أثنى شذا الروض على فضل السحب
مدة
قراءة القصيدة :
10 دقائق
.
أثنى شذا الروض على فضل السحب | واشتملت بالوشي أرداف الكثب |
ما بين نور مسفراللثام | وزهر يضحك في الأكمام |
إن كانت الأرض لها ذخائر | فهي لعمري هذه الأزاهر |
قد بسطتها راحة الغمائم | بسط الدنانير على الدراهم |
أحسن بوجه الزمن الوسيم | تعرف فيه نضرة النعيم |
وحبذا وادي حماة الرحب | حيث زهى العيشُ به والعشب |
أرض السناء والهناء والمرح | والأمن واليُمن ورايات الفرح |
ذات النواعير سقاة التربِ | وأمهات عصفه والأب |
تعلمت نوح الحمام الهتف | أيام كانت ذات فرع أهيفِ |
فكلها من الحنين قلبُ | لاسيما والماء فيها صب |
لله ذاك السفح والوادي الغرد | والماء معسول الرضاب مطّرد |
يصبو لها الرآئي ويهفو السامع | ويحمد العاصي فكيف الطائع |
إذا نظرت للربا والنهر | فارو عن الربيع أو عن جعفر |
محاسن تلهي العيون والفكر | ربيع روضات وشحرور صفر |
أمام كل منزل بستان | وبين كل قرية ميدان |
أما رأيت الورق في الأوراق | جاذبة القلوب بالأطواق |
فبادر اللذة يا فلان | واغنم متى أمكنك الزمانُ |
و لا تقل مشتى ولا مصيفُ | فكل وقت للهنا شريفُ |
كل زمان يتقضى بالجذل | زمان عيش كيفما دار اعتدل |
أحسن ما أذكر من أوقاته | وخير ماأبعث من لذاته |
بروزنا للصيد فيه والقنص | وحورنا من مره أحلى الفرص |
و أخذنا الوحش من المسارب | وفعلنا في الطير فوق الواجب |
لما دنا زمان رمي البندق | سرنا على وجه السرور المشرق |
في عصبة عادلة في الحكم | وغلمة مثل بدور التمّ |
من كل مبعوث إلى الأطيار | تظله غمامة الغبارِ |
و كل معسول الشباب أغيد | منعطف عطف القضيب الأملد |
قد حمد القوم به عقبى السفر | عند اقتران القوس منه بالقمر |
لولا حذار القوس في يديه | لغنّت الورق على عطفيه |
في كفه محنية الاوصال | قاطعة الاعمار كالهلال |
زهراء خضراء الاهاب معجبه | مما ثوت بين الرياض المعشبه |
فاغرة الافواه للاطيار | طالبة لهنّ بالأوتار |
كأنها حول المياه نون | أو حاجب بما تشا مقرون |
لها نبات بالمنى مغدوقة | من طيبة واحدة مخلوقة |
سامعة لما تشير الأم | مع أنها مثل الحجار صمّ |
واهاً لها من شهب تخطف | شاهرة بالعزم وهي تقذف |
كأنها والطير منها هارب | خلف الشياطين شهاب ثاقب |
حتى نزلنا بمكان مونق | اخوان صدق أحدقوا بالملّق |
فياله في الحسن من محل | مراد جدّ ومراد هزل |
للطير في مياهه مواقع | كأنها من فوقه فواقع |
فلم نزل في منزل كريم | نروي حديث الرمي عن قديم |
حتى طوى الافق رداء الورس | والتقم المغرب قرص الشمس |
و ذر مسك الليل في فرق الافق | واتشحت خود السماء بالنطق |
وابتدر القوم إلى المراصد | من ساهر الليل التمام ساهد |
بينا الطيور في مداها سائره | اذا هم من عينه بالساهره |
كالليث يسطو كفه بأرقم | والبدر يرمي في الدجى بأنجم |
و أقبلت مواكب الطيور | على طروس الجوّ كالسطور |
فحبذا السطورفي المهارق | منقوطة الاحرف بالبنادق |
من كل تم حق أن يسمي | ضياءه المشرق بدر التم |
تخاله من تحت عنق قد سجا | طرّة صبح تحت أذيال الدجى |
و كل حيّ حسن الوسامه | كأنه في أفقه غمامه |
تتبعه أوزة دكناء | من دونها لفلفة غرَّاء |
تقدمها أنيسة ملونه | تابعة من كل وصف أحسنه |
يجني بها الآكل خير ما جنى | وأحسن المأكول ما تلَّونا |
و ربما مر لديها حبرج | كأنه على نضار يدرج |
و انقض من بعض الجبال النسر | له بأبراج النجوم وكرُ |
