عرفت بأعلى رائسبعدما
مدة
قراءة القصيدة :
13 دقائق
.
عَرَفْتُ بأعَلى رَائِسبَعْدَمَا | مَضَتْ سَنَةٌ أيّامُهَا وَشُهُورُهَا |
مَنَازلُ أعْرَتْهَا جُبَيرَةُ، وَالتَقَتْ | بِهَا الرّيحُ شَرْقِيّاتُهَا وَدَبُورُها |
كأنْ لمْ يُحَوِّضْ أهلُها الثَّوْرَ يجتني | بحافاتِها الخَطْميَّ غَضّاً نَضِيرُها |
أناةٌ كَرِئْمِ الرّمْلِ نَوّامَةُ الضُّحَى، | بَطيءٌ على لَوْثِ النِّطاقِ بُكُورُها |
إذا حُسِرَت عَنها الجَلابيبُ وَارْتَدَتْ | إلى الزّوْجِ مَيّالاً يَكَادُ يَصُورُها |
وَمرْتَجّةِ الأرْدافِ مِنْ آلِ جَعفَرٍ | مُخَضَّبَةِ الأطْرَافِ بِيض نُحورُها |
تَعِجّ إلى القَتْلى عَلَيْها تَساقَطَتْ، | عَجيجَ لِقاحٍ قَدْ تَجاوَبَ خورُها |
كَأنّ نَقاً مِنْ عَالِجٍ أزَّرَتْ بِهِ | بحَيْثُ التَقَتْ أوْرَاكُها وَخُصُورُها |
فَقَدْ خِفتُ من تَذَرَافِ عَيْنيّ إثْرَها | عَلى بَصَرِي، وَالعَينُ يَعمى بَصِيرُها |
تَفَجّرَ مَاءُ العَينِ كُلَّ عَشِيّةٍ، | وَللشّوْقِ ساعاتٌ تَهِيجُ ذُكُورُها |
وَما خِفتُ وَشْكَ البَينِ حَتى رَأيْتُها | يُساقُ على ذاتِ الجَلاميدِ عِيرُها |
وَما زلتُ أُزْجي الطرْفَ من حيثُ يمّمَتْ | من الأرْض حتى رَدّ عَيني حَسيرُها |
فَرَدّ عَليّ العَينَ، وَهْيَ مَرِيضَةٌ، | هذالِيلُ بَطْنِ الرّاحَتَينِ وَقُورُها |
تَحَيّرَ ذاوِيها، إذ اضْطَرَدَ السَّفَا، | وَهاجَتْ لأيّامِ الثُّرَيّا حَرُورُها |
أتْصْرِفُ أجْمَالَ النّوَى شاجِنِيّةٌ، | أمِ الحَفَرُ الأعْلى بِفَلْجٍ مَصِيرُها |
وَما مِنْهما إلاّ بِهِ دِيَارِهَا | مَنازِلُ أمْسَتْ ما تَبِيدُ سُطُورُها |
وَكائِنْ بها مِنْ عَينِ باكٍ وَعَبْرَةٍ، | إذا امتُرِيَتْ كانَتْ سَرِيعاً دُرُورُها |
تَرَى قَطَنٌ أهْلَ الأصَارِيمِ، إنّهُ | غَنيّ إذا مَا كَلّمَتْهُ فَقِيرُها |
تَهادَى إلى بَيْتِ الصّلاةِ كَأنّهَا | على الوَعثِ ذو ساقٍ مَهيضٍ كسيرُها |
كَدُرّةِ غَوّاصٍ رَمَى في مَهِيبَةٍ | بأجْرَامِهِ، وَالنّفسُ يخشَى ضَمِيرُها |
مُوَكَّلَةً بالدُّرّ خَرْسَاءَ قَدْ بكَى | إلَيْهِ مِنَ الغَوّاصِ مِنها نَذِيرُها |
فقالَ أُلاقي المَوْتَ أوْ أُدْرِكُ الغِنى | لِنَفْسِيَ، وَالآجالُ جَاءٍ دُهُورُها |
ولَمّا رَأى ما دُونَها خاطَرَتْ بِهِ | على المَوْتِ نَفْسٌ لا يَنَامُ فَقِيرُها |
