تجلت لنا ذات وفعل بدا واسم
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
تجلت لنا ذات وفعل بدا واسم | فكانت وما كنا وليس لنا وسم |
هنالك قامت بالوجود قيامة | بها حشرت أرواحنا واختفى الجسم |
مدام بها الأفراح دامت لأهلها | ومن لم يذقها كل أوقاته غمّ |
وقام بها الساقي وحيى فساقنا | إلى مورد منها لذيذ به الطعم |
إذا ما تراءت في الكؤؤس بدالها | شعاع له في كل ناحية نجم |
هي السرّ للأشياء والجهر دائما | على عدد الأنفاس والبدء والختم |
بها يهتدي الأعمى إليها ويسمع ال | أصمّ وتأتي ناطقين بها البكم |
ويأمن ذو خوف ويفرح ذو أسى | ويعتز ذو ذل ويبرابها السقم |
ولو أنهم صبوا على البحر قطرة | لعاد بها عذبا ولو أنه سمّ |
ولو ذكروا حول الحطيم صفاتها | لزال عن البيت العتيق بها الحطم |
ولو لم تكن أسماؤها قد تبينت | لما بان في الأكوان كيف ولا كمّ |
ولولا سنا كاساتها من ورا الورى | لما كان ذوق في الندامى ولا فهم |
ولو أن ميتا لقنوه بلفظها | لقام سريعا نحوها شوقه ينمو |
ولولا بدت لم يشعر الأشعري بها | ولولا تخفت ما تجهمها جهم |
ولولا معاني حسنها ظهرت على | ملاح الورى ما كان عشق ولاوهم |
ولو بيتيم الوالدين قد اعتنت | لعز وعنه زال من ذله اليتم |
جمال تجلى في جلال وعكسه | فقوم له مدح وقوم لهم ذمّ |
وكل قلوب الناس لو لم تهم بها | لما طاب نثر في الكلام ولا نظم |
ولكنهم هاموا ورقت طباعهم | ولم يعلموا في أيّ واد بها هموا |
لثام من الأشياء يحجب وجهها | حلا لعيون العاشقين به اللثم |
ألا حيّ يا صاحي على سكرة بها | ودع عنك من هم دونها عندهم وهم |
وشقق بها الأثواب عنك وكن بها | مجرّد عزم لا يقاس به عزم |
وبت في ثرى حاناتها متلفقا | بأثواب ذل في هواها بها تسمو |
وكن عاجزا عنها تكن قادرا بها | فعدلك عنها منك نحو السوى ظلم |
هي البيت بيت الله حجت قلوبنا | إليها فلا ذنب علينا ولا جرم |
إذا نحن أحرمنا نلبي بذكرها | وفي علميها عندنا يكثر العلم |
وإن زمزم الحادي بها فهي زمزم | وعن مصنا من ثديها ما لنا فطم |
نعمنا بها في لذة العيش والصبا | وما ذاك إلا أنها أنعمت نعم |
هي الدهر في تقليب أيامه على | بنيه له حرب بهم وله سلم |
إذا ما شربناها خفينا بنورها | وعند طلوع الشمس ما للدجى رسم |
بها للحواس الخمس منا تمتع | فسمع ولمس ذوقنا بصر شمّ |
وللعقل أيضا لذة في جمالها | وسرّ بدا منها له وجب الكتم |
وقد سكرت حاناتها وكؤوسها | بها في تجليها وقد سكر الكرم |
ولو أن إنسانا صحا لرأى هنا | من السكر قد هامت بها العرب والعجم |
ومن سكرهم منها يقولون غيرها | وهذا أب قالوا كما هذه أمّ |
وقالوا عيون في وجوه وأرجل | وأيد وقالوا أرؤس ودم لحم |
معان تبدّت في صفاء وجودها | فقوم لهم أجر وقوم لهم إثم |
وتلك نعوت قائمات بها لها | على الفرض والتقدير لا أنه حتم |
إشاراتها اللاتي بوصف مشيئة | تسمى بأشيا وهي هالكة عقم |
وما ثم توليد وليس مناسبا | لها ذاك بل وصف إليها له ضمّ |
تحقق بما قلناه فيها مجانبا | سواه فما قلناه فيها هو الغنم |
وإياك والتوليد في جعلها السوى | فذلك قذف منك في حقها شتم |
وإن جهل الأقوام ذلك واختفى | عليهم فللتوحيد توليدهم هدم |
نصحتك فامسح عن بصيرتك العمى | بقولي وإلا فالنصوص لك الخصم |
وهذا هو الحق الذي هو ظاهر | وبالغيب فيها ما عداه هو الرجم |
خذ الكاس مني يا ابن ودّي فإنه | روى ّ بهذا فليكن عندك الحزم |
ومل طربا في النشأتين بشربه | فإن شرابي للضلال به هضم |
شراب طهور في كؤوس نظيفة | كريم به الساقي ومنه العطا الجمّ |
على رنة الأسماء دام مدامنا | وإن نمق الزور الوشاة وإن نموا |
وفي مقعد الصدق العزيز مناله | تجلت لنا ذات وفعل بدا واسم |