مغبر الخلق شديد الأيدي | يبني على الكسر حروف الصيد |
و كل كركي عجيب السير | كأنه طيف خيال الطير |
ما بين أحشاء الظلام يسري | من أرض بغداد لأرض مصر |
يحث مسراه عقاب كاسبه | خافضة لحظ الطيور ناصبه |
إذا مضت جملتها المعترضه | تواصلت خيوطها المنقرضه |
و أبيض الغيم يسمى مرزما | كم بات مثل نوئه منسجما |
يحثّ غرنوقا شهي المجتلى | مقدًَّماً على الغرانيق العلى |
و كل صوع مبهت المفاجي | كالبرق يخطو فوق ليل داجي |
و أبيض مثل الغمام يسجم | وكيف لا يسجم وهو مرزمُ |
يحفه شبيطرٌ قويّ | في ملة الأطيار موسويّ |
هذا وكم ذي نظر ممتاز | ينعت في الواجب بالعُنّاز |
اسوده ذو غرة في الصدر | كأنه نور الهدى في الكفرِ |
فلم تزل قسينا الضواري | تصيبها بأعين النظار |
حتى غدت دامية النحور | ساقطة منها على الخبير |
كأنها وهي لدينا وقع | لدى محاريب القسيّ ركّعُ |
و أصبحت أطيارنا قد حصلت | فلا تسل بأي ذنب قتلت |
مستتبعاً وجه العشا وجه السحر | وكل وجه منهما وجه أغر |
يالك من صيد مقرّ العين | يرضي الصحاب وهو ذو وجهين |
لم نرض ما وفى من الأماني | حتى شفعناه بصيدٍ ثاني |
صيد الملوك الصيد بالكواسر | والخيل في وجه الصباح السافر |
ذاك الذي تصبو له الجوارح | فهي الى طلابه طوامح |
واثقة بالرزق حيث كانا | تغدو خماصاً وتجي بطانا |
سرنا على اسم الله والمناجح | نعوم في الأقطار بالسوابح |
خيل تحاذي الصيد حيث مالا | كأنها أضحت له ظلالا |
تسعى لها قوائم لا تتبع | وكيف لا وهي الرياح الأربع |
رائقة المنظر زهراء الغرر | كأنها الروضات حيّت بالزهر |
من أحمر للبرق عنه خبر | يشهد أن الحسن حقاً أحمرُ |
و أصفر الجلدة كالدينار | يسّر كفّ الصائد الممتار |
و أشهب كالسهم في انقضاضه | وصفحة الطرس في ابيضاضه |
ماضي السباق أظهر اللباس | ناهيك من سهم ومن قرطاس |
و أخضر مثل سنا العيش النضر | يطوى الفلا وكيف لا وهو الخضر |
و أدهمٌ ساد على الجيادِ | وهكذا السواد في السواد |
تحفنا من فوقها غلمان | كأنهم لدوحها أغصان |
تركٌ تريك في سناء الملبس | كواكبا طالعة في الأطلسِ |
منظومة الأوساط بالسلاح | من كلّ سهم رجلُ الجناح |
و كل عضب ذرب المقاطع | يحرّف الهام عن المواضع |
على يد الزائر منهم زاده | من كل باز قرم فؤاده |
قد كتبت في شكله حروف | تقري بما يقرى به الضيوف |
فالمنسر الأشفى بحال جيما | والعين تجلى بالنضار ميما |
دان لمن يتلوه خير جمّ | سهم إذا حبرته أو شهم |
و كل شاهينٍ شهيّ المرتمى | كبارقٍ طار وصوب قد همى |
بينا تراه ذاهباً لصيده | معتصماً بأيده وكيده |
حتى تراه عائداً من أفقه | ملتزماً طائره في عنقه |
أفلح من كان على يسراه | حتى غدت حاسدة يمناه |
تلك يد لا تعرف الاعسارا | لأجل ذا قد سميّت يسارا |
و كل صقر مسبل الجناح | مواصل الغدوّ والرواح |
ذو مقلة لها ضرام واقد | تكاد تشوي ما يصيد الصائد |
كأنما المخلب منه منجل | لحصد أعمار الطيور مرسل |
عيش ذوي الصيد به عيش رخي | يصلح أن يدعى وكيل المطبخ |
يا حبذا طيور جدّ ولعب | تهوي الى الأرض وللأفق تثب |
من سنقر عالي المدا والشان | معظم الأخبار والعيان |
كأنه خليفة قد أقدما | يفسد الأرض ويسفك الدما |
يصعد خلف الرزق ليس يمهله | كأنه من السما يستعجله |
و من عقاب بأسها مروع | كأنها للطير جنّ تفزع |
كم جلبت لطائر من مهن | وكم وكم قد أهلكت من قرنِ |
و حبذا كواسر الكواهي | عديمة الأنظار والأشباه |