فَأهْوَى، وَناباها حَوَاليْ يَتِيمَةٍ، | هيَ المَوْتُ أوْ دُنْيا يُنادي بَشِيرُها |
فَألْقَتْ بِكَفّيْهِ المَنِيّةُ، إذْ دَنَا | بِعَضّةِ أنْيَابٍ سَرِيعٍ سُؤورُهاعَرَفْتُ بأعَلى رَائِسَ الفأْوَ، بَعْدَمَا |
مَضَتْ سَنَةٌ أيّامُهَا وَشُهُورُهَا | مَنَازلُ أعْرَتْهَا جُبَيرَةُ، وَالتَقَتْ |
بِهَا الرّيحُ شَرْقِيّاتُهَا وَدَبُورُها | كأنْ لمْ يُحَوِّضْ أهلُها الثَّوْرَ يجتني |
بحافاتِها الخَطْميَّ غَضّاً نَضِيرُها | أناةٌ كَرِئْمِ الرّمْلِ نَوّامَةُ الضُّحَى، |
بَطيءٌ على لَوْثِ النِّطاقِ بُكُورُها | إذا حُسِرَت عَنها الجَلابيبُ وَارْتَدَتْ |
إلى الزّوْجِ مَيّالاً يَكَادُ يَصُورُها | وَمرْتَجّةِ الأرْدافِ مِنْ آلِ جَعفَرٍ |
مُخَضَّبَةِ الأطْرَافِ بِيض نُحورُها | تَعِجّ إلى القَتْلى عَلَيْها تَساقَطَتْ، |
عَجيجَ لِقاحٍ قَدْ تَجاوَبَ خورُها | كَأنّ نَقاً مِنْ عَالِجٍ أزَّرَتْ بِهِ |
بحَيْثُ التَقَتْ أوْرَاكُها وَخُصُورُها | فَقَدْ خِفتُ من تَذَرَافِ عَيْنيّ إثْرَها |
عَلى بَصَرِي، وَالعَينُ يَعمى بَصِيرُها | تَفَجّرَ مَاءُ العَينِ كُلَّ عَشِيّةٍ، |
وَللشّوْقِ ساعاتٌ تَهِيجُ ذُكُورُها | وَما خِفتُ وَشْكَ البَينِ حَتى رَأيْتُها |
يُساقُ على ذاتِ الجَلاميدِ عِيرُها | وَما زلتُ أُزْجي الطرْفَ من حيثُ يمّمَتْ |
من الأرْض حتى رَدّ عَيني حَسيرُها | فَرَدّ عَليّ العَينَ، وَهْيَ مَرِيضَةٌ، |
هذالِيلُ بَطْنِ الرّاحَتَينِ وَقُورُها | تَحَيّرَ ذاوِيها، إذ اضْطَرَدَ السَّفَا، |
وَهاجَتْ لأيّامِ الثُّرَيّا حَرُورُها | أتْصْرِفُ أجْمَالَ النّوَى شاجِنِيّةٌ، |
أمِ الحَفَرُ الأعْلى بِفَلْجٍ مَصِيرُها | وَما مِنْهما إلاّ بِهِ دِيَارِهَا |
مَنازِلُ أمْسَتْ ما تَبِيدُ سُطُورُها | وَكائِنْ بها مِنْ عَينِ باكٍ وَعَبْرَةٍ، |
إذا امتُرِيَتْ كانَتْ سَرِيعاً دُرُورُها | تَرَى قَطَنٌ أهْلَ الأصَارِيمِ، إنّهُ |
غَنيّ إذا مَا كَلّمَتْهُ فَقِيرُها | تَهادَى إلى بَيْتِ الصّلاةِ كَأنّهَا |
على الوَعثِ ذو ساقٍ مَهيضٍ كسيرُها | كَدُرّةِ غَوّاصٍ رَمَى في مَهِيبَةٍ |
بأجْرَامِهِ، وَالنّفسُ يخشَى ضَمِيرُها | مُوَكَّلَةً بالدُّرّ خَرْسَاءَ قَدْ بكَى |
إلَيْهِ مِنَ الغَوّاصِ مِنها نَذِيرُها | فقالَ أُلاقي المَوْتَ أوْ أُدْرِكُ الغِنى |
