لعمري لقد أنكرتَ غيرَ نكيرِ
مدة
قراءة القصيدة :
7 دقائق
.
لعمري لقد أنكرتَ غيرَ نكيرِ | عُبُوسُ الغواني لابتسام قَتيرِ |
كذا هن لا يوقعنَ وُدًّا على امرىء ٍ | أطارت غُراباً عنه كفُّ مُطيرِ |
وللشَّيب جَهرٌ والشبيبة طُرة ٌ | وليس جَهيرٌ في الصِّبا كطَريرِ |
عزاؤك عن ظبيٍ طَرير فإنه | بعينيك إذ شيَّبتَ غير غرير |
رأيت حياة َ المرءِ بعد مشيبه | إذا زاول الدنيا حياة َ أسير |
خليليَّ هل من نُهية الشّيب عائضٌ | لمعتاضهِا من حَبْرة ٍ وحَبير |
وبنتِ نعيم في ضبابة عنبرٍ | تفورُ وطوراً في عَجاجِ عَبير |
برَهْرهة ٍ لم تُغْزَ إلا بناعمٍ | ولم تُسقَ من ماءٍ بغير نَمير |
مضمّخة اللَّباتِ تحسب نحرها | من المسك والجاديِّ نحر نَحير |
محجّبة ٌ تحتل عليا خَوَرْنقٍ | تشارف أنهاراً خلال سَدير |
سَقَتْني بعينيها وفيها وَدَلها | خُموراً لها ليستْ خمور عَصير |
من الظّبياتِ العاطيات لمُجتنِي | ثمار قلوب لا لحَبِّ بذير |
تُغيرُ على الجَلْد اللبيبِ فتستبي | حِجاه ولم تحمل سلاحَ مُغيرِ |
بدرٍّ نثير من حديثٍ تحفُّهُ | بآخر في سِمطين غير نثيرِ |
تبسَّمُ عنهُ في الدُّجَى فكأنما | يُضيء الدُّجى منه بروقُ صَبيرِ |
أفيما يُفيدُ الشيب من واعظِ النُّهى | وفاءٌ بهذا في حكومة ِ زير |
أبى ذاك إلا كلُّ شهمٍ مشمِّر | لها من مجازٍ واعتنى بمصير |
طوى مدة ً من دهره ذاتَ زُخرفٍ | إلى أبدٍ ذي سُندسٍ وحرير |
بمنزلة ٍ لا لغو فيها سوى الذي | بها من غناءٍ مُطربٍ وزَمير |
أرانينُ طيرٍ لا تزال مَليَّة ً | بكرِّ هَديلٍ تارة ً وصفير |
ألا تِلكُمُ الدار التي حل أهلها | بناءٍ عن الخطب المخوف شَطير |
خفيرُهمُ فيها من الشر كلّه | خفيرٌ إليه أمرُ كلِّ خفير |
لهم ما اشتهوا فيها مسوقاً إليهمُ | مَقوداً إذا شاؤوا بغير جرير |
وليست بها شمسٌ فكل زمانهم | غدوٌّ وإصالٌ بغير هجير |
بلى كلُّ شمسٍ فوق خوطٍ مهفهفٍ | على دِعصِ رملٍ يزدَهيكَ وثير |
وعيشٌ بلا موتٍ وكل ملذة ٍ | يفوز بها الملتذُّ غير مَضير |
أناخ بهم في الأمن خوفٌ أراهمُ | كأنهمُ يمشون فوق شفير |
نهتهم به أحلامهم أن يثابروا | على عملٍ للعاملين مُبير |
وإن ابن إبراهيمَ حقاً لمِنهمُ | وإن كان للسلطان أيّ ظهير |
فتى يُتقَى في السلمِ حشوُ دواته | كما يُتقى في الحرب حشو جفير |
يرى الحائنون الموتَ يصرف نابه | إذا بعث الأقلامَ ذات صرير |
إذا ما أثارَ الحقَّ بعد آدِّفانه | بتحصيله الشافي فأيُّ مُثير |
له حُلم لقمان الحكيم فإن طغا | سفيهٌ فخلفُ الحلم صولة ُ شيرِ |
وما ظنُّ راجٍ ما لديه بكاذبٍ | ولا مخُّ راع في ذَراه برير |
بكيرُ العطايا للعُفاة وإنما | حميدُ نباتِ الأرض كلُّ بكير |
ينيلُ بلا وعدٍ إذا النيْلُ لم يكن | بغير وعيدٍ قبله وهَرير |
فتى لا يُنسيه الفعالَ اتِّكاله | على تاج مُلك سالف وسرير |
ولكنه يبني على إرثِ من مضى | جهيراً من البنيان فوقَ جهير |
أبا الحسنين العلم والجود لاتزلْ | بنعماءَ ما قامت هضابُ ثبير |
كَناكَ بها لا بالحسين مُسلِّم | إليك رِقابَ الود غيرَ مُعير |
معظِّمُ قدرٍ منك جدِّ مُعظَّم | مُكبِّر شأن منك جدِّ كبير |
أبتْ لك أنْ تكنى بحسنٍ مُصغَّرٍ | محاسنُ ما مقدارُها بصغير |
وقد علم الأقوامُ أنك مُكملٌ | لك الحسنُ في مرأى ً وغيبِ ضمير |
وما الحسن إلا شيمة ٌ مستقلة ٌ | بتبصير ذي جهلٍ وجبر كسير |
وأنت الذي لا ينكُر الناس أنه | هُدى ً لأخِي جوْرٍ غِنًى لفقير |
تُعظِّمُ من شكر الصديق حقيره | وتَحقرُ من جدواك غير حقير |
لك الدهرَ معروفٌ شهيرٌ وإنما | تُحب من المعروف كلَّ ستير |
وما أعجبَ المعروفَ تستر فِعله | ولستَ تراه الدهرَ غير شهير |
