قد اختَلّ الأنامُ بغيرِ شَكٍّ،
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
قد اختَلّ الأنامُ بغيرِ شَكٍّ، | فجدّوا في الزّمانِ وألعَبوهُ |
وظَنّوا أنّ بوهَ الطّيرِ صَقرٌ، | بجَهلِهمُ، وأنّ الصّقرَ بُوهُ |
وَوَدّوا العيشَ في زمنٍ خؤونٍ، | وقدْ عَرَفوا أذاهُ وجَرّبُوه |
ويَنشأُ ناشىءُ الفتيانِ، مِنّا | على ما كانَ عَوّدَهُ أبُوه |
وما دانَ الفتى بحِجًا، ولكنْ | يُعَلّمُهُ التّدَيّنَ أقرَبُوه |
وطِفلُ الفارسيّ لهُ وُلاةٌ، | بأفعالِ التَمَجّسِ دَرّبوه |
وضمّ النّاسَ كلَّهمُ هَواءٌ، | يُذلَّلُ، بالحوادثِ، مُصعَبوه |
لَعلّ المَوتَ خَيرٌ للبرايا، | وإنْ خافَوا الرّدى وتَهَيّبوه |
أطاعوا ذا الخداعِ وصَدّقوه، | وكم نَصَحَ النّصيحُ، فكَذَّبوه |
وجاءَتنا شرائعُ كلّ قومٍ، | على آثارِ شيءٍ رَتّبُوه |
وغَيّرَ بَعضُهُمْ أقوالَ بَعضٍ، | وأبطَلَتِ النُّهَى ما أوْجَبوه |
فلا تَفرَحْ، إذا رَجّبتَ فيهمْ، | فقد رَفَعوا الدّنيَّ، ورَجّبُوه |
وبَدّلَ ظاهرَ الإسلامِ رَهطٌ، | أرادوا الطّعنَ فيهِ وشذّبُوه |
وما نَطَقُوا بهِ تَشبيبُ أمْرٍ، | كما بَدأ المَديحَ مشَبِّبوه |
ويُذكرُ أنّ، في الأيّامِ، يوماً، | يَقومُ من الترابِ مغيَّبوه |
وما يحدُثْ، فإنّا أهلُ عصرٍ، | قَليلٌ، في المَعاشرِ، مُنجبوه |
صَحِبنا دَهرَنا دهراً، وقِدْماً | رأى الفَضلاءُ أنْ لا يَصحَبوه |
وغِيظَ به بنوهُ وغِيظَ منهمْ، | فعَذّبَ ساكِنيهِ وعَذّبوه |
ومن عاداتِهِ في كلّ جيلٍ | غَذاهُ، أن يَقِلّ مهَذَّبوه |
أساءَ بغَيّهِ أدَباً علَيهمْ، | فهَلْ من حيلَةٍ، فيؤدِّبوه؟ |
وما يخشَى الوَعيدَ، فيوعدوهُ؛ | ولا يَرعَى العِتابَ، فيُعتِبوه |
وهلْ تُرجَى الكرامةُ من أوانٍ، | وقدْ غلَبَ الرّجالَ مغلَّبوه؟ |
وهلْ، من وقتِهم، أبغى وأطغى، | على أيّ المَذاهبِ قَلّبُوه؟ |
أجَلّوا مُكثِراً، وتَنصّفوه؛ | وعابوا مَنْ أقَلَّ، وأنّبُوه |
ولم يَرْضَوْا ، لما سكنوه، شِيداً، | إلى أن فضّضوه وأذهبوه |
فإنْ يأكُلْهُمُ أسَفاً وحِقداً، | فقَد أكَلَ الغَزالَ مُرَبِّبوه |
وتلكَ الوحشُ، ما جادوا عليها | بعُشبٍ، غِبَّ نَدٍّ عَشّبوه |
يَسورُ الكَلبُ مُجتَهِداً إلَيها، | ويَحظى، بالقنيصِ، مُكلِّبوه |
رَجَوْا أن لا يخيبَ لهم دُعاءٌ، | وكم سألَ الفَقيرُ، فخَيّبُوه |
وما شأنُ اللّبيبِ بغَيرِ سِلْمٍ، | وإنْ شَهِدَ الوَغَى متَلَبِّبُوه |
ألَظّوا بالقَبيحِ، فتابَعوهُ، | ولوْ أُمروا به لتَجَنّبوه |
