عبيد العبيد
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
بأي عذر ٍ إلى التاريخ نعتذرُ | ممّا أساءت له سَوْءاتُنا الكُبَرُ |
أزرى بنا حين خاطرنا بذمتنا | فاجتاحنا ضارباً ناقوسه الخطَرُ |
جواً .. وبحراً .. وبراً ، في مصائرنا | تحكَّم النسرُ .. والتمساحُ .. والنمِرُ |
و نازعتنا الجهاتُ الستُّ وجهتنا | الفوقُ والتحتُ ثم الأربَعُ الأ ُخَرُ |
في كمب دافيد إجرامٌ أعِدَّ ، وفي | أوسلو اجتماعٌ ، وفي مدريد مؤتمرُ |
و زُعزعت ثَمَّ أعلامٌ و أشرعةٌ | من السفينة ، والألواح والدسُرُ |
والريح قاصفةٌ .. والشمس كاسفةٌ | والبدر منخسفٌ .. والنجم منكدرُ |
وعُطلت طرق الإحساس في دمنا | الذوقُ والشمُّ والأسماعُ والبصَرُ |
عشرون واثنان ، شالت من بيارقها | ثلاثةٌ ، وأطيحَ التسعةُ العَشَرُ |
فلا قريشٌ ، ولا بكرٌ ، ولا جُشَمٌ | و لا تميمٌ ، ولا قيسٌ ، ولا مضرُ ! |
ممالكٌ ما أقيمت حولها جُدُرٌ | لكنها قد أقيمت بينها جُدُرُ |
برقُ الصواعق ، رعدُ الطائراتِ ، إلى | غيم الحرائق،شاموا الغيثَ وانتظَروا |
فبال بوشٌ على آنافهم كرَماً | فأعلَنوا الشكر ، ظنّاً أنهم مُطِروا |
لم يبق من ديننا ، أو من عروبتنا | إلاّ الدعايةُ ، والأسماءُ ، والصُوَرُ |
و جملةٌ من شعاراتٍ نرددها | يكاد من ثقلها التاريخُ ينأطرُ |
ما نحن إلا صغارٌ في حقيقتنا | و بالقياس إلينا يكبرُ الصِّغَرُ |
عوراتُنا كلها للعين ظاهرةٌ | أمّا الضمير لدينا فهو مستترُ |
محرمٌ في لُهانا ، والرؤوسُ عَثا | فيها جُمادى ، وفي أجوافِنا صَفَرُ |
واستحكم الذل واستشرى الهوانُ بنا | حتى قبلنا بما لا تقبلُ الحُمُرُ |
نُهيبُ بالحظ يستبقي بقيتنا | و الحظ ليس له دخلٌ ، بل القدَرُ |
لمّا اقتفينا هداةً ضل سعيُهمُ | ساروا بنا كيف شاءوا، لا كما أ ُمِروا |
قال اذهبوا (حيث ألقَتْ) إنكم بشرٌ | على المجاز ، وإلا لستمُ البشَرُ !! |
*** *** | |
من أي بقعةِ رمل ٍ عُربُنا خُلقوا | من أي طينةِ أرض ٍ سَبْخةٍ فُطِروا |
الناسُ حَطّت على المريخ صاعدةً | و نحن في هُوّةٍ عمياءَ ننحدرُ |
و الناسُ وحَّدها بغيٌ ، و واحدُنا | في ذاته اثنين مقسومٌ ومنشطرُ |
غاباتُ ناس ٍ تهابُ العينُ كثرتَها | كأنها الشوكُ ، لا ظلٌّ و لا ثمرُ |
نام الزمانُ وهم يقظى لآونةٍ | حتى إذِاستيقظت أعداؤهم شخَروا |
و البعضُ قبل قيام المحنةِ انبطحوا | و البعضُ قبل اشتعال الفتنةِ انصهروا |
و البعضُ قد أسلموا للغرب صانعِهِم | و بالعروبةِ و الإسلام قد كفروا |
و هم بأسمى معاني القتل ماقُتلوا | لكن بأوطا معاني الأسر هم أ ُسروا |
يا قدسُ لا تَرْجُ منا نجدةً أبداً | و لا يَغُرَّنْكَ أنّا معشرٌ كُثُرُ |
ناموسُنا عاد كالناموس ِ ،إن عَصَفتْ | ريحٌ ، يغيبُ ، فلا عينٌ و لا أثَرُ |
و يا عراقُ أغِثنا أنتَ ، مُتْ عَجِلاً | ليغتذي بك هذا الدود والحشَرُ |
ثلاثمائةِ مليونٍ تضيقُ بهم | بقيةُ الوطن المنهوب لو قُبِروا |
نبيع عشرين مليوناً ، يعيشُ بهم | عشرون لصاً ، ليقتاتوا ويتّجروا |
لا ديننا ، لا غنانا ، لا عروبتُنا | لا جذرُنا الحر ، لا تاريخُنا العطرُ |
أضفت على قُبحنا من حسنها طرَفاً | بل ليس يظهر منها عندنا أثرُ |
و كلنا أمراءٌ ، لامناص لنا | من العبيد سوى تنفيذ ما أمروا |
و كلنا عظماءٌ ، لا نُطيقُ لها | رَدّاً إذا نَهبَتْ أقواتَنا الهِرَرُ |
و كلنا حُكماءٌ ، لا يُقاسُ بنا | إلاّ هَبنَّقَةُ القيسيُّ و النفَرُ |
و كلنا علماءٌ ، من جَهالتِنا | يَهمي البلاءُ علينا مثلما المطرُ |
و كلنا أدباءٌ ، من ثقافتنا | تُشوّهُ القيمُ العُليا و تندثرُ |
و كلنا شُعراءٌ ، من حَماسَتنا | تَحمى الأسِرّةُ حتى تَقدح السُّرَرُ |
... ... ... | |
الثأرُ يُلغى إذا ثارت غرائزُنا | و الوتْرُ يُمحى إذا ما دندنَ الوتَرُ |
قد تخطر القدسُ في أذهان قادتنا | فلا يكونُ لها وزنٌ ، ولا خَطَرُ |
و لا تُؤثِّرُ في وجدانهم أبَداً | إلاّ ( العيون التي في طرفها حَوَرُ )! |
بنى لنا أوّلونا المجدَ شاهقةً | عِمادُه ، و علينا هَدمُ ما عَمَروا |
هل سائل ٍ نفسَهُ بالجدِّ أو فَرَضاً | ماذا نقول لهم لو أنهم نُشِروا ؟ |
*** *** | |
يا أمّةً في ظلام الليل قابعةً | و إن في رَجَوَيْها الشمسُ والقمرُ |
ضيّعتِ حزمكِ مذ ضيّعتِ طائعةً | وصيةً كان قد أوصى بها عُمَرُ |
فالآن فاستنجِِدي للثأر أغربةً | تُعلي النعيق ، ولا نابٌ ولا ظُفُرُ |
أو فاعلمي أنها حربٌ صليبيةٌ | صَمّاءُ عمياءُ ، لا تُبقي ولا تَذَرُ |
إذِ العراقُ غدا بالحرب مبتَدَءاً | فيا لَسوأةِ ما يأتي به الخبَرُ |
بيادرٌ حول نار ٍ أوقِدت عَبَثاً | من لم يطُله لهيبٌ طالَه الشّرَرُ |
و لْتَرفعي بدلَ التيجان عاليةً | راياتَ عزٍّ ، هي الأقماطُ و الخُمُرُ |
(وفاءُ) (آياتُ) (إيمانٌ) و زمرتُها | و (درةٌ) حسدت أمثالَهُ الدررُ |
بهؤلاء يُشَقُّ الفجرُ منبلجاً | إن فجّروا هدفاً ، أو إن همُ انفجروا |
لا بالذين إذا قِط ٌّ تَثاءبَ ، أو | دجاجةٌ قَوقَأتْ في حَيهم ذُعِروا |
دعوا أطَيْفالنا يحمون عزتَنا | فربما قلّدونا إن همُ كَبِروا |
الأمرُ أكبَرُ من طفل ٍ و من حجَر ٍ | و الطفلُ أكبَرُ من أمر ٍ له ائتَمَروا |
أسلافُنا أدركوا هذا و حكمتَهُ | فكان من أجل هذا يُعبَدُ الحَجرُ |
يا مسلمونا ، و يا أحرار أمتنا | تنبهوا يا أ ُلي الألباب واعتبروا |
النصرُ أقرب من حبل الوريد إذا | شئتم ، و شرطه ميسورٌ ومختصَرُ |
( إن تنصروا الله ينصرْكم ) إذاً فضَعوا | في البالِ (إنْ) ، و ثِقوا أنّا سننتصرُ . |