مخصومة بالطرد القويم | حدباً كظهر الذنب الركيم |
ذاك لعمري حدبٌ للرائي | يعدل ملك القلعة الحدباء |
هذا وقد تجهزت أعدادُ | تجمعها الكلاب والفهاد |
من كل فهد عنتريّ الحمله | اذا رأى شخص مهاة عبله |
مبارك الإقبال والإعراض | مستقبل الحال بنابٍ ماض |
كأنه من حده كنابه | قد أحرق الأنجم في إهابه |
له على مسائل الجفون | خطّ لبعض الألفات الجون |
ما أبصر المبصر خطا مثله | وكيف لا والخط لابن مقله |
و كل منسوب إلى سلوق | أهرت وثّاب الخطا مشوق |
طاوي الفؤاد ناشر الأظافر | يا عجباً منه لطاوٍ ناشر |
يعض بالبيض ويخطو بالقنا | ويسبق الوهم لإدراك المنى |
كالقوس إلا أنه كالسهم | والغيم يجلو عن شهاب رجم |
اذا ترآى بقر الوحش اندفع | كأنه المريخ في الثور طلع |
قاصرة عن طرفه يداه | مشروطة برجله أذناه |
لو أمكن الشمس التي تجلى له | ما سمّيت من خوفها غزاله |
يشفعه بكل غور غار | مغالب الصيد على الأوكار |
يكاد يبغي سلماً إلى السما | أو نفقاً في الأرض حيث يمما |
واهاً لها من أكلب طوارد | معربة عن مضمر المصائد |
قد بالغت من طمع في كسبها | ففتشت عن أنفسٍ لم تخبها |
حتى اذا تمّت بها الأمور | حفّت بنا لصيدها الطيور |
ما بين روضات صمدنا نحوها | ودور آفاق ملكنا جوّها |
و استقبلت أطيارها البزاة | معلمة كأنها عزاة |
فلم تزل تسطو سطا الحجاج | على الكراكيّ أو الدراج |
اذا نحت سائرة محلقة | عادت بها كمضغة مخلّقة |
حتى غدت تلك الضواري صرعى | مجموعة لدى التراب جمعا |
كأن أقطار الفلاة مجزره | أو روضة من الدماء مزهره |
كأن صرعى وحشها كفار | الموت عقبى أمرها والنار |
للمرء فيها منظرٌ أحبه | يملأ من لحم وشحم قلبه |
لله ذاك المنظر المهنى | إنّ معان عن ذراه عدنا |
قد ملئت من ظفر أيدينا | وقد شكرنا الفضل ما حيينا |
نشير حول الملك المنصور | كالشهب حول القمر المنير |
محمدٌ ناصر دين أحمد | الملك ابن الملك المؤيد |
قال الأنام حظه جلي | قلت نعم وجدّه عليّ |
ذاك الذي سامى العلى صبيا | وجاءه من مهده مهديا |
ناش على الحر وتقليب المنن | كأنما مزجته من اللبن |
بين حجور العلم والاعلام | تكنفه لواحظ الأقلام |
محكم السطوة سحّاح الديم | يأخذ بالسيف ويعطي بالقلم |
لو لمس الصخر لفاض نهراً | أو صحب النجم لعاد بدرا |
تختمت بيمنه المكارمُ | فهو على كل الوجوه حاتمُ |
لا ظلم تلقى في حماه العالي | إلا على الأعداء والأموال |
أما ترى بالصيد فرط حبه | تمرنا على اعتياد حربه |
اما ترى الدينار منه خائفاً | أصفر في كفّ العفاة ناشفا |
يا قاطعاً عرض الفلا وواصلاً | وقادماً يبغي العلى وراحلا |
إذا تأملت المقام الناصري | فاعقد عليه أكرم الخناصر |
ملك إذا حققته قلت ملك | قاضية بسعده أيدي الفلك |
كالبدر في سنائه وتمه | والطود في وقاره وحلمه |
تسجد ان لاح رؤوس العالم | وراثة قد حازها من آدم |
ماضر من خيّم في جنابه | أن لا يكون الشهد من أطنابه |
مرأى يشف عن فخار الأهل | ونسخة قد قوبلت بالأصل |
جنابه عن جاره لا ينكب | وباب نجح للمنى مجرب |
غنيتُ في ظلاله عن الورى | غنى نزيل المزن عن قصد القرى |
و رحت عن نعماه بالتواتر | أروي أحاديث عطا وجابر |
معتصماً بالكرم المؤيد | مصلي الحمد على محمد |
قديم قصد وثناء أو هوى | ما ضلّ سعيٌ فيهما ولا غوى |
يزيد لفظي بهجة ورونقا | كأنه الخمرة إذ تُعتقا |
حسبك مني في الثناء شاعرا | وحسب شعري قوة ً وناصرا |