لِنَفْسِيَ، وَالآجالُ جَاءٍ دُهُورُها | ولَمّا رَأى ما دُونَها خاطَرَتْ بِهِ |
على المَوْتِ نَفْسٌ لا يَنَامُ فَقِيرُها | فَأهْوَى، وَناباها حَوَاليْ يَتِيمَةٍ، |
هيَ المَوْتُ أوْ دُنْيا يُنادي بَشِيرُها | فَألْقَتْ بِكَفّيْهِ المَنِيّةُ، إذْ دَنَا |
بِعَضّةِ أنْيَابٍ سَرِيعٍ سُؤورُها | فحَرّكَ أعْلى حَبْلِهِ بِحُشَاشَةٍ، |
وَمن فَوْقهِ خَضرَاءُ طامٍ بُحُورُها | فَما جاءَ حتى مَجّ، وَالمَاءُ دُونَهُ، |
مِنَ النّفسِ ألواناً عَبِيطاً نُحُورُها | إذا ما أرادُوا أنْ يُحيرَ مَدُوفَةً |
أبَى منْ تَقَضِّي نَفسِهِ لا يَحورُها | فَلَمّا أرَوْها أُمَّهُ هَانَ وَجْدُهَا |
رَجَاةَ الغِنى لَمّا أضَاءَ مُنيرُها | وَظَلّتْ تَغالاها التِّجَارُ وَلا تُرَى |
لهَا سِيمَةٌ إلاّ قَلِيلاً كَثِيرُها | فَرُبّ رَبِيعٍ بِالبَلالِيقِ قَدْ رَعَتْ، |
بمُسْتَنّ أغياثٍ بُعاق، ذُكُورُها | تَحَدّرَ قَبْلَ النّجْمِ مِمّا أمَامَهُ |
من الدّلوِ والأشَرَاطِ يَجرِي غضِيرُها | ألَمْ تَعْلَمي أني إذا القِدْرُ حُجّلَتْ |
وَأُلْقيَ عَنْ وَجْهِ الفَتَاةِ سُتُورُها | وَرَاحتْ تَشِلّ الشَّوْلَ وَالفحلُ خلفَها |
زَفِيفاً إلى نِيرَانِهَا زَمْهَرِيرُها | شَآميّةٌ تُفْشِي الخَفَائِرَ نَارُها، |
وَنَبْحُ كِلابِ الحَيّ فِيها هَرِيرُها | إذا الأُفُقُ الغَرْبيُّ أمْسَى كَأنّهُ |
سَدَى أُرْجُوَانٍ وَاستَقَلّتْ عَبورُها | تعرَى النِّيبَ مِنْ ضَيْفي إذا ما رَأينَهُ |
ضُمُوزاً عَلى جَرّاتِها مَا تُحِيرُها | يُحاذِرْنَ مِنْ سَيْفي إذا ما رَأيْنَهُ |
مَعي قائِماً حتى يكُوسَ عَقيرُها | وَقَدْ عَلِمَتْ أنّ القِرَى لابنِ غالبٍ |
ذُرَاها إذا لمْ يَقْرِ ضَيْفاً دَرُورُها | شَقَقْنا عَنِ الأوْلاِد بالسّيفِ بطنَها |
وَلَمّا تُجَلَّدْ وَهْيَ يَحبُو بَقِيرُها | وَنُبّئْتُ ذا الأهدامِ يَعوِي، وَدُونَهُ |
مِنَ الشّأمِ ذَرّاعاتُها وَقُصُورُها | إليّ، وَلمْ أتْرُكْ عَلى الأرْضِ حَيّةً، |
وَلا نَابِحاً إلاّ استْسَرّ عَقُورُها | كلاباً نَبَحنَ اللّيثَ من كُلّ جانِبٍ |
فَعَادَ عُوَاءً بَعْدَ نَبْحٍ هَرِيرُها | عَوَى بِشَقاً لابْنَيْ بُحَيْرٍ، وَدُونَنا |
نِضَادٌ، فأعْلامُ السِّتارِ، فَنِيرُها | وَنُبّئت كَلبَ ابنَيْ حُمَيضَة قد عَوَى |
إليّ وَنَارُ الحَرْبِ تَغْلي قُدُورُها | وَوَدّتْ مكانَ الأنْفِ لوْ كانَ نَافِعٌ |
لهَا حَيْضَةٌ أوْ أعْجَلَتْها شُهُورُها | مكان ابْنِها إذْ هَاجَني بِعُوَائِهِ |
عَلَيْها، وَكانَتْ مُطمَئِنّاً ضَميرُها | لَكانَ ابنُها خَيراً وَأهْوَنَ رَوْعَةً |
عَلَيها مِنَ الجُرْبِ البَطيءِ طُرُورُها | دوَامعَ قَد يُعْدي الصِّحاحَ قِرَافُها، |
إذا هُنِئَتْ يَزْدادُ عَرّاً نُشُورُها | وَكَانَ نُفَيْعٌ إذْ هَجَاني لأُمّهِ |
كَبَاحِثَةٍ عَنْ مُدْيَةٍ تَسْتَثِيرُها | عَجوزٌ تُصَلّي الخَمسَ عاذَتْ بغالبٍ |
فَلا وَالّذي عاذَتْ بِهِ لا أضِيرُها | فَإني عَلى إشْفَاقِها مِنْ مَخافَتي، |
وَإنْ عَقّها بي نَافِعٌ، لَمُجِيرُها | وَلمْ تَأتِ عِيرٌ أهْلَها بِالّذِي أتَتْ |
بِهِ جَعْفَراً يَوْمَ الهُضَيْباتِ عِيرُها | أتَتْهُمْ بِعِيرٍ لَمْ تَكُنْ هَجَرِيّةً |
وَلا حِنْطَةَ الشّأمِ المَزِيت خَمِيرُها | وَلمْ تُرَ سَوّاقِينَ عِيراً كَسَاقَةٍ، |
يَسُوقُونَ أعْدالاً يَدِبّ بَعِيرُها | إذا ذَكَرَتْ زَوْجاً لها جَعْفَرِيّةٌ، |
وَمَصْرَعَ قَتْلى لمْ تُقَتَّلْ ثُؤورُها | تَبَيّنُ أنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ آلِ جَعفرٍ |
مُحامٍ وَلا دونَ النّساءِ غُيُورُها | وَقَدْ أنْكَرَتْ أزْوَاجَها، إذْ رأتهمُ |
عُرَاةً، نِساءٌ قَدْ أُحْرّتْ صُدُورُها | إذا ذُكِرَتْ أيّامُهُمْ يَوْمَ لمْ يَقُمْ |
لِسَلّةِ أسْيَافِ الضِّبَابِ نَفيرُها | عَشِيّةَ يَحدُوهمْ هُرَيْمٌ، كَأنّهُمْ |
رِئَالُ نَعامٍ مُسْتَخَفٌّ نَفُورُها | عَشِيّةَ لاقَتْهُمْ بِآجَالِ جَعْفَرٍ |
صَوارِمُ في أيدي الضِّبابِ ذُكورُها | كَأنّهُمُ للخَيْلِ يَوْمَ لَقِيتَهُمْ، |
بطِخفَةَ، خِرْبانٌ عَلَتْها صُقُورُها | وَلمْ تَكُ تَخشَى جَعفَرٌ أنْ يُصِيبَهَا |
بأعظَمَ مني مِنْ شَقَاها فُجُورُها | وَلا يَوْمَ بِرْيانٌ تُكَسَّعُ بِالقَنَا، |
وَلا النّارَ لَوْ يُلقى عَلَيهِمْ سَعيرُها | وَقَدْ عَلِمَتْ أعداؤها أنّ جَعفَراً |
يَقي جَعْفَراً حَدَّ السّيُوفِ ظُهورُها | أتَصْبِرُ لِلْعَادِي ضَغابِيثُ جَعْفَرٍ، |
وَثَوْرَةِ ذي الأشْبالِ حِينَ يَثُورُها | سَيَبْلُغُ ما لا قَتْ مِنَ الشّرّ جَعْفَرٌ |
تِهَامَةَ مِنْ رُكْبانِها مَنْ يَغورُها | إذا جَعْفَرٌ مَرّتْ على هَضْبَةِ الحمى |
