ذكرتُكَ حين ألقتْ بي عصاها النْ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
ذكرتُكَ حين ألقتْ بي عصاها النْ | نَوى يوماً بنهر أبي الخصيبِ |
وقد أرستْ بنا في ضَفَّتيه الر | جواري المنشآت مع المغيبِ |
غدونَ بنا ورُحْنَ محمَّلاتٍ | قلوباً مُوقَرَات بالكُروبِ |
تجوز بنا البحار إذا استقلَّتْ | وتُسلمُها الشَّمالُ إلى الجنوبِ |
وبين ضلوعها أبناءُ شوقٍ | نأتْ بهم عن البلد الرحيبِ |
نأتْ بهمُ عن اللذات قَسْراً | ووصل الغانيات إلى الحُروبِ |
إلى دارٍ أبتْ فيها المنايا | رجوعاً للمحب إلى الحبيبِ |
فقلت ومقلتاي حياءَ صحبي | تذودان الجفونَ عن الغروبِ |
لعل الفردَ ذا الملكوت يوماً | سيَقضي أوبة َ الفرد الغريبِ |
فما برحتْ عن العِبْرَيْن حتَّى | رُددْنَ إلى الأُبُلَّة من قريبِ |
وراحت وهي مثقَلة تهادَى | إلى مغنى أبي الحسن الجديبِ |
محلٌّ ما ترى إلا صريعاً | به ملقى ً وذا خد تَريبِ |
وطال مقامنا فيه وكادتْ | تنال نُفُوسَنا أيدي شَعُوبِ |
فلم تك حيلة ٌ نرجو خَلاصاً | بها إلا التضرُّعَ للمجيبِ |
ولما حُمَّ مرجِعُنَا وصحّتْ | على الإيجاف عَزْمات القلوبِ |
دَخَلْنَا من بنات البحر جونا | تهادى بين شبَّان وشيبِ |
نواجٍ في البطائح ملقِيَاتٌ | حيازمَها على الهول المهيبِ |
مُزمَّمَة ُ الأواخرِ سائراتٌ | على أصلابها شَبَهَ الدبيبِ |
تكادُ إذا الرياحُ تعاورتْها | تفوتُ وفودَها عند الهبوبِ |
مسخرة ً تجوب دجى الليالي | بمثل الليل كالفرس الذَّنوبِ |
أبت أعجازُها بمقدَّماتٍ | لها إلا مطاوعة َ الجنُوبِ |
غَنِينَ عن القوادم والهوادي | وعن إسْرَاجِهِنَّ لدى الركوبِ |
حططنَ بواسطٍ من بعد سبعٍ | وقد مال الشروقُ إلى الغروبِ |
ووافتنا رياحٌ حاملاتٌ | إلينا نشرَ لابسة ِ الشُّرُوبِ |
أتت نِضْواً بَرتْهُ يدُ الليالي | وأنحل جسمَه طولُ اللغوبِ |
وأَلبستِ الهواجرُ في الفيافي | نضارة َ وجههِ ثوبَ الشحوبِ |
فلم نملك سوابق مُقْرَحَاتٍ | من الأجفان بالدمع السكوبِ |
ولما شارفتْ بغداذ تسري | بنا والليل مَزْرُورُ الجيوبِ |
وقد نُصبتْ لها شُرُعٌ أُقيمتْ | بهنّ صدورُهُنَّ عن النكوبِ |
تضايق بي التصبّرُ عنك شوقاً | وأسلمني الزفيرُ إلى النحيبِ |
وبِتُّ مراقباً نجمَ الثريّا | مراقبة َ المُخالِسِ للرقيبِ |
وما طَعِمتْ جفوني الغمضَ حتى | حللتُ عِراصَ دور بني حبيبِ |
وفي قُطربُّلٍ أطلالُ مَغنى ً | بهن ملاعبُ الظبي الرَّبيبِ |
فكم لي نحوهنّ من التفاتٍ | وأنفاسٍ تَصعَّد كاللهيبِ |
ومن لحظات طرفٍ طاوياتٍ | حشايَ برجعهنَّ على نُدوبِ |
ورحنا مسرعين إليك شوقاً | مسارعة َ العليلِ إلى الطبيبِ |
لكي نُرْوي نفوساً صادياتٍ | بقربٍ منك للصادي مُصيبِ |
وجاوزنا قرى بغداذ حَتَّى | دَلَلْنَا عليك أصواتُ الغروبِ |
وهَيَّجَتِ الصَّبَا لمَّا تبدَّتْ | بريّاً منك في القلب الكئيبِ |
وواجهنا بغرة سُرَّمَنْ را | وجُوهاً أكذبتْ ظنَّ الكذوبِ |
وردَّتْ ماءَ وجهي بعد ظِمْءٍ | وسودَ غدائري بعد المشيبِ |
فسبحان المؤلِّف عن شتاتٍ | ومن أدنى البعيد من القريبِ |
ولم يُشْمِتْ بنا داوودَ فيما | رجا سَفَهاً وأمَّلَ في مغيبي |