نهاهمْ عن طِلابِ المالِ زُهدٌ، | ونادى الحِرْصُ: وَيبَكُمُ اطلبوه |
فألقاها إلى أسماعِ غُثْرٍ، | إذا عَرَفوا الطّريقَ تَنكّبوه |
سَعَوا بَينَ اقترابٍ واغترابٍ، | يَمُوتُ بغَصّةٍ متَغَرِّبوه |
غَدَوْا قوتاً لمثلِهمُ، تَساوى | خَبيثوهُ، لديهِ، وأطيَبوه |
مضَتْ أُمَمٌ على شرخِ اللّيالي، | إذا عَمَدوا لعَقْدٍ أرّبوه |
وكم تَرَكوا لَنا أثَراً مُنيفاً، | يَعُودُ بآيَةٍ متأوِّبُوه |
لقد عَمَروا، وأقسَمَتِ الرّزايا؛ | لَبِئسَ الرّهطُ رَهْطٌ خَرّبوه |
فإمّا عاثَ فيهِ حاسِدُوهُ؛ | وإمّا غَالَهُ مُتكَسِّبوه |
وللأرَمَينِ خَطْبٌ مُستَفيضٌ، | يَعومُ بلُجّهِ مُتَعَجِّبوه |
ولو قدَروا على إيوانِ كِسرى، | لَسامُوهُ الرّدى، وتَعَقّبوه |
وقد مَنّوا برزقِ اللَّهِ جَهلاً، | كأنّهُمُ لباغٍ سَبّبوه |
إذا أصحابُ دِينٍ أحكَموهُ، | أذالوا ما سِواهُ وعَيّبُوه |
وقد شهِدَ النّصارى: أنّ عيسَى | توَخّتْهُ اليَهودُ، ليَصلِبوه |
وقد أبَهُوا، وقد جَعلوه رَبّاً، | لئَلاّ يَنقَصُوهُ ويَجدُبُوه |
تَمُجُّ قلوبُهمْ ما أُودِعَتْهُ؛ | لسوءٍ في الغَرائزِ، أُشرِبوه |
أضاعوا السرَّ لمّا استُحفِظوهُ؛ | وقد صانوا الأديمَ وسرّبوه |
لهم نَسَبُ الرَّغامِ، وذاكَ طُهرٌ، | ولم يَطْهُرْ بهِ متَنَسِّبُوه |
ونُبّىء، في بني يعقوبَ، موسَى | بشَرْعٍ ما تَخَلّصَ مُتعَبوه |
وقد نضَتِ النّواظرُ، كلَّ عامٍ، | وأترابُ السّعادَةِ مُتربوه |
على حَجَرٍ لهم تَهوي جبالٌ، | ولم يَستَعْفِ ذَنباً مُذنِبوه |
ودونَ الأبيَضِ المُشتارِ زُغبٌ | لَواسِبُ، عُقنَهمْ أن يَلسِبوه |
وقد ركبَ الذينَ مَضوا سَبيلاً | إلى عَليائِهمْ، لم يَرْكَبوه |
وحبلُ العيشِ منتَكِثٌ ضَعيفٌ، | ونعمَ الرأيُ أنْ لا تجذِبُوه |
وما فَعلَوه، ولكنْ باكَروهُ | بأسبابِ الحِمامِ، فقَضّبوه |
فمن سَيفٍ، ومن رُمحٍ وسهمٍ، | ونَصْلٍ أرْهَفُوهُ وذَرّبُوه |
وما دَفعَتْ عن المَلِكِ المَنايا | مقانِبُهُ، ولا متَكَتِّبوه |
حَسِبتمْ يا بني حَوّاءَ شَيئاً، | فَجاءكُمُ الذي لم تحسبوهُ |
وجيرانُ الغَريبِ مُبَغِّضوه | إلى جُلاّسِهم، ومحبِّبوه |
فإنْ يُولُوا قَبيحاً يذكُروهُ؛ | وإنْ يَحبُوا يَشيعوا ما حَبوه |
تَقولُ الهِندُ: آدَمُ كانَ قِنّاً | لَنا، فسرَى إلَيهِ مخبِّبوه |
أولئِكَ يَحرِقونَ المَيتَ نُسكاً، | ويُشعِرُهُ لُباناً مُلهِبُوه |
ولو دفَنوهُ في الغَبراءِ، جاءتْ | بما يَسعَى لَهُ مُتَألِّبوه |
أُديلَ الشرُّ منكم، فاحذَرُوه، | وماتَ الخَيرُ منكمْ، فاندبوه |