أرشيف الشعر العربي

مصطفى

مصطفى

مدة قراءة القصيدة : 5 دقائق .

( 1 )

شجرٌ صافٍ ، وســماءٌ خضراءْ

وبرائحةٍ من مومباسا يبتلُّ المــاءْ

وبرائحةٍ من حنّاءِ البحرِ عرفناكِ وسمّـيناكِ . مدينتَـنا !

أيامَ أتيناكِ تعلّـمْنا كيف يدورُ الفِـطْـرُ خبيئاً بين الظلِّ

وبين النخلِ ،

تعلّـمْـنا كيف نؤذِّنُ في العيدِ

وكيف نُلاعبُ أسماكاً هادئةً

كيف نراوغُ حيّاتِ الماء …

وتعلّمـنا أن نجلسَ أحياناً والغيمَ …

كباراً كنّـا ؟

وكباراً كانت قطراتُ المطرِ ؟

اسـتَـرْوَحْـنا زهرَ النوّامِ

عرفنا كيف تكونُ توَيجاتُ الزهرةِ كاللحمِ .

بعيداً في أنهارٍ غامضةِ الأصواتِ نخوضُ .

ومَن أنبتَ هذي العنبةَ عند مُـسنّـاةِ الجامعِ ؟

مكتبةُ المخطوطاتِ الأولى في جيبِ الدشداشةِ .

سافرتُ بعيداً حتى بابِ سـليمانَ

أميري في قلعتهِ النهريةِ كان سجيناً.

حينَ تظاهَـرْنا – طلاّبَ المحموديةِ –

قالوا ستطاردنا الشرطةُ .

دَخَـنّـا في البستان المهجور سجائرَنا الأولى ،

وبكَـينا من خوفٍ .

رائحةُ الأشَـناتِ

السمكُ المـيّتُ في القيظِ …

قناطرُ تحملُـنا

وقناطر تركلنا

وقناطر تغسلنا ،

شُـرُفاتُ أميراتِ الهندِ بعيدةْ

والبستانُ بعيدٌ

بابُ سليمانَ بعيدٌ

والبيتُ بعيدٌ …

والشمسُ التـفّـتْ بالسعَـفِ اللدْنِ ونامت.

..................

..................

رِجْـلُ المعزى

رجْـلُ المسحاةِ

...................

ونسمعُ في العتْـمةِ خطوَ السّـعلاةِ ...

وفي الدمع انطفأتْ نارُ سجائرنا الأولى .

يا حلو ، يا مصطفى

يا قُـرّةً للعينْ

نومَ الهنا ... مصطفى

يا أشهلَ العينينْ

غَـمِّـضْ على خيلنا

والبصرةِ الصّـوبَـين

تحميك بعد النبي

والسادةِ الألفَـين

يحميكَ يا مهجتي

مختارُ " كوتِ الزين "

( 2 )

وردٌ أزرقْ

وسمـاءٌ حمراءْ

وبأسنانِ الكوسجِ يبتلُّ الماءْ

لا بأسَ ، سأفتحُ جرحاً في كفِّـي

لأخبِّـيءَ نجماً

ثم أذرُّ دقيقَ الليفِ عليها

وأقولُ سلاماً يا حمّــالي سفنِ العالمِ

يا عمالَ قطاراتٍ لم تمنحني تذكرةً أو ذاكرةً …

في الليلِ نجوبُ درابينَ الصيفِ

ونفتحُ في جدرانِ رطوبتهِ ثقباً نتنفسُ منهُ ،

ويا أوحالَ صرائفنا ، يا مطرَ الأمطار

فساتينٌ تَـزَّيَّـنُ بالأطمار

وتكتمُ نجماً …

وعباءاتٌ تعتمِـرُ البصرةَ كوخاً كوخاً

ومناشيرٌ تخْـفُقُ تحتَ سماءٍ حمراء …

وبين القُـرنةِ والفاوِ:

بساتينُ النخلِ ، وأزهارُ الملحِ

سلاماً للطالعِ

للطّـلْـعِ

لكل امرأةٍ تحملُ في سُـرّتها نجماً قطبيّـاً

وتُـطَـوِّفُ بين القرنةِ والفاو …

مدينتَـنا !