تَقَنَّعُ إذْ صَاحَتْ إليها قُبُورُهاعَرَفْتُ بأعَلى رَائِسَ الفأْوَ، بَعْدَمَا | مَضَتْ سَنَةٌ أيّامُهَا وَشُهُورُهَا |
مَنَازلُ أعْرَتْهَا جُبَيرَةُ، وَالتَقَتْ | بِهَا الرّيحُ شَرْقِيّاتُهَا وَدَبُورُها |
كأنْ لمْ يُحَوِّضْ أهلُها الثَّوْرَ يجتني | بحافاتِها الخَطْميَّ غَضّاً نَضِيرُها |
أناةٌ كَرِئْمِ الرّمْلِ نَوّامَةُ الضُّحَى، | بَطيءٌ على لَوْثِ النِّطاقِ بُكُورُها |
إذا حُسِرَت عَنها الجَلابيبُ وَارْتَدَتْ | إلى الزّوْجِ مَيّالاً يَكَادُ يَصُورُها |
وَمرْتَجّةِ الأرْدافِ مِنْ آلِ جَعفَرٍ | مُخَضَّبَةِ الأطْرَافِ بِيض نُحورُها |
تَعِجّ إلى القَتْلى عَلَيْها تَساقَطَتْ، | عَجيجَ لِقاحٍ قَدْ تَجاوَبَ خورُها |
كَأنّ نَقاً مِنْ عَالِجٍ أزَّرَتْ بِهِ | بحَيْثُ التَقَتْ أوْرَاكُها وَخُصُورُها |
فَقَدْ خِفتُ من تَذَرَافِ عَيْنيّ إثْرَها | عَلى بَصَرِي، وَالعَينُ يَعمى بَصِيرُها |
تَفَجّرَ مَاءُ العَينِ كُلَّ عَشِيّةٍ، | وَللشّوْقِ ساعاتٌ تَهِيجُ ذُكُورُها |
وَما خِفتُ وَشْكَ البَينِ حَتى رَأيْتُها | يُساقُ على ذاتِ الجَلاميدِ عِيرُها |
وَما زلتُ أُزْجي الطرْفَ من حيثُ يمّمَتْ | من الأرْض حتى رَدّ عَيني حَسيرُها |
فَرَدّ عَليّ العَينَ، وَهْيَ مَرِيضَةٌ، | هذالِيلُ بَطْنِ الرّاحَتَينِ وَقُورُها |
تَحَيّرَ ذاوِيها، إذ اضْطَرَدَ السَّفَا، | وَهاجَتْ لأيّامِ الثُّرَيّا حَرُورُها |
أتْصْرِفُ أجْمَالَ النّوَى شاجِنِيّةٌ، | أمِ الحَفَرُ الأعْلى بِفَلْجٍ مَصِيرُها |
وَما مِنْهما إلاّ بِهِ دِيَارِهَا | مَنازِلُ أمْسَتْ ما تَبِيدُ سُطُورُها |
وَكائِنْ بها مِنْ عَينِ باكٍ وَعَبْرَةٍ، | إذا امتُرِيَتْ كانَتْ سَرِيعاً دُرُورُها |
تَرَى قَطَنٌ أهْلَ الأصَارِيمِ، إنّهُ | غَنيّ إذا مَا كَلّمَتْهُ فَقِيرُها |
تَهادَى إلى بَيْتِ الصّلاةِ كَأنّهَا | على الوَعثِ ذو ساقٍ مَهيضٍ كسيرُها |
كَدُرّةِ غَوّاصٍ رَمَى في مَهِيبَةٍ | بأجْرَامِهِ، وَالنّفسُ يخشَى ضَمِيرُها |
مُوَكَّلَةً بالدُّرّ خَرْسَاءَ قَدْ بكَى | إلَيْهِ مِنَ الغَوّاصِ مِنها نَذِيرُها |
فقالَ أُلاقي المَوْتَ أوْ أُدْرِكُ الغِنى | لِنَفْسِيَ، وَالآجالُ جَاءٍ دُهُورُها |
ولَمّا رَأى ما دُونَها خاطَرَتْ بِهِ | على المَوْتِ نَفْسٌ لا يَنَامُ فَقِيرُها |
