الدعاء مخ العبادة
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
الدعاء مخ العبادة(المحصول الجامع لشروح ثلاثة الأصول)
قال المصنف رحمه الله: (وَفِي الْحَدِيثِ: (الدُّعَاءُ مخ الْعِبَادَةِ)[1]).
الشرح الإجمالي:
لما ذكر المصنف رحمه الله تعالى أنواعًا من العبادة مجملة، شرع في ذكر أدلتها، فبدأ أولًا بالدعاء الذي هو أصل العبادات وأساسها، فقال: (وفي الحديث) الذي يدل على منـزلة الدعاء من بين أنواع العبادة ما رواه الترمذيأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدعاء) وسؤال الله الحوائج (مخ)، أي: لبُّ وخالص (العبادة) التي أَمر الله بها الخلق[2].
الشرح التفصيلي:
سرد المصنف فيما تقدم أنواع العبادة، فذكر أربع عشرة عبادة يُتقرب بها إلى الله تعالى، ابتدأها بالدعاء، وهذا شروعٌ منه في ذكر أدلة أنواع العبادة التي ذكرها مجملة، وذكر الأدلة على كونها عبادة، وابتدأ المصنف هذه العبادات بعبادة عظيمة جليلة، وهي عبادة الدعاء، وجعَلَ الحديث الذي ذكره كالترجمة له.
فقوله: (وفي الحديث: (الدعاء مخ العبادة))، هذا شروعٌ في جملة جديدة من الكلام، وليس دليلًا آخر للمسألة السابقة كما توهمه بعضهم؛ فهو إيذانٌ بالشروع في تعديد أنواع من العبادات، وذِكْرُ أدلتها، فكأنه يقول: ومن أنواع العبادة الدعاء؛ ووجه عدول المصنف في الإشارة إلى الدعاء عن جادته في العبادات المذكورة معه هو رعاية مقامه، فلما للدعاء من منزلة عظيمة في العبادة عبَّر عنه المصنف بحديث، وإن كان فيه ضعف؛ مقتديًا بغيره من الأئمة، وهذا يفعله مثل الإمام البخاري رحمه الله تعالى؛ فإنه ربما ترجم بحديث نبوي ضعيف للدلالة على مقصوده، فالمصنف جَعَل الحديث كالترجمة للنوع الأول من العبادات التي أراد الاستدلال لها، وهو: عبادة الدعاء [3].
قال المصنف: (وفي الحديث: (الدعاء مخ العبادة)): ومخ الشيء: لبه وما يقوم به، ومعناه: أن العبادة لا تقوم إلا بالدعاء، كما أن الإنسان لا يقوم إلا بالمخ؛ لدلالته على الإقبال على الله جل وعلا، والإعراض عما سواه[4]، وهذا الحديث الذي أورده المصنف يفسره الحـديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدعاء هو العبادة)، فجَعَل الدعاء هو عين العبادة، فدلَّ هذا الحديث على أن الدعاء أهم أنواع العبادات، وذلك من وجهين:
الأول: الإتيان بضمير الفصل "هو"، وضمير الفصل يفيد التوكيد.
الثاني: أنه عَرَّف الخبر بالألف واللام في قوله: "العبادة"؛ ليدل على الحصر، وأن العبادة لا تختلف عن الدعاء، وإنما هي الدعاء نفسه، فكأنه قال: الدعاء هو العبادة لا غيرها [5].
[1] أخرجه الترمذي كتاب الدعوات، باب: فضل الدعاء برقم (3371)، وقال: «هذا حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة»؛ ا .هـ، وأخرجه الطبراني في "الدعاء" (8)، وفي "المعجم الأوسط" برقم (3196)، وقال: «لم يرو هذا الحديث عن أبان إلا عبيدالله، تفرد به ابن لهيعة»، والحديث إسناده فيه ضعف.
[2] ينظر: حاشية ثلاثة الأصول، عبدالرحمن بن قاسم (36)؛ وتيسير الوصول شرح ثلاثة الأصول، د.
عبدالمحسن القاسم (71)؛ وحصول المأمول بشرح ثلاثة الأصول، عبدالله الفوزان (75).
[3] تعليقات على ثلاثة الأصول، صالح بن عبدالله العصيمي (26)، وينظر: حاشية ثلاثة الأصول، عبدالرحمن بن قاسم (36)، وحصول المأمول بشرح ثلاثة الأصول، عبدالله الفوزان (74).
[4] شرح الأصول الثلاثة، عبدالعزيز الراجحي (45)؛ وحصول المأمول بشرح ثلاثة الأصول، عبدالله الفوزان (75).
[5] ينظر: حاشية ثلاثة الأصول، عبدالرحمن بن قاسم (36)؛ وحصول المأمول بشرح ثلاثة الأصول، عبدالله الفوزان (74).