أرشيف الشعر العربي

الماندولين

الماندولين

مدة قراءة القصيدة : 3 دقائق .

يمكن الكلام عن الماندولين ، إلاّ بلغة الماندولــين . أعني أن اللغةَ المعروفة ( أي التي نعرفُــها )

ليست أداةً للكلام عن الــماندولــين . والسبب بسيطٌ ( جداً ؟ ) … السبب أن ألـ ـ مـا ـ

نْــ ـ دو ـ لِــيْـ ـ نْ ، هي موســيقى . خشــبٌ يُــنْــبِــتُ مــوسـيقى .

لا تَـقُـلْ لي رأسـاً إننــي مرتبكٌ أو مُتَـلـبِّــكٌ … No , no, please ! . أنا بكامل هدوئي.

كنتُ في عدنٍ …

كنتُ خلّـفتُ أرواحَ نجدٍ إلى يَــمَــنٍ

كنتُ في عدنٍ

دَندَنَ العودُ : دانَــى ودانَــى …

ومِـن حَـضرموتَ الأغاني

وقد كنتُ في عدنٍ !

غريبٌ أمْــرُكَ معي ! أقولُ لكَ إن قصّــتي مع الـماندولين حَـقٌّ . بمعنى أنها ليست كما تفهمُ أنتَ الشِعرَ .

أي أنني أتحدّثُ عن ماندولين حقيقيّــة ، من لوحٍ ودمٍ . ماندولين نائمة بارتخاءٍ في صــندوقٍ مبطّـنٍ بمخملٍ أزرق. أتستزيدني؟ حســناً ! أقولُ لكَ إنني ابتعتُها من شـابٍّ كان تدرَّبَ عليها ، في ألـمانيا الديمقراطيّـة ، ثمّ هجرَها ، هنا ، إلى العود ( لا مشكلَ

أَمّـا أنا فـطعامي أنتَ تعرفُــهُ :

قلبُ الشِـفَـلِّـحِ

والـحَـلْـفاءِ

أو ، تَـرَفـاً ، رحيقُ ما أنبَتَ الـبُـرديُّ والقصبُ …

كأننا ، الشعراءَ ، النَّـــوءُ والسُّـحُـبُ !

الهـامُّ ( مَـن يدري ؟ ) ، أن الشابّ قبِــلَ ، بعد ترددٍ هيِّــنٍ ، أن يدرِّسَــني الماندولينَ التي ابتعتُـها منه . الأجرُ على قَــدْرِ المشَــقّــة ( لم يقُلْ هو ذلك … ) . كان يأتي في الضحى العدنيّ الرطبِ مبتسماً

دائماً . يفتح الصندوقَ ، ويُخرجُ الماندولين من نعاسها في المخمل الأزرق . ويقول لي : نبدأ …

نتدرّب على :

آه ، يا زين ، آه يا زين …

آه ، يا زين العابدين

يا وردْ !

يا ورد مفتّح بين البساتين ..

يعلِّــمني كيف أُمسِكُ بمثلّث البلاستيك الدقيق الذي يصل بيني وبين أوتار الماندولين ، مثل ما يصلُ الراهبُ بين الـمرءِ والله . أمضي معه ( طبعاً هي قصّــةُ أســابيعَ ، وإلاّ كيف ؟ ) …

أبلُــغُ : يا ورد …

يا أُمَّ الله المقدّســة !

وبعدَها كيف أمضي ؟

يا ورد / مْـفَـتْ / تَـحْ / بين / ال / بسا/ تين …

لكننــي سـأفِـرُّ من عدنٍ إلى البحر المهدَّدِ بالرصاصِ

سأتركُ البيتَ المعرَّضَ للقذائفِ ، حيثُ أوراقي تَـطايَـرُ

في هواءِ السُّــمِّ والبارودِ …

خلَّـفتُ الحقائبَ كلَّها ؛ وهــي الخفيفةُ . وارتقيتُ

الســُّورَ مرتبكاً :

تركتُ الــمـــانـــدولــيــــــن !

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (سعدي يوسف) .

زاوية للنظر

عرس بنات آوى

كلامٌ فارغٌ

محاولة ثانية في الضباب

الأسماك


مشكاة أسفل ٣