فَأهْوَى، وَناباها حَوَاليْ يَتِيمَةٍ، | هيَ المَوْتُ أوْ دُنْيا يُنادي بَشِيرُها |
فَألْقَتْ بِكَفّيْهِ المَنِيّةُ، إذْ دَنَا | بِعَضّةِ أنْيَابٍ سَرِيعٍ سُؤورُها |
فحَرّكَ أعْلى حَبْلِهِ بِحُشَاشَةٍ، | وَمن فَوْقهِ خَضرَاءُ طامٍ بُحُورُها |
فَما جاءَ حتى مَجّ، وَالمَاءُ دُونَهُ، | مِنَ النّفسِ ألواناً عَبِيطاً نُحُورُها |
إذا ما أرادُوا أنْ يُحيرَ مَدُوفَةً | أبَى منْ تَقَضِّي نَفسِهِ لا يَحورُها |
فَلَمّا أرَوْها أُمَّهُ هَانَ وَجْدُهَا | رَجَاةَ الغِنى لَمّا أضَاءَ مُنيرُها |
وَظَلّتْ تَغالاها التِّجَارُ وَلا تُرَى | لهَا سِيمَةٌ إلاّ قَلِيلاً كَثِيرُها |
فَرُبّ رَبِيعٍ بِالبَلالِيقِ قَدْ رَعَتْ، | بمُسْتَنّ أغياثٍ بُعاق، ذُكُورُها |
تَحَدّرَ قَبْلَ النّجْمِ مِمّا أمَامَهُ | من الدّلوِ والأشَرَاطِ يَجرِي غضِيرُها |
ألَمْ تَعْلَمي أني إذا القِدْرُ حُجّلَتْ | وَأُلْقيَ عَنْ وَجْهِ الفَتَاةِ سُتُورُها |
وَرَاحتْ تَشِلّ الشَّوْلَ وَالفحلُ خلفَها | زَفِيفاً إلى نِيرَانِهَا زَمْهَرِيرُها |
شَآميّةٌ تُفْشِي الخَفَائِرَ نَارُها، | وَنَبْحُ كِلابِ الحَيّ فِيها هَرِيرُها |
إذا الأُفُقُ الغَرْبيُّ أمْسَى كَأنّهُ | سَدَى أُرْجُوَانٍ وَاستَقَلّتْ عَبورُها |
تعرَى النِّيبَ مِنْ ضَيْفي إذا ما رَأينَهُ | ضُمُوزاً عَلى جَرّاتِها مَا تُحِيرُها |
يُحاذِرْنَ مِنْ سَيْفي إذا ما رَأيْنَهُ | مَعي قائِماً حتى يكُوسَ عَقيرُها |
وَقَدْ عَلِمَتْ أنّ القِرَى لابنِ غالبٍ | ذُرَاها إذا لمْ يَقْرِ ضَيْفاً دَرُورُها |
شَقَقْنا عَنِ الأوْلاِد بالسّيفِ بطنَها | وَلَمّا تُجَلَّدْ وَهْيَ يَحبُو بَقِيرُها |
وَنُبّئْتُ ذا الأهدامِ يَعوِي، وَدُونَهُ | مِنَ الشّأمِ ذَرّاعاتُها وَقُصُورُها |
إليّ، وَلمْ أتْرُكْ عَلى الأرْضِ حَيّةً، | وَلا نَابِحاً إلاّ استْسَرّ عَقُورُها |
كلاباً نَبَحنَ اللّيثَ من كُلّ جانِبٍ | فَعَادَ عُوَاءً بَعْدَ نَبْحٍ هَرِيرُها |
عَوَى بِشَقاً لابْنَيْ بُحَيْرٍ، وَدُونَنا | نِضَادٌ، فأعْلامُ السِّتارِ، فَنِيرُها |
وَنُبّئت كَلبَ ابنَيْ حُمَيضَة قد عَوَى | إليّ وَنَارُ الحَرْبِ تَغْلي قُدُورُها |
وَوَدّتْ مكانَ الأنْفِ لوْ كانَ نَافِعٌ | لهَا حَيْضَةٌ أوْ أعْجَلَتْها شُهُورُها |
