طرقت نوار ودون مطرقها
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
طَرَقَتْ نَوَارُ وَدُونَ مَطْرَقِهَا | جَذْبُ البُرَى لِنَوَاحلٍ صُعْرِ |
وَرَوَاحُ مُعْصِفَةٍ وَغَدْوَتُهَا، | شَهْراً، تُوَاصِلُهُ إلى شَهْرِ |
أدْنَى مَنَازِلِهَا لِطَالِبِهَا | خِمْسُ المُؤوِّبِ للقَطا الكُدْرِ |
وَإذا أنَامُ، ألَمّ طَائِفُهَا | حَتى يُنَبِّهَ أعْيُنَ السفْرِ |
إني يُهيّجُني، إذا ذُكِرَتْ | رِيحُ الجنُوبِ لهَا عَلى الذِّكْرِ |
وَكَأنّمَا التَبَسَتْ بِأرْحُلِنَا، | بَعْدَ المَنَامِ، ذَكِيةُ التَّجْرِ |
وَكَأنّ ذُرّعَهَا بِأرْحُلِنَا | يُرْقِلْنَ مِثْلَ نَعَائِمٍ زُعْرِ |
أوْ عَانَةٍ يَبِسَتْ مَرَاتِعُهَا، | خَبَطتْ سَفا القُرْيانِ وَالظّهرِ |
وَكَأنّ حَيّاتٍ مُعَلَّقَةً | تَثْني أزِمّتَهَا إلى الصُّفْرِ |
لِلْعَوْهَجِيّةِ مِنْ نَجَائِبِهَا، | وَالدّاعِرِيِّ لأفْحُلٍ صُحْرِ |
وَإلى سُلَيْمَانَ الّذيِ سَكَنَتْ | أرْوى الهِضَابِ بِهِ مِنَ الذُّعْرِ |
وَتَرