مررنا بهم |
أسرى مثل أقفاصٍ تحرس الأجنحة |
يذودون عن أرواحهم بالمرارات |
تحت آباطهم مفاتيح تصدأ |
وفي أحداقهم ما يشبه القناديل |
ضوءٌ شاحبٌ في عاصفة |
لجوعهم أنينٌ مثل جوقة الكهنة |
نسمع حَـكَّ الحديد في أخماص أقدامهم |
مررنا بهم |
فانتابنا زفير المجامر |
لهم رائحة الزبد الطائش من أشداق الخيول |
مجدولو الذوائب |
تتدلى على أكتافهم صناجات تطردُ ذريعة الفرار |
يضعون ذاكرتهم في رماد بارد |
وبين أيديهم كتبٌ تتضرع لشجاعة الصلاة. |
كلما قام منهم شخصٌ تساقطت أعضاؤه |
مثل شجرة تسبق الخريف |
ظهورهم موشومة بأشكال الساعات |
بعقارب ترصدُ المواقع وتحرس المدن |
مررنا بهم |
يشخصون إلينا بأحداق تطلع منها طيورٌ عمياء |
نكسر في وجوههم الشمس بالمرايا |
فلا يرفُّ لهم جفنٌ ولا تتهدّل أهدابهم |
يتفصّد الرخام من مقلهم |
وينبثق كأنه الحمم |
كلما ظننا لهم شكلاً |
طاحَ قناعٌ لندرك قناعاً آخر خلفه |
مررنا بهم |
نحمل المديحَ الفادح |
فإذا بالمراثي تقصرُ عن وصفهم |
مصابون باحتدام الجيوش تحت جلودهم |
دون أن تكفَّ دورة الدم في الزجاج |
مررنا بهم |
صرعى صراعاتهم |
زرعوا أشلاءهم بزهرة الكباريت |
فلم يدركوا غير براثن الجليد |
تنغرس في عاجهم العاري |
انتهبوا خريطةَ الناس |
واقتتلوا عند اقتسام الأسلاب |
جديرون بما يجعل الرحيل تحية البحر |
وقلق السفن وقلادة المسافرين |
جديرون |
والوقت وشم على ميزانهم |
ومن أضلاعهم يأخذ الاسطرلاب أشكاله الغامضة |
مررنا بهم |
يعبّون طحلباً فاسداً من قصعاتهم |
ويسفّون الرملَ بلهفة العطش |
يتحاجزون بمهج الناس |
ويتقاذفون بالمواعين |
نطرح الأسئلة عليهم |
فتفوح من أفواههم الأبخرة |
ويطفر الكلام بلا دلالة ولا معنى |
وكلما اقتربنا من بياض أحداقهم |
صفعتنا أجنحة بلهاء |
تطرد الهواء لئلا يوقظ طبيعة الطير |
مررنا بهم |
مثلما تمر الثواكلُ على قبور المفقودين |
ليسوا من القتلى |
و لا يصدّون اللوعة عن أفئدة النساء |
مررنا بهم |
نفضحهم بذاكرة المستحيل |
جمعنا لهم القرائن كي يكفّوا عن الموت |
مدحنا لهم الغياب بفصاحة الصمت |
كي يدركوا الفرق بين القواميس وقناديل الطريق |
فلم يلتفتوا ولم يصغوا لوقع مرورنا الصاخب |
كُـتبنا تتشبث بأخبارهم |
وهم يتقفّصون على أنفاسهم الأخيرة.* |