مكان ابْنِها إذْ هَاجَني بِعُوَائِهِ | عَلَيْها، وَكانَتْ مُطمَئِنّاً ضَميرُها |
لَكانَ ابنُها خَيراً وَأهْوَنَ رَوْعَةً | عَلَيها مِنَ الجُرْبِ البَطيءِ طُرُورُها |
دوَامعَ قَد يُعْدي الصِّحاحَ قِرَافُها، | إذا هُنِئَتْ يَزْدادُ عَرّاً نُشُورُها |
وَكَانَ نُفَيْعٌ إذْ هَجَاني لأُمّهِ | كَبَاحِثَةٍ عَنْ مُدْيَةٍ تَسْتَثِيرُها |
عَجوزٌ تُصَلّي الخَمسَ عاذَتْ بغالبٍ | فَلا وَالّذي عاذَتْ بِهِ لا أضِيرُها |
فَإني عَلى إشْفَاقِها مِنْ مَخافَتي، | وَإنْ عَقّها بي نَافِعٌ، لَمُجِيرُها |
وَلمْ تَأتِ عِيرٌ أهْلَها بِالّذِي أتَتْ | بِهِ جَعْفَراً يَوْمَ الهُضَيْباتِ عِيرُها |
أتَتْهُمْ بِعِيرٍ لَمْ تَكُنْ هَجَرِيّةً | وَلا حِنْطَةَ الشّأمِ المَزِيت خَمِيرُها |
وَلمْ تُرَ سَوّاقِينَ عِيراً كَسَاقَةٍ، | يَسُوقُونَ أعْدالاً يَدِبّ بَعِيرُها |
إذا ذَكَرَتْ زَوْجاً لها جَعْفَرِيّةٌ، | وَمَصْرَعَ قَتْلى لمْ تُقَتَّلْ ثُؤورُها |
تَبَيّنُ أنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ آلِ جَعفرٍ | مُحامٍ وَلا دونَ النّساءِ غُيُورُها |
وَقَدْ أنْكَرَتْ أزْوَاجَها، إذْ رأتهمُ | عُرَاةً، نِساءٌ قَدْ أُحْرّتْ صُدُورُها |
إذا ذُكِرَتْ أيّامُهُمْ يَوْمَ لمْ يَقُمْ | لِسَلّةِ أسْيَافِ الضِّبَابِ نَفيرُها |
عَشِيّةَ يَحدُوهمْ هُرَيْمٌ، كَأنّهُمْ | رِئَالُ نَعامٍ مُسْتَخَفٌّ نَفُورُها |
عَشِيّةَ لاقَتْهُمْ بِآجَالِ جَعْفَرٍ | صَوارِمُ في أيدي الضِّبابِ ذُكورُها |
كَأنّهُمُ للخَيْلِ يَوْمَ لَقِيتَهُمْ، | بطِخفَةَ، خِرْبانٌ عَلَتْها صُقُورُها |
وَلمْ تَكُ تَخشَى جَعفَرٌ أنْ يُصِيبَهَا | بأعظَمَ مني مِنْ شَقَاها فُجُورُها |
وَلا يَوْمَ بِرْيانٌ تُكَسَّعُ بِالقَنَا، | وَلا النّارَ لَوْ يُلقى عَلَيهِمْ سَعيرُها |
وَقَدْ عَلِمَتْ أعداؤها أنّ جَعفَراً | يَقي جَعْفَراً حَدَّ السّيُوفِ ظُهورُها |
أتَصْبِرُ لِلْعَادِي ضَغابِيثُ جَعْفَرٍ، | وَثَوْرَةِ ذي الأشْبالِ حِينَ يَثُورُها |
سَيَبْلُغُ ما لا قَتْ مِنَ الشّرّ جَعْفَرٌ | تِهَامَةَ مِنْ رُكْبانِها مَنْ يَغورُها |
إذا جَعْفَرٌ مَرّتْ على هَضْبَةِ الحمى | تَقَنَّعُ إذْ صَاحَتْ إليها قُبُورُها |
لَنا مَسْجِدا الله الحَرَامانِ وَالهُدى، | وَأصْبَحَتِ الأسْمَاءُ مِنّا كَبِيرُها |
