أبدى لِداعي الفوزِ وجْهَ مُنيبِ
مدة
قراءة القصيدة :
7 دقائق
.
أبدى لِداعي الفوزِ وجْهَ مُنيبِ | وأفاق من عذلٍ ومن تأنيبِ |
كلِفَ الجنانِ إذا جَرى ذِكرُ الحِمى | والبانِ حنَّ له حنينَ النِّيبِ |
والنَّفسُ لا تنفكُّ تكلفُ بالهوى | والشيْبُ يلحظُها بعينِ رَقيب |
رحَل الصِّبا فطرحْتُ في أعقابِهِ | ما كان من غزْلٍ ومن تشبيبِ |
أترى التَّغزُّل بعد أن رحل الصِّبا | شأني الغداة َ أو النَّسيب نسيبي |
أنَّى لمثلي بالهوى من بعدِ ما | للوخطِ في الفَودين أي دبيبِ |
لبِسَ البياض وحلَّ ذروة َ منبرٍ | منِّي ووالي الوعْظَ فِعل خطيب |
قد كان يستُرُني ظلامُ شَبيبتي | واليومَ يفضَحُني صباح مشيبي |
وإذا الجديدانِ استجدَّا أبليا | من لِبسة ِ الأعمار كلَّ قشيبِ |
سلني عن الدَّهرِ الخؤونِ وأهلِهِ | تسَلِ المهلَّب عن حروبِ شبيبِ |
متقلَّبُ الحالات فاخبرْ تقلِهِ | مهما أعدت يداً إلى تقليبِ |
فكل الأمورَ إذا اعترتْكَ لربِّها | ما ضاق لطفُ الربِّ عن مربوبِ |
قد يخبأُ المحبوبِ في مكروهِها | من يخبأُ المكروهَ في المحبوب |
واصبر على مضضِ اللَّيالي إنها | كحوامِلِ ستلدنَ كلَّ عجيب |
واقنعْ بحظٍّ لم تنَلْهُ بحيلة ٍ | ما كلُّ رامٍ سهمَهُ بمُصيب |
يقع الحريصُ على الرَّدى ولكُم غَدا | تركُ التَّسبُّب أنفعُ التَّسبيبِ |
من رامَ نيْلَ الشيءِ قبل أوانِهِ | رام انتقالَ يلمْلَمِ وعسيبِ |
فإذا جعلتَ الصَّبر مفزع مُعضلٍ | عاجلْتَ علَّتهُ بطب طبيبِ |
وإذا استعنْتَ على الزَّمان بفارسٍ | لبَّى نداءك منهُ خيرُ مجيب |
بخليفة ِ الله في كفِّه | غيثٌ يروِّض ساح كلَّ جديبِ |
المنتقى من طينة ِ المجدِ الذي | ما كان يوماً صرفُهُ بِمشوب |
يرمي الصِّعاب بسعدِهِ فيقودها | ذُللاً على حَسَبِ الهوى المرغوب |
ويرى الحقائِقَ من وراء حِجابِها | لا فرق بين شهادة ٍ ومَغيب |
من آل عبدِ الحق حيث توشحت | شُعبُ العلا وربَتْ بأيِّ كثيب |
أسُدُ الشَّرى سرج الوَرى فمقامُهُم | لله بين محارِبِ وحُروب |
إمَّا دعا الداعي وثوَّبَ صارِخاً | ثابوا وأمُّوا حومة َ التثويب |
شُهبٌ ثواقب والسماءُ عجاجة ٌ | تأثيرها قد صحَّ بالتجريب |
ما شئتَ في آفاقها من رامحٍ | يبدو وكفٍّ بالنجيع خضيب |
عجبت سيوفهُمْ لشدَّة بأسهِمْ | فتبسَّمْت والجوُّ في تقطيب |
نُظموا بلبّاتِ العلا واستوسقوا | كالرُّمح أنبوباً على أنبوب |
تروي العواليَ في المعالي عنهُم | أثر النَّدى المولودَ والمكسوب |
عن كل موثوقٍ به إسنادُهُ | بالقطع أو بالوضعِ غيرُ مَعيب |
