فى ذلك الركن القريب |
من الحديقـــة |
أزدهى بفراغ قلبى من همومٍ |
لحظتين ، فأنتشى ، |
وأصب شاياً ، أحتسى ، |
نعناعة البرى مختلطاً |
وأصنع من قصاصات الجرائد |
مركباً ، ألقى به فى جدول |
يمضى إلى غاياته . |
وأقيم من صلصال طفلى |
مدفعاً |
أصطاد عصفور الحنين |
ولا حنين يحط ، |
أو يستاف زهراً نائماً |
فأنــــا الحنين |
أنا المدجج بانكسار الحلم |
فى وضح الدمار |
أنا المزود بالسكينة والهدوء |
وسوء تقدير الشعور |
أنا البنفسج إذ يفضُ |
بكارة النسمات بالعبق الضرير |
وإذ ينــوء بخوفه ، |
وبطيف أهداب الحرير .. |
أنا السمندل حين أحرق ريشه |
ومضى إلى مرج النهاية |
يحتفى بالموت فى خطراته |
وأنا الحمام يبيض |
فى شجر الغيوم ، |
ولا غيوم سوى السراب اللانهائى |
الفســيحِ |
أنا الجريـحُ |
ولا مراهم ترتجـى |
فى عطلة الأحد ، الصيادلة |
استكانواللنعاس |
نسوا تعاليم المسيحِ |
مشوا على ورد الجراحِ |
وأنا الجـراح المثخنات |
بعشق خنجرها المتاح |
وأنا الصباح ، إذا أطلَّ |
وملَّ من بوح البلابل |
والعنادل والفواخت |
وارتباكات الصغيرات الأرامل |
من هدير أنوثةٍ وئدت سريعاً |
فارتخين على الأرائك ، يستعدن |
مواسم الأفــراح |
فى غرف الحنين الغض |
والهمس المباحِ .. |
كـــلا .. |
وهل خمسون عاماً |
من نضال الخوف |
تكفـــى ، |
كى أقيم حضارةً |
لمواسم الصبوات ؟ |
هل تكفى لأصنع موكباً للورد ؟ |
أحصى فى خسارات الفؤاد |
خســــارةً |
وخســـارتين |
وأكتـــوى .... ، |
من أيقظ الفوضى ، |
بطابور الصباح المدرسى |
ومن دعى قلبى ، لأهجر حصة الكيمياء |
أعدو للفناء ، وللحديقة |
متخماً بطراوة الألوان |
أرســـم ما يعــن لريشتى |
أمضى إلى تلك المجلات القديمة |
بالمقص ، أقص وجه جميلة شقراء |
ألصقه على صدر المحارب |
كى يدندن غنوة ، يرتاح من |
باروده ، وأقص ذئباً حافى القلبين ، |
يبكى جوعه اليومى |
أدخله إلى بيت الخراف |
أقص حلماً ناعساً ، يهمى على |
أهداب زينبَ فى فصول الطالبات |
أحــن ، أهــذى |
ليت للبراق عيناً ، يا رفيق الحزن |
حين أتتك زينب تصطفى شعراً |
وتكتبه على قلق ، وتلقى |
بالســعير |
على مدارج همسها الملكى |
فى سمر الضحى |
عمتم صباحاً يا رفاق |
وكنت أعرف أنــها |
تعنى صباحى ... |
رد الرفاق ، وهل أجبت |
وهل وقفت على مداخل شارع |
يبتل فى ماء الغسيل الرخو |
مبتلاً بمــاء الحزن |
أرقب خطوها المسروق |
من خطو الأقاحى ... !! |
ماذا ألــمَّ |
بطلقة التفاح |
هل نــامت ؟ |
وهل غفـلت ؟ عن الجرس الطويل |
يـــدق ، |
يشعل صبحها على دمنا طيوراً |
كــى تلوح |
بالمناقير الصغيرة ، والجناحِ |
........................... ... |
ومضــيت |
فى ليل اغترابى |
بعض أعوام ، أُسَرِّب حزن |
أيام طوال بين أروقة الدراسة |
والمحاضرة الأليفة والمخيفة |
والمملة والمخــلة والحنين |
إلى الورود الطالعات |
بخد ليلى العامرية |
والعيون الشاسعات بكحلهن |
القادمات من الصحارى ، والبعيد |
إلى المدرج ... |