إذا زارك العافُون كان إيابُهم | إيابَ بشيرٍ لا إيابَ نذيرِ |
ولو قعد العافون عنك لَزارهم | نوالُك من تِلقاءِ خَيرِ مُزيرِ |
كأن الذي يغشى جنابك نازلٌ | على روضة مَوْليَّة وغدير |
نداك لهم رهنٌ مدى الدهر كله | بأخضر رِبْعيِّ النبات نضير |
فهنأك الله الفضيلة مِنحة | ولا زلت في خيرٍ يزيد وخِيرِ |
وهنأك الله الذي أنت أهلُهُ | برغم العدى من رأي خير أمير |
أمير رأى فيك الذي ليسَ مُشكِلاً | ووافقه في ذاك خيرُ وزير |
لعمري لقد جَلّى بعين جلية ٍ | من القوم نظّارٌ فقيد نظير |
تأمل أين الفهمُ والحزم والتقى | لباغي سفيرٍ فوقَ كل سفير |
فأبصرها فيك الموفّق كلّها | فولاك ما ولاك غير نكير |
ولما عزمتَ الظّعن كي تفصل التي | عصتْ كلّ طب بالأمورِ خبير |
رحلتَ على اسم الله أيمنَ رحلة ٍ | وسرتَ على اسم الله خيرُ مسير |
على ثقة من ناصر الدين أنه | سينصرُ منك الحقّ خيرَ نصير |
فألفاك ميمونَ النقيبهِ كالذي | عُرفتَ به في أول وأخير |
ظللتَ له بالغيبِ عيناً يُديرها | فأيتما عينٍ وأيُّ مدير |
ولما توسطت الأمور كفيتَها | وأقبلتَ محموداً بوجه بشير |
ولولاك لم تُعدَم دماءٌ ممارة ٌ | سُدًى من قتيل طائح وعَقير |
إذا ولَعاق العاملين عن الحيا | عوائقُ بالسلطان ذات ضرير |
ولكن نهيتَ السيف عن سَطواته | بيُمنك فارتد ارتداد حسير |
وبدَّلتَ خبط العالمين هداية ً | وقد يهتدي أعمى بنور بصير |
وما كان إصلاحُ الأمور التي التوتْ | فداويتها من دائها بيسيرِ |
ولكنّ من والى الإلهُ مُيسَّر | له بأقلّ السعي كلُّ عسير |
ولم تُمتَهن لكنك المرء لم يزل | مُعِدّاً لعِيرٍ تارة ً ونفير |
فتنفِر في النّفار أيّ محافظ | وتقعد طوراً أيّ حافظ عير |
تغيب فلا تنفك شُغل مُذاكِرٍ | وتبدو فلا تنفك نُصب مشير |
يَهش لذكراك العدو وإنه | ليُضمر في الأحشاء نار سعير |
وقد سُئل الحساد عنك بأسرهم | فقالوا وما حابوا بوزن نَقير |
مُهذبُ أخلاقٍ مشرَّف همة ٍ | مثقفُ آراءٍ مُمرُّ مرير |
فأعجِبْ بفضلٍ بان حتى استبانه | من الناس قومٌ في غباءِ حَمير |
وأعجبْ بفضلٍ بان حتى عنَتْ له | سِباعٌ من الأعداء ذاتُ زئير |
وحتى غدا يُثني به كلُّ كاشح | بقول ويتلو قوله بزفير |
أطال عليّ الدهر قومٌ بظلمهم | وكم لك من يوم عليّ قصير |
فلو كان لي حقُّ تريد قضاءَهُ | لأ لفيتَ قد جاوزته بكثير |
ولكنّ ما تُسديه فضلٌ منحتَه | وأنت بترك الفضل غير جدير |
إذا كنتَ شمساً نورها من طباعها | فكيف بأن نلقاك غيرَ منير |
وكنتَ سحاباً ضاق بالماء وُسْعهُ | فكيف بأن نلقاك غير مطير |
أبى الله إلا أن تضيء لحائرٍ | وتَندَى لمستسقٍ إباء قدير |
شكرتُ ولم أسأل مزيداً فزدتني | دريراً من المعروف بعد درير |
نفحتَ بسيل بعد قَطرٍ وللحيا | سيولٌ بعَقْب القطر ذاتُ خرير |
مطرتَ وقد أيبستُ حتى بلّلتني | فعُوديَ ليْن المتن غيرُ هصيرِ |
عليه ثمارُ الشكر بين شَكيرِه | فيا حُسنَه حَمْلاً خلال شكير |
وقالوا أطلْ في مدحه قلت حسبكم | رِشائيفليس المستقى بقَعير |
ألا رُبما قَصَّرتُ في مدح ماجدٍ | وفزتُ بسَجْل من نداه غزير |
وما بي غنًى عما لديك ولو غدتْ | مفاتيحُ ما مُلِّكتُ عبءَ بعير |
فعِشْ في جوار الله خيرِ مجاوَرٍ | يُجير بك الأحرارَ خيرُ مُجير |
يدُ الله من ريب الزمان وقاية ٌ | على خطر للمجد فيك خطير |
فما لك عيبٌ غير أنك لم تدعْ | أخا كرمٍ جاراك غير بَهير |
وأنك مَنْ أصبحتَ يوماً عشيرهُ | من الناس طُرّاً ذَمَّ كلَّ عشير |
مَنحتُكها غراء يقطعُ وَخْدُها | نهار أخي لهو وليل سَمير |
وإن لم أقرظْ منك إلا مُقرِّظاً | وإن لم أشِدْ إلا بذكر ذَكير |