سبعُ عرائسِ ماءٍ جئنَ إلينا في ليلٍ شتويٍّ ،

قُـلْـنَ لنا : أبصرْنا سربَ كواسجَ يأتي من جهةِ الغربِ ،

فأبحَـرْنا نلقاهُ …

لكنْ بزوارقَ من برديٍّ

من ورقٍ

من سعفٍ هشٍّ

أبحرْنا …

لكنّ البلطةَ كانت تحْـتَـزُّ زوارقَـنا كالماءِ ،

الماءُ سـماءٌ حمراءُ

دمٌ يتدفّـقُ مطلولاً بين القرنةِ والفاوِ ، وهذا الكوسجُ

يبحثُ عن نجمٍ قطبيِّ يأكلهُ .

انفتحتْ بوّاباتُ الغربِ …

مدينتَـنا !

أيَّ طبولٍ نسمعُ في الليلِ الهامدِ …

أيُّ حكاياتٍ يسمعها حتى النخلُ

فيذوي منكفيءَ الجذعِ ،

وأيُّ خريفٍ سيطولُ إلى آخرةِ الدنيا …

يا حلو ، يامصطفى

يا زينة الشبّـانْ

مرّتْ غيومُ العِـدا

مرتْ على " حمدان"

يا حلو ، يا مصطفى

هانَ الذي ما هانْ

بعد الندى والندامى

ضعضعوا البنيانْ

يا حلو ، يا مصطفى

يا سدرة البستانْ

يا ليت شمس الضحى

حنّتْ على الولهانْ

(3 )

تابوتٌ أخضرْ

وسماءٌ بيضاءْ

وبِـطَـلْعِ النخلةِ يبتلُّ الماءْ

في الضفةِ الأخرى : عـمِّـي.

في شاطئنا : كان أبي .

في شط العربِ:

الزورقُ مختبيءٌ بين البرديّ . وحيدٌ .

لم يبقَ من النخلِ سوى أعجازٍ خاويةٍ .

إن سماءً بيضاءَ

سماءً كانت خضراءَ

تمدُّ يديها نحو سماءٍ ثالثةٍ :

" أنا عريانةْ

أنا عريانةْ

ذهبتْ بالنخلِ مدافعُـهمْ

ذهبتْ بالأهلِ مدافنُـهم

أنا عريانةْ "

والبصرةُ تدخلُ تحتَ شوارعها

تدخلُ تحت الماءِ أُجاجاً

تدخل تحت الكتبِ الموصوفةِ

تدخلُ في الروحِ ولا تخرجُ إلاّ والروحَ …

مدينتنا !

مَـن ضيّـعَ عاداتِ النورسِ ؟

من جاءَ بغربانِ الجثثِ الأولى؟

من جاءكِ بالأكياسِ الرمليةِ يا فيروزَ الشطآنْ ؟

من عضَّ سِـباخَـكِ بالقتلى ؟

نهرٌ عبّـاسيٌّ يحفر مجراه

قروناً هذا النهرُ العبّـاسيُّ يتابع مجراه

من أسباخِ الزَّنجِ يتابعُ مجراه

ونحن ، حلمْـنا ، يوماً ، أن نوقفَ بالأيدي مجراه …

مدينتَـنا !

سنظلُّ – وإنْ شِـبْـنا – أطفالَـكِ

نحملُ طلْـعَـكِ في جيبِ الدشداشةِ

نشربُـهُ في حشرجةِ الماء …

مدينتَـنا !

ما ضِـعتِ

وما ضعنا ،

لكنْ ، ضَـيَّـعَـنا الأعداءْ …

يا حلو ، يا مصطفى

يا زينة البصرةْ

نوم الهنا ، مصطفى …

ما أضيقَ الحفرةْ !

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (سعدي يوسف) .

صمت

مائدةٌ للطيرِ والسنجاب

الفصول (3)

استيحاش

بطاقة إلى ممدوح عدوان


فهرس موضوعات القرآن