سِوِى الله، إنّ الله لا شَيءَ مِثْلَهُ، | لَهُ الأمَمُ الأُولى يَقُومُ نُشُورُها |
إمَامُ الهُدى كَمْ مِنْ أبٍ أو أخٍ لَهُ | وَقَد كانَ للأرْضِ العَرِيضَةِ نُورُها |
إذا اجتَمَعَ الآفاقُ من كُلّ جانِبٍ | إلى مَنْسِكٍ كانَتْ إلَيْنا أُمُورُها |
رَمى النّاسُ عن قَوْسٍ تميماً فما أرَى | مُعاداةَ مَنْ عادَى تَميماً تَضِيرُها |
وَلَوْ أنّ أُمّ النّاسِ حَواءَ حَارَبَتْ | تَميمَ بنَ مَرٍّ لمْ تَجِدْ مَن يُجيرُها |
بَنى بَيْتَنا باني السّمَاءِ فَنَالَهَا، | وَفي الأرْضِ من بَحرِي تَفيضُ بحورُها |
وَنُبّئْتُ أشْقَى جَعْفَرٍ هَاجَ شِقَوَةً، | عَلَيْها كَمَا أشْقَى ثَمُودَ مُبِيرُها |
يَصِيحونَ يَستَسقونَه حينَ أنضَجَتْ | عَليهمْ من الشِّعرى التّرَابَ حَرُورُها |
تَصُدّ عَنِ الأزْوَاجِ، إذْ عَدَلَتْهمُ | عَيونٌ حَزِيناتٌ سَرِيعٌ دُرُورُها |
وَلَكِنّ خِرْبَاناً تَنُوسُ لِحَاهُمُ | على قُصُبٍ جُوفٍ تَناوَحَ خُورُها |
مُنِعْنَ وَيَسْتَحْيِينَ بَعدَ فِرَارِهِمْ | إلى حَيثُ للأوْلادِ يُطوَى صَغيِرُها |
لَعَمرِي لَقَدْ لاقَتْ من الشرّ جَعفَرٌ | بطِخَفَةَ أيّاماً، طَوِيلاً قَصِيرُها |
بطِخْفَةَ وَالرَّيّانِ حَيْثُ تَصَوّبَتْ | على جَعْفَرٍ عِقْبانُها وَنُسُورُها |
وَقَدْ عَلِمَتْ أفْنَاءُ جَعْفَرَ أنّهُ | يَقي جَعفراً وَقَع العَوَالي ظُهُورُها |
تضَاغَى وَقد ضَمّتْ ضَغابيثُ جَعفَرٍ | شَباً بَينَ أشداقٍ رِحابٍ شُجورُها |
شَقا شَقّتَيْهِ جَعْفَرٌ بي وَقَدْ أتَتْ | عَليّ لهُمْ سَبْعونَ تَمّتْ شُهُورُها |
بَني جَعْفَرٍ هَلْ تَذْكُرُونَ وَأنْتُمُ | تُساقُونَ إذْ يَعْلُو القَلِيلَ كَثِيرُها |
وَإذْ لا طَعامٌ غَيرَ ما أطْعَمَتْكُمُ | بُطُونُ جَوَارِي جَعْفَرٍ وَظُهورُها |
وَقد عَلِمَتْ مَيْسونُ أنّ رِماحَكمْ | تَهابُ أبَا بَكْرٍ جِهاراً صُدُورُها |
عَشِيّةَ أعْطَيْتُمْ سَوَادَةَ جَحْوَشاً | وَلَمّا يُفَرَّقْ بَالعَوَالي نَصِيرُها |
أقامَتْ على الأجْبابِ حاضِرَةً بهِ، | ضَبِينَةُ لمْ تُهتَكْ لظَعنٍ كُسُورُها |
تُرِيحُ المَخازِي جَعْفَرٌ كُلَّ لَيْلَةٍ | عَلَيْها وَتغْدُو حينَ يَغدو بُكُورُها |
فإنْ تَكُ قَيسٌ قَدّمَتْكَ لنَصرِها، | فقَدْ خَزِيَتْ قَيْسٌ وَذلّ نَصِيرُها |