أرشيف الشعر العربي

القطارات تتشابه دائماً

القطارات تتشابه دائماً

مدة قراءة القصيدة : دقيقتان .

ما الذي تريدُ أنْ تراه بَعْدُ

أكثرَ من كلِّ هذا الذي... رأيتهُ

ها قد انتصفَ الليلُ وأقفرتِ المحطّة

واختفى آخرُ بائع سجائر

وآخر بائعة حُبٍّ

وآخرُ شرطيٍّ

(بائع السجائر، قلتَ له: إنَّكَ لا تُدخِّنُ غيرَ أحزانِكَ

وبائعةُ الحُبِّ أدركتْ - يا لخيبتها - أنَّ آخرَ ما تفكّرُ به هو جسدها

وآخرُ شرطيٍّ ألقى عليكَ نظرةَ ارتيابٍ

وعندما لمْ يجدْ في عينيكَ غيرَ الدموعِ والأحلامِ

وفي حقائبكَ غيرَ الأرصفةِ..

أطلق صافرتَهُ واختفى في الظلامِ...)

ما الذي تريدُ أنْ ترى..

أكثر مِمَّا رأيتهُ

رغم أنّكَ، لمْ تُسافِرْ

أو تُدخِّن

أو تضيع في سوهو مثل كولن ولسن

حياتُكَ سفرٌ في الأحلام

وضياعٌ على الورقِ

وتسكّعٌ طويلٌ..

تحتَ أمطارِ القصائدِ والضَفائرِ الطويلةِ

ما الذي تريدُ أنْ ترى..

أكثرَ من هذا؟

كتبكَ تباعُ على الرصيف

ورغم ذلك لا تجد في جيوبكَ المملوءةِ بالريحِ، ما تشتري به:

كتاباً جديداً،

أو قميصاً رخيصاً لطفلكَ

أحزانك تتناسلُ كالقطط

وأنتَ من نافذةِ غرفتكَ

ترقبُ الفتياتِ الجميلاتِ

متأفّفاً على نصفِ حياتكَ

مشاريعكَ الكتابيةُ كالمصعدِ الكهربائي

دائماً تعطل في الطابق الرابعِ

قريباً من غرفةِ رئيسِ التحريرِ

{حيثُ مِقَصَّاتُهُ بانتظاركَ}...

ما الذي تريدُ أنْ تراه إذنْ!؟ أكثرَ من هذا الذي رأيتهُ

ها قد انتظرتَ طويلاً…

طويلاً جداً

ولم يأتِ القطارُ (الذي وعدوكَ به في طفولتكَ،

محمّلاً بالحلوى وبالوناتِ السعادةِ والجَواري والنقود)

مرَّتْ عشراتُ القطارات المملوءة بالجنودِ والبضائعِ والعرسانِ والنفطِ والأشجارِ والأجانبِ والمسافرين

مرَّتْ آلافُ الوجُوه... وآلاف الأقنعة

مرَّتْ آلافُ الأنهارِ والطيور والمدن والكتب والهموم والشوارع

وما زلتَ تنتظرُ قطارَ فرحكَ

حتى أعشبتْ قدماكَ من الوقوفِ

(.. بائعُ السجائرِ هزَّ كَتِفَيهِ ساخراً.. ومضى

الشرطي اكتفى بشتيمةٍ عابرة

بائعةُ الحبِّ التفتتْ مرَّتين... ثم بصقتْ

مُفتِّشُ المحطّةِ... قال:

لقد رأيتُ في حياتي كثيراً... من أمثاله:

هؤلاء المجانين.. ماذا ينتظرون!؟)

* * *

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (عدنان الصائغ) .

البحر صاعداً سلالم المستشفى

مطر النساء

عابـرة

حبل

كركوك