حين أعطتك المواعيد الشهيةَ |
أسلمتك إلى الحنان البكر |
والطهر البتول |
وطالعت ، قرأت |
شواغلك الخفية فى القصائد |
فى حقول الدرس ، فى برد المعامل |
فى المناحل فى خلايا النحل |
فى الشهد النقى ، ودرس أمراض النبات |
وحزن أمراض الفؤاد |
إذا ازدهى بجنونه |
وبكت فأشعلت اشتعالك |
زخرفت أحلامك البيضاء |
فى مقهى الحديبية القديم |
وفوق أعمدة الإنارة |
فى إشارات المرور ، وفى الشوارع |
فى البنايات الحديثة |
فى القصور المتحفية |
فى المدى |
فى مقصف الكلية الصيفى |
فى قصر الثقافة ، فى المشاتل |
عند مبنى الطالبات |
وعند أكشاك الحراسة |
عند أرتال الجنود الواقفين المترعين |
بخوفهم من غضبة الطلاب فى |
يوم التظاهر ، فى مجلات الحوائط |
فى النشــيد ، |
وفى .. ، وفى .. |
وهفت إليك ، ترج حزنك مرة |
لتبوح بالشعر الخفى على جوى |
سنوات خوفك ، ترتقيه ، تضمه |
كيما تعلقه على |
أستار شرفتها البعيدة |
فى الرمال البيض |
قالت فى نهايات النهاية |
عد إلى أقمار قريتك |
النحيلة |
مثقلا بحنان أغنيتى |
وعطر الشوق فى قلبى المدلَّه |
وازدهار مواسمى |
وأعود وحدى |
صوب ظلم الأهل ، فى بيت البداوة |
يصطفينى فارس ، يشـتاق |
يمنحنى الصحارى ، ثم أمنحه |
فتــــىً |
عيناه فى لون امتداد الحزن |
فى عينيك ، ياوجع البلابل |
أيها المفتون بالحجر الكريم |
وباللآلئ |
فى مكامنها الدفيئة |
بالزمرد ، فوق صدر الفاتنات الغيد |
إن أغوتك غيدُ |
فأغمز جراحك .. عضها |
قد مركبات الخوف |
نحو مسارها العدمى |
ما جاء البعيدُ ... |
خمسون عاماً |
يا صديق الشعر |
والشعر الشراب المُر |
فاكهة الحرام ، حرام فاكهة الحلال |
وما تهــدج |
من مواويل السواقى |
وابتهاج الليل بالديك الذى |
ظن الضياء بليلة البدر ابتداء الفجر |
فاقترح الصلاة |
وقــام |
يتبعه المريدُ .. |
ومواكب العشاق |
إذ يتقاطرون وهم |
يؤدون التحية للذى |
لم يبتدئ بسلامهِ |
أو يتعظ بسلافةٍ |
ُسكبت على ريق الفلاة |
فأســكرتها |
وانتشــت |
وترنمت بنشيدها الفياض |
فارتعش النشيدُ ... !! |
فترنمــى |
يا أمنا الصحراء |
وابتكرى المجاز العذب |
واصطنعى الخرافة والمحال |
ووجه ليلـــى |
للذى ما عاد يذكر |
غير ليلــى |
فى ليالى الجمر |
حين يسهد الأرواح |
فى دورانــها |
تعب عتيـدُ |
والشعر أطـول |
من نخيل جامح ، إن ناطح |
الغيم العجول الثرَّ |
أقصر |
من قوام الخـس ، |
أطرى من ندى ورقاتهِ |
الخضراء ، أصعب من كثير |
الصعب ، أسهل من دماء |
ضحية سقطت على رمل |
ومادت ، لم تبح بالســر |
لم تفصـح |
ولم يصدح عديدُ .. !! |
فهل تــرى |
تكفيك يا ولد البنفسج |
قى قــرى الآلام |
خمسون ارتعاشة طائر |
خمسون من زهــر |
ومن ورد البكاء |
فما الذى أعطاه شعرك |
غير دمعك |
غير ضغط الــدَّمِّ |
والألم المعربد فى ضلوعك |
وازدهار السُكَّرىّ النهم |
فى حمى دمـائك ، |
هل بنيت بنايـة |
ممشوقة الأركان ، والبنيــان |
هل زركشت قامتها |
أقمت على مداخلها |
تماثيل الرخام الحر |
أطلقت النوافير الملونة |
الجميــلة |
تصدح الأطيار |
حول حياضها .. ، |
وجلبت حارسها |
ليعطيك التحية .. ، |
هل أعدت غزالة الصحراء |
ليلـــى |
من خيام قبيلة ،لقصور عشقك |
هل ركضت وراء روعتها |
لتمنحها انتماءك |
هل ضحكتَ |
وقلتَ لا للدمع ، يا عبد الحليمِ. |
وهل اصطفوا نزرا قليلا |
من قصائدك الكثيرة فى |
قواميس الشوامخ |
هل بكت تلك المذيعة فى برامجها |
وقالت قل كثيراً من قصائد عشق |
ليلــى ... ، |
هل اتتك رسائل العشاق تترى |
فى بريد الريح ، فى يوم الخميس |
ليلى كى تقص وهل تجئ إليك |
عليك قصة هودج كسروه فى |
ليل الزفاف واطعموها للهجير .. |
........... وهل ترى .. |
خمسون عاما ً |
يا ابن نخلات عجافٍ |
أمطرت |
أغرابها الأحباب بالبلح الطروب |
واطلقت سربا من "الصيص "العقيم |
على خطـاك |
لكى يضللك الجريدُ |
لاوقت للافراحِ |
فى دمك السخى .. |
وتاه عن دمك الوريدُ |
فلم انتظــارك |
كل هذا الليل ؟ |
لا ليلى الغزالة |
سوف تأتــى |
لا ولن تهمى |
على إطلالة الرمان |
ُ فى فمهــا ورود .. |
أترى تريد الآن ما كانت |
غزالتك البهية |
فى هوادجها تريد ؟ |
.. ها بعد عشرٍ |
سوف تدخل فى ثياب فجيعة الستين |
تجلس بين أحفادٍ صغارٍ |
يطلقون عليك دهشتهم ، |
إذا ما قلت شعراًَ عاصفاّ فى البنت |
حين أتت وأطلقت الكوابيس |
الخبيئة فى نعاسك |
هزهزت وتر الخريف |
بلمسةٍ عذراء منها |
فاحتــرسْ |
مازلت تهفو للبنات الحور |
يا جد الوشايات العتية |
ما تزال خطاك تركض |
خلف تقع هديل فاتنة |
وتطلق من لواعجك الخفية |
ما احـتبسْ |
يا أيها الأحباب ، |
من دق الجرس |
من أشعل الصبوات ثانية |
ومن قاد الفؤاد ، |
الى غوايته ، فغَنَى |
وانغمسْ ... |
فى بحر دمعته التى جاءت |
لتصلحَ ما فَسَدْ |
لملم جراحك واتئد |
ما طار طير واجتهد |
إلا كما طار ابتعد |
ومضى بعيداً |
فى البــدد |
ها أنت فى الركن البعيد |
من الحديقة |
تحتسى شايا |
وشايك جف فى قاع الإناء.. ، |
مراكب الورق المسافرة الوديعة |
لم تعد بالزنجبيل |
ولا بمِسكٍ من بلاد الخيزران |
ولا الزنابق أينعت فوق الجدار |
مدافع الصلصال لم تصطد |
عصافير الحنين ، |
ولا الغزالة فى مرابعها البعيدة ، |
تذكر الأحلام |
لم تنجب فتىً |
وعيونه |
فى لون عينك اللتين ... |
وليس فى مقدور قلبك |
ِ" غير أن" يُصغى |
لصوت مآذن الإشراق |
يسألها الدعاء |
لكى يصلى ركعتين |
ويرتوى بسكونهِ |
ويعيد درويشا قديما |
فى دواخله الندية بالصفاء |
يعيــد |
ورد البارحه .. |
الفاتحـة .. |
********************************************** |
هــوامش : * |
زينب زميلة الدراسة الثانوية |
.وليلى العامرية فتاة جاءت من صحراء مصر لتدرس فى كليةالزراعةفى السبعينات من القرن الماضى |
. المناحل ، وأمراض النبات ** - من صميم الدراسة فى كلية الزراعة التى تخرجت فيها |
مقهى الحديبية ** - مقهى قديم فى مدينة أسيوط كان اسمه مقهى الخواجه |
جلسنا عليه وعقدنا صلحا بين أصدقاء فأسميناه بهذا الاسم وصار معروفاَ به بعد ذلك . |