فأبو عِنانٍ عن عليِّى غضَّة ً | للنقل عن عثمانَ عن يعقوب |
جاءوا كما اتَّسق الحسابُ أصالة ً | وغدا فذلك ذلك المكتوبِ |
متجسِّدا من جوهرِ النُّور الذي | لم ترمَ يوماً شمسُهُ بغُروب |
متألقاً من مطلعِ الحق الذي | هو نورُ أبصار وسرُّ قُلوب |
قُل للزَّمان وقد تبسَّم ضاحكاً | من بعد طول تجهُّم وقطوب |
هي دعوة الحق التي أوضاعُها | جمعت من الآثارِ كلًّ غريب |
هي دولة ُ العدلِ الذي شمِلَ الورى | فالشاة ُ لا تخشى اعتداءَ الذيبِ |
لو أن كسرى الفُرْس أدرك فارساً | ألقى إليه بتاجِهِ المعصوب |
لمَّا حللتُ بأرضه متملئاً | ما شئتُ من بِرِّ ومن ترحيبِ |
شملَ الرضا فكأنَّ كل أقاحَة | ترمي بثغرٍ للسلامِ شنيب |
وأتيتُ في بحر القِرى أمَّ القُرى | حتى حططتُ بمرفأ التّقريب |
فرأيتُ أمرَ الله من ظلِّ التُّقى | والعدل حتى سُرادِق مضروبِ |
ورأيتُ سيفَ الله مطرورَ الشَّبا | يمضي القضاءُ بحدِّه المرهوبِ |
وشهدتُ نور الله ليسَ بآفل | والدِّين والدنيا علَى ترتيبِ |
وورَدْتُ بحرَ العلم يقذِفُ موجُهُ | للناس من دررِ الهدى بضروب |
لله من شيم كأزهارِ الرُّبا | غبَّ انثيال العارِضِ المسكوبِ |
وجمالِ مرأى في رداءِ مهابة | كالسيفِ مصقولِ الفرَنْدِ مهيب |
يا جنة ً فارقتُ من غرُفاتها | دار القرارِ بما اقتضتْهُ ذنوبي |
أسفي على ما ضاع من حظِّي بها | لا تنقضي ترحاتُهُ ونحيبي |
إن أشرقَتْ شمسٌ شرقت بعبرتي | وتفيضُ في وقت الغروبِ غروبي |
حتى لقد علمت ساجعة ُ الضُّحى | شجوي وجانِحَة ُ الأصيل شُحوبي |
وشهادَة ُ الإخلاص توجبُ رِحْلتي | لنعيمها من غيْر مسَّ لغوب |
يا ناصرَ الحق العريبِ وأهلُهُ | أنضاءُ مسغبة ٍ وفلُّ خطوب |
حقِّقْ ظنون بنيه فيك فإنهُمْ | يتعلَّلون بوعدِكَ المرقوبِ |
ضاقَتْ مذاهب نصرهِمْ فتعلَّقوا | بجناب عزِّ من عُلاك رحيبِ |
ودَجا ظلامُ الكفرِ في آفاقِهم | أو ليس صُبحكَ منهمُ بقريب |
فانظر بعينِ العزِّ من ثُغر غدا | حذر العِدا يرنوا بطرفِ مُريب |
نادتْكَ أندلسٌ ومجدك ضامنٌ | ألا تخيب لديكَ في مطلوبِ |
غَصب العدوُّ بلادها وحسامُك | الماضي الشَّبا مسترجعُ المغصوب |
أرِها السَّوابح في المجاز حقيقة ً | من كلِّ قعدة ِ مجربٍ وجنيب |
يتأوَّدُ الأسلُ المثقف فوقَها | وتجيبَ صاهلة ٌ رُغاءَ نجيبِ |
والنَّصرُ يضحِكَ كل مبْسَم غرَّة | والفتح معقودٌ بكلِّ سَبيب |
والروم فارم بكلِّ رجم ثاقبٍ | يُذكي بأربعِها شُواظ لهيب |
بذوابل السُّلب التي تركَتْ بني | زيَّان بين مجدَّلٍ وسَليب |
وأضِفْ إلى لام الوَغا ألفَ القَنا | تظهَرْ لديْكَ علامة ُ التَّغليب |
