ليالي بعد الظاعنين شكول
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
لَيَاليّ بَعْدَ الظّاعِنِينَ شُكُولُ | طِوالٌ وَلَيْلُ العاشِقينَ طَويلُ |
يُبِنَّ ليَ البَدْرَ الذي لا أُريدُهُ | وَيُخْفِينَ بَدْراً مَا إلَيْهِ سَبيلُ |
وَمَا عِشْتُ مِنْ بَعدِ الأحِبّةِ سَلوَةً | وَلَكِنّني للنّائِبَاتِ حَمُولُ |
وَإنّ رَحِيلاً وَاحِداً حَالَ بَيْنَنَا | وَفي المَوْتِ مِنْ بَعدِ الرّحيلِ رَحيلُ |
إذا كانَ شَمُّ الرَّوحِ أدْنَى إلَيْكُمُ | فَلا بَرِحَتْني رَوْضَةٌ وَقَبُولُ |
وَمَا شَرَقي بالمَاءِ إلاّ تَذكّراً | لمَاءٍ بهِ أهْلُ الحَبيبِ نُزُولُ |
يُحَرّمُهُ لَمْعُ الأسِنّةِ فَوْقَهُ | فَلَيْسَ لِظَمْآنٍ إلَيْهِ وُصُولُ |
أما في النّجوم السّائراتِ وغَيرِهَا | لِعَيْني عَلى ضَوْءِ الصّباحِ دَليلُ |
ألمْ يَرَ هذا اللّيْلُ عَيْنَيْكِ رُؤيَتي | فَتَظْهَرَ فيهِ رِقّةٌ وَنُحُولُ |
لَقيتُ بدَرْبِ القُلّةِ الفَجْرَ لَقْيَةً | شَفَتْ كَبِدي وَاللّيْلُ فِيهِ قَتيلُ |
وَيَوْماً كأنّ الحُسْنَ فيهِ عَلامَةٌ | بعَثْتِ بهَا والشّمسُ منكِ رَسُولُ |
وَما قَبلَ سَيفِ الدّوْلَةِ کثّارَ عاشِقٌ | ولا طُلِبَتْ عندَ الظّلامِ ذُحُولُ |
وَلَكِنّهُ يَأتي بكُلّ غَريبَةٍ | تَرُوقُ عَلى استِغْرابِها وَتَهُولُ |
رَمَى الدّرْبَ بالجُرْدِ الجيادِ إلى العِدى | وَما عَلِمُوا أنّ السّهامَ خُيُولُ |
شَوَائِلَ تَشْوَالَ العَقَارِبِ بالقَنَا | لهَا مَرَحٌ مِنْ تَحْتِهِ وَصَهيلُ |
وَما هيَ إلاّ خَطْرَةٌ عَرَضَتْ لَهُ | بحَرّانَ لَبّتْهَا قَناً وَنُصُولُ |
هُمَامٌ إذا ما هَمّ أمضَى هُمُومَهُ | بأرْعَنَ وَطْءُ المَوْتِ فيهِ ثَقيلُ |
وَخَيْلٍ بَرَاهَا الرّكضُ في كلّ بلدةٍ | إذا عَرّسَتْ فيها فلَيسَ تَقِيلُ |
فَلَمّا تَجَلّى مِنْ دَلُوكٍ وَصَنْجةٍ | عَلَتْ كلَّ طَوْدٍ رَايَةٌ وَرَعيلُ |
على طُرُقٍ فيها على الطُّرْقِ رِفْعَةٌ | وَفي ذِكرِها عِندَ الأنيسِ خُمُولُ |
فَمَا شَعَرُوا حَتى رَأوْهَا مُغِيرَةً | قِبَاحاً وَأمّا خَلْقُها فَجَميلُ |
سَحَائِبُ يَمْطُرْنَ الحَديدَ علَيهِمِ | فكُلُّ مَكانٍ بالسّيوفِ غَسيلُ |
وَأمْسَى السّبَايَا يَنْتَحِبنَ بعِرْقَةٍ | كأنّ جُيُوبَ الثّاكِلاتِ ذُيُولُ |
وَعادَتْ فَظَنّوهَا بمَوْزَارَ قُفّلاً | وَلَيسَ لهَا إلاّ الدّخولَ قُفُولُ |
فَخاضَتْ نَجيعَ القَوْمِ خَوْضاً كأنّهُ | بكُلِّ نَجيعٍ لمْ تَخُضْهُ كَفيلُ |
تُسايِرُها النّيرانُ في كلّ مَنزِلٍ | بهِ القوْمُ صَرْعَى والدّيارُ طُلولُ |
وَكَرّتْ فمَرّتْ في دِماءِ مَلَطْيَةٍ | مَلَطْيَةُ أُمٌّ للبَنِينَ ثَكُولُ |
وَأضْعَفْنَ ما كُلّفْنَهُ مِنْ قُباقِبٍ | فأضْحَى كأنّ الماءَ فيهِ عَليلُ |
وَرُعْنَ بِنَا قَلْبَ الفُراتِ كأنّمَا | تَخِرُّ عَلَيْهِ بالرّجالِ سُيُولُ |
يُطارِدُ فيهِ مَوْجَهُ كُلُّ سابحٍ | سَواءٌ عَلَيْهِ غَمْرَةٌ وَمسيلُ |
تَراهُ كأنّ المَاءَ مَرّ بجِسْمِهِ | وَأقْبَلَ رَأسٌ وَحْدَهُ وتَليلُ |
وَفي بَطْنِ هِنريطٍ وَسِمْنينَ للظُّبَى | وَصُمِّ القَنَا مِمّنْ أبَدْنَ بَدِيلُ |
طَلَعْنَ عَلَيْهِمْ طَلْعَةً يَعْرِفُونَها | لهَا غُرَرٌ مَا تَنْقَضِي وَحُجُولُ |
تَمَلُّ الحُصُونُ الشُّمُّ طُولَ نِزالِنَا | فَتُلْقي إلَيْنَا أهْلَهَا وَتَزُولُ |
وَبِتْنَ بحصْنِ الرّانِ رَزْحَى منَ الوَجى | وَكُلُّ عَزيزٍ للأمِيرِ ذَلِيلُ |
وَفي كُلِّ نَفْسٍ ما خَلاهُ مَلالَةٌ | وَفي كُلِّ سَيفٍ ما خَلاهُ فُلُولُ |
وَدُونَ سُمَيْساطَ المَطامِيرُ وَالمَلا | وَأوْدِيَةٌ مَجْهُولَةٌ وَهُجُولُ |
لَبِسْنَ الدّجَى فيها إلى أرْضِ مرْعَشٍ | وَللرّومِ خَطْبٌ في البِلادِ جَليلُ |
فَلَمّا رَأوْهُ وَحْدَهُ قَبْلَ جَيْشِهِ | دَرَوْا أنّ كلَّ العالَمِينَ فُضُولُ |
وَأنّ رِمَاحَ الخَطّ عَنْهُ قَصِيرَةٌ | وَأنّ حَديدَ الهِنْدِ عَنهُ كَليلُ |
فأوْرَدَهُمْ صَدْرَ الحِصانِ وَسَيْفَهُ | فَتًى بأسُهُ مِثْلُ العَطاءِ جَزيلُ |
جَوَادٌ عَلى العِلاّتِ بالمالِ كُلّهِ | وَلَكِنّهُ بالدّارِعِينَ بَخيلُ |
فَوَدّعَ قَتْلاهُمْ وَشَيّعَ فَلَّهُمْ | بضَرْبٍ حُزُونُ البَيضِ فيهِ سُهولُ |
على قَلْبِ قُسْطَنْطينَ مِنْهُ تَعَجّبٌ | وَإنْ كانَ في ساقَيْهِ مِنْهُ كُبُولُ |
لَعَلّكَ يَوْماً يا دُمُسْتُقُ عَائِدٌ | فَكَمْ هارِبٍ مِمّا إلَيْهِ يَؤولُ |
نَجَوْتَ بإحْدَى مُهْجَتَيْكَ جرِيحةً | وَخَلّفتَ إحدى مُهجَتَيكَ تَسيلُ |
أتُسْلِمُ للخَطّيّةِ ابنَكَ هَارِباً | وَيَسْكُنَ في الدّنْيا إلَيكَ خَليلُ |
بوَجْهِكَ ما أنْساكَهُ مِنْ مُرِشّةٍ | نَصِيرُكَ منها رَنّةٌ وَعَوِيلُ |
أغَرّكُمُ طولُ الجُيوشِ وَعَرْضُهَا | عَليٌّ شَرُوبٌ للجُيُوشِ أكُولُ |
إذا لم تَكُنْ للّيْثِ إلاّ فَريسَةً | غَذاهُ وَلم يَنْفَعْكَ أنّكَ فِيلُ |
إذا الطّعْنُ لم تُدْخِلْكَ فيهِ شَجاعةٌ | هيَ الطّعنُ لم يُدخِلْكَ فيهِ عَذولُ |
وَإنْ تَكُنِ الأيّامُ أبْصَرْنَ صَوْلَهُ | فَقَدْ عَلّمَ الأيّامَ كَيفَ تَصُولُ |
فَدَتْكَ مُلُوكٌ لم تُسَمَّ مَوَاضِياً | فإنّكَ ماضِي الشّفْرَتَينِ صَقيلُ |
إذا كانَ بَعضُ النّاسِ سَيفاً لدَوْلَةٍ | فَفي النّاسِ بُوقاتٌ لهَا وطُبُولُ |
أنَا السّابِقُ الهادي إلى ما أقُولُهُ | إذِ القَوْلُ قَبْلَ القائِلِينَ مَقُولُ |
وَما لكَلامِ النّاسِ فيمَا يُريبُني | أُصُولٌ ولا للقائِليهِ أُصُولُ |
أُعَادَى على ما يُوجبُ الحُبَّ للفَتى | وَأهْدَأُ وَالأفكارُ فيّ تَجُولُ |
سِوَى وَجَعِ الحُسّادِ داوِ فإنّهُ | إذا حلّ في قَلْبٍ فَلَيسَ يحُولُ |
وَلا تَطْمَعَنْ من حاسِدٍ في مَوَدّةٍ | وَإنْ كُنْتَ تُبْديهَا لَهُ وَتُنيلُ |
وَإنّا لَنَلْقَى الحادِثاتِ بأنْفُسٍ | كَثيرُ الرّزايا عندَهنّ قَليلُ |
يَهُونُ عَلَيْنَا أنْ تُصابَ جُسُومُنَا | وَتَسْلَمَ أعْراضٌ لَنَا وَعُقُولُ |
فَتيهاً وَفَخْراً تَغْلِبَ ابْنَةَ وَائِلٍ | فَأنْتِ لخَيرِ الفاخِرِينَ قَبيلُ |
يَغُمُّ عَلِيّاً أنْ يَمُوتَ عَدُوُّهُ | إذا لم تَغُلْهُ بالأسِنّةِ غُولُ |
شَريكُ المَنَايَا وَالنّفُوسُ غَنيمَةٌ | فَكُلُّ مَمَاتٍ لم يُمِتْهُ غُلُولُ |
فإنْ تَكُنِ الدّوْلاتُ قِسْماً فإنّهَا | لِمَنْ وَرَدَ المَوْتَ الزّؤامَ تَدُولُ |
لِمَنْ هَوّنَ الدّنْيا على النّفسِ ساعَةً | وَللبِيضِ في هامِ الكُماةِ صَليلُ |