بكاؤكُما يشفي وإن كان لا يجدي
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
بكاؤكُما يشفي وإن كان لا يجدي | فجودا فقد أودى نظيركمُا عندي |
بُنَيَّ الذي أهدتهُ كفَّاي للثَّرَى | فيا عزَّة َ المهدى ويا حسرة المهدي |
ألا قاتل اللَّهُ المنايا ورميها | من القومِ حَبّات القلوب على عَمدِ |
توخَّى حِمَامُ الموت أوسطَ صبيتي | فلله كيف اختار واسطة َ العقدِ |
على حين شمتُ الخيرَ من لَمَحاتِهِ | وآنستُ من أفعاله آية َ الرُّشدِ |
طواهُ الرَّدى عنِّي فأضحى مَزَارهُ | بعيداً على قُرب قريباً على بُعدِ |
لقد أنجزتْ فيه المنايا وعيدَها | وأخلفَتِ الآمالُ ماكان من وعدِ |
لقد قلَّ بين المهد واللَّحد لبثُهُ | فلم ينسَ عهد المهد إذ ضمَّ في اللَّحدِ |
تنغَّصَ قَبلَ الرَّيِّ ماءُ حَياتهِ | وفُجِّعَ منه بالعذوبة والبردِ |
ألحَّ عليه النَّزفُ حتى أحالهُ | إلى صُفرة الجاديِّ عن حمرة الوردِ |
وظلَّ على الأيدي تساقط نَفْسْه | ويذوِي كما يذوي القضيبُ من الرَّنْدِ |
فَيالكِ من نفس تساقط أنفساً | تساقط درٍّ من نِظَام بلا عقدِ |
عجبتُ لقلبي كيف لم ينفطرْ لهُ | ولو أنَّهُ أقسى من الحجر الصَّلدِ |
بودِّي أني كنتُ قُدمْتُ قبلهُ | وأن المنايا دُونهُ صَمَدَتْ صَمدِي |
ولكنَّ ربِّي شاءَ غيرَ مشيئتي | وللرَّبِّ إمضاءُ المشيئة ِ لا العبدِ |
وما سرني أن بعتُهُ بثوابه | ولو أنه التَّخْليدُ في جنَّة ِ الخُلدِ |
ولا بعتُهُ طَوعاً ولكن غُصِبته | وليس على ظُلمِ الحوداث من معدِي |
وإنّي وإن مُتِّعتُ بابنيَّ بعده | لَذاكرُه ما حنَّتِ النِّيبُ في نجدِ |
وأولادنا مثلُ الجَوارح أيُّها | فقدناه كان الفاجع البَيِّنَ الفقدِ |
لكلٍّ مكانٌ لا يسُدُّ اختلالهُ | مكانُ أخيه في جَزُوعٍ ولا جلدِ |
هلِ العينُ بعدَ السَّمع تكفي مكانهُ | أم السَّمعُ بعد العينِ يهدي كما تهدي |
لَعمري لقد حالتْ بيَ الحالُ بعدهُ | فيا ليتَ شِعري كيف حالتْ به بعدِي |
ثَكلتُ سُرُوري كُلُّه إذْ ثَكلتُهُ | وأصبحتُ في لذَّاتِ عيشي أَخا زُهدِ |
أرَيحانة َ العَينينِ والأنفِ والحشا | ألا ليتَ شعري هلْ تغيَّرتَ عن عهدي |
سأسقيكَ ماءَ العين ما أسعدتْ به | وإن كانت السُّقيا من الدَّمعِ لا تُجدي |
أعينيَّجودا لي فقد جُدتُ للثَّرى | بأنفس ممَّا تُسأَلانِ من الرِّفدِ |
أعينيَّإنْ لا تُسعداني أَلُمْكُما | وإن تُسعداني اليوم تَستوجبا حَمدي |
عذرتُكما لو تُشغلانِ عن البكا | بنومٍوما نومُ الشَّجيِّ أخي الجَهدِ |
أقرَّة َ عينيقدْ أطلت بُكاءها | وغادرتها أقْذَى من الأعْيُنِ الرُّمدِ |
أقرة عينيلو فَدى الحَيُّ ميِّتاً | فديتُك بالحوبَاء أوَّلَ من يفدِي |
كأني ما استَمْتَعتُ منك بنظرة | ولا قُبلة ٍ أحلى مذَاقاً من الشَّهدِ |
كأني ما استمتعتُ منك بضمّة ٍ | ولا شمَّة ٍ في ملعبٍ لك أو مهدِ |
ألامُ لما أُبدي عليك من الأسى | وإني لأخفي منه أضعافَ ما أبدي |
محمَّدُما شيءٌ تُوهِّم سلوة ً | لقلبي إلاَّ زاد قلبي من الوجدِ |
أرى أخويكَ الباقِيينِ فإنما | يكونان للأحزَانِ أورى من الزَّندِ |
إذا لعِبا في ملعب لك لذَّعا | فؤادي بمثل النار عن غير ما قَصدِ |
فما فيهما لي سَلوة ٌ بلْ حَزَازة ٌ | يَهيجانِها دُوني وأَشقى بها وحدي |
وأنتَ وإن أُفردْتَ في دار وحْشة ٍ | فإني بدار الأنسِ في وحشة الفردِ |
أودُّ إذا ما الموتُ أوفدَ مَعشَراً | إلى عَسكر الأمواتِ أنِّي من الوفْدِ |
ومن كانَ يَستهدي حَبِيباً هَديَّة ً | فطيفُ خيالٍ منك في النوم أستهدي |
عليك سلامُ الله مني تحيَّة ً | ومنْ كل غيثٍ صادقِ البرْقِ والرَّعدِ |