
* * * | |
واسأَلِيني ما الذي يَبْهَرُني؟! | ما الذي يَمْنَحُني حُلْوَ المتَاعْ؟! |
ما الذي يُؤنِسُني في وَحْشةٍ | لَم تَجِدْ في لَيْلِها الدَّاجي شُعاعْ؟! |
وأعْجَبي مِنِّي.. فما يؤنِسُني | غَيْرُ أَنْ تَحْلُوَ في الخَلْقِ الطِّباعْ؟! |
فلقد أَلْقى رِعاعاً في سَراةٍ | ولقد أَلْقى سَراةً في رِعاعْ! |
* * * | |
واسْأَليني. ما الذي يُرْهِقُني | فإِذا مُثْخَناً دُونَ صِراعْ؟! |
وإذا بي الشِّلْوَ يَدْمي حَمَلاً | خائفا ما بَيْنَ أنْيابِ السِّباعْ! |
وأنا الأَعْزَلُ لا سَيْفَ له | يَدْفَعُ الظُّلْمَ.. ولا رأْي مطاع! |
لَتَمَنَّيْتُ. وما تُجْدِي المُنى | أَنَّني كُنْتُ طَعاماً لِلْجِياعْ! |
* * * | |
واسألِيني. ما الذي يُلْهِمُني | ما الذي يُلْهِبُ فِكْري وشُعوري؟! |
ما الذي يَمْلَؤُنِي مِن غِبْطَةٍ | وأنا المَحْزونُ يَطْويني ثُبُوري؟! |
وأنا الآمِلُ في اللُّبِّ وقد | تَغْلِبُ اللُّبَّ وتَطْوِيهِ قُشُوري! |
وأنا المُلْتاعُ في أَمْسائِهِ | حالكاتٍ تَشْتَهي نُورَ البُدورِ! |
ما الذي يُلْهِمُني يا ماضِياً | حافِلاً بالحُسْنِ يُشْقي.. والغُرورِ؟! |
ما الذي يُلْهِمُني يا حاضِراً | لم يَعُدْ عِنْدي سوى ذِكْرى حَرُورِ! |
إنَّه ذِكْراكِ.. ذِكْرى أَلَمٍ | حارِقٍ كالجَمْر ما بَيْنَ الصُّدُورِ! |
إنَّه أَنْتِ. وقد عادَ غَدي | مُلْهَماً يَبْكي على أَمْسي الحَصُورِ! |
فاسْأَلِيني.. لا فما أُصْغِي إلى | فِتْنَةٍ عادت رفاتا في القُبُورِ! |