المسلول
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
حسناء ، أي فتى رأت تصد | قتلى الهوى فيها بلا عدد | بصرت به رث الثياب ، بلا | مأوى بلا أهل بلا بلد | فتخيرته ، وكان شافعه | لطف الغزال وقوة الأسد | *** | ورأى الفتى الآمال باسمة | في وجهها ، لفؤاده الكمد | والمال ملء يديه ، ينفقه | متشفياً إنفاق ذي حرد | ظمآن والأهواء جارية | كالسلسبيل ، مسى يرد يرد | روض من اللذات ، طيبة | أثماره ، خلو من الرصد | نعم أفانين ، يكاد لها | يختال من غلواه في برد | ماضيه ، لو يدري بحاضره ، | رغم الأخوة مات من حسد | *** | سكران ، والكاسات شاهدة ، | إن الكؤوس لها من العدد | سكران لا يصحو كسكرته | أمساً ، وسكرته غداة غد | سكران ، وهي تزقه قبلاً | ويزقها ، وإذا تزد يزد | سكران ، وهي تمص من دمه | وتريه قلب الأم للولد | سكران ، حتى رأسه أبداً | لا يستقر لكثرة الميد | (( قالت له : نم ، نم لفجر غد | ضع رأسك الواهي على كبدي | نم ، لا تسلط يا حبيب على | مخمور جسمك قلة الجلد | عيناك متعبتان من سهر | ويداك راجفتان من جهد | - لا ، لا أنام ولا أذوق كرى ، | إن النهار مضى ولم يعد | لا ، لا أنام و لا أذوق كرى ، | أنا لست من يحيا لفجر غد | سلمى ، أحس النار سائة | بدمي ، وتجري معه في جسدي | وأحس قلبي فاغراً فمه | للحب ، للذات ، للرغد | إن ضاع يومي ، ما أسفت على | خضر الربيع وزرقة الجلد | *** | نم لا تكابر ، كاد رأسك أن | يهوي بكأسك ، غير أن يدي .. | - يهوي ! .. نعم يا فتنتي ومنى | نفسي ، وزهرة جنة الخلد | يهوي ! .. ولم لا ، والشباب ذوى | وعلى شبابي كان معتمدي | لم تبق لي مني ، سوى رمق | متراوح في أضلع همد ... | رباه مذ يومين كنت فتى | لي قوتي وشبيبتي وغدي | واليوم ، أسرع للبلى ، وأنا | لم أبلغ العشرين أو أكد | سلماي إنك أنت قاتلي ! | فجميل جسمك مدفني الأبدي | وطويل شعرك صار لي كفناً | كفن الشباب ذوى وكان ندي | سلمى اطفئي الأنوار وافتتحي | هذي الكوى لنسائم جدد | ودعي شعاع الشمس يضحك لي | فشعاعها يرد على كبدي | ودعي أريج الزهر ينعشني | وهديل طر الأيكة الغرد | أنا ، إن قضيت هوى ، فلا طلعت | شمس الضحى بعدي على أحد )) | *** | - أنا إن قتلتك كيف تحفظني | إن صح زعمك ، حقظ مقتصد | أو كنت مت لليلتي جهد | يا مهجتي خفف ولا تزد | - لا ، أنت محييتي ومنقذتي | من عيشي المتنكر النكد | أفأنت قاتلتي ؟ كذبت أنا ، | لولاك كنت أذل من وتد | لكنما العشاق ، عادتهم | ذكر المنايا ذكر مفتئد | يبكون من جزع للذتهم | أن لا تكون طويلة الأمد .. | قلبي لقلبك خافق أبداً | ويظل يخفق غير متئد | - إن كان ذاك ، فهذه شفتي | من يشتعل في الحب يبترد | *** | وتصافحا فتعانقا فهما | روحان خافقتان في جسد | *** | نهبا أويقات الصفاء ، وقد | عكفا عليهما عكف مجتهد | وترشفا كأس الغرام ، وما | تركا بها من نهلة لصدي | ومشى الهوى بهما كعادته ، | والبحر لا يخلو من الزبد ... | *** | سنة مضت ، فإذا خرجت إلى | ذاك الطريق بظاهر البلد | ولفت وجهك يمنة ، فترى | وجهاً متى تذكره ترتعد : | هذا الفتى في الأمس ، صار إلى | رجل هزيل الجسم منجرد | متلجلج الألفاظ مضطرب | متواصل الأنفاس مطرد | متجعد الخدين من سرف | متكسر الجفنين من سهد | *** | عيناه عالقتان في نفق | كسراج كوخ نصف متقد | أو كالحباحب ، باخ لامعه ، | يبدو من الوجنات في خدد | تهتز أنمله ، فتحسبها | ورق الخريف أصيب بالبرد | ويكاد يحمله ، لما تركت | منه الصبابة ، مخلب الصرد | *** | يمشي بعلته على مهل | فكأنه يمشي على قصد | ويمج أحياناً دماً . فعلى | منديله قطع من الكبد | قطع تآبين مفجعة | مكتوبة بدم بغير يد | قطع تقول له : تموت غداً | وإذا ترق ، تقول : بعد غد .. | والموت أرحم زائر لفتى | متزمل بالداء مغتمد | قد كان منتحراً ، لو أن له | شبه القوى في جسمه الخصد | لكنه ، والداء ينهشه ، | كالشلو بين مخالب الأسد .. | جلد على الآلام ، ينجده | طلل الشباب ودارس الصيد .. | *** | أين التي علقت به غصناً | حلو المجاني ناضر الملد | أين التي كانت تقول له : | ضع رأسك الواهي على كبدي ؟.. | مات الفتى ، فأقيم في جدث | مستوحش الأرجاء منفرد | متجلل بالفقر ، مؤتزر | بالنبت من متيبس وندي | وتزوره حيناً ، فتؤنسه | بعض الطيور بصوتها الغرد .. | |
اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (بشارة الخوري (الأخطل الصغير )) .