إن كنْتَ تعجمُ بالعزائِم عودَها | عودُ الصَّليب اليوْمَ غيرُ صليبِ |
ولكَ الكتائبُ كالخمائِل أطلعَتْ | زهرَ الأسنَّة فوق كلِّ قضيبِ |
فمُرنَّح العِطفين لا من نشوة ٍ | ومورَّد الخدين غيرُ مُريب |
يبدو سدادُ الرَّأي في راياتِها | وأموُرها تجري على تجريب |
وترى الطُّيور عصائباً من فوقها | لحلول يوم في الضّلالِ عسيبِ |
هذَّبْتَها بالعرض يذكر يومُهُ | عرض الوَرى للموعِدِ المكتوب |
وهي الكتائبُ إن تُنوسي عرضُها | كانت مدوَّنة ً بلا تهذيبِ |
حتى إذا فرضَ الجلادُ جدالَهُ | ورأيت ريحَ النَّصر ذاتَ هُبوب |
قدَّمْت سالبة العدوِّ وبعدها | أخرى لعزِّ النَّصر ذات وُجوب |
وإذا توسط فضل سيفك عندها | جزأي قياسك فزت بالمطلوب |
وتبرأ الشيطانُ لمَّا أن علا | حزبُ الهدى من حزبِهِ المغلوب |
الأرضُ إرثٌ والمطامعُ جمَّة ٌ | كل يهشُّ إلى التماس نصيبِ |
وخلائفَ التَّقوى هم ورَّاثها | فإليكها بالحظ والتَّعصيبِ |
لكأنَّني بك قد تركْتَ ربوعَها | قفراً بكر الغزوِ والتَّعقيبِ |
وأقمتَ فيها مأتماً لكنه | عرسٌ لنسر في الفلاة َ وذيبِ |
وتركتَ مُفْلتها بقلبٍ واجبٍ | رهباً وخدٍّ بالأسى مندوب |
تبكي نوادِبُها وينقلن الخُطا | من شلو طاغية ٍ لشلو صليب |
جعل الإلهُ البيت منك مثابة ً | للعاكفينَ وأنت خيرُ مُثيب |
فإذا ذُكرْتَ كأن هبَّات الصَّبا | فضَّت بمدرجها لطيمة َ طيبِ |
لولا ارتباطُ الكونِ بالمعنى الذي | قصُرَ الحِجا عن سرِّه المحجوب |
قلنا لعالمِكَ الذي شرَّفْتَهُ | حسدا البسيطُ مزية َ التَّركيبِ |
ولأجلِ قُطرِكَ شمسُها ونجومها | عدلت عن التَّشريقِ للتَّغريبِ |
تبدو بمطلعِ أفقِها فضيَّة ً | وتغيب عندكَ وهي في تذهيبِ |
مولاي أشواقي إليك تهُزُّني | والنارُ تفضَعُ عرفَ عودِ الطَّيبِ |
بِحُلى علاك أطلْتُها وأطبْتُها | ولكم مُطيل وهو غير مُطيب |
طالبْتُ أفكاري بفرض يديها | فوفَتْ بشرط الفوْزِ والترتيبِ |
متنبىء أنا في حُلى تلك العُلا | لكنَّ شِعري فيك شِعرُ حَبيب |
والطَّبعُ فحلٌ والقريحَة ُ حرَّة ٌ | فاقبلهُ بين نجيبة ِ ونجيب |
لكنَّني سهَّلتها وأدلتُها | من كلِّ وحشي بكلِّ ربيبِ |
هابَتْ مقامَكَ فاطبيت صِعابَها | حتى غَدَتْ ذُللاً على التدريب |
إن كنت قد قاربْتُ في تعديلِها | لا بدَّ في التعديل من تقْريب |
عُذرى لتَقْصري وعجزي ناسِخٌ | ويحلُّ منك العفوُّ عن تَثريب |
من لم يَدِنْ لله فيك لقُربِهِ | هو من جنابِ الله غيرُ قَريب |
والله ما أخفيتُ حُبَّك خيفة ً | إلا وأنفاسي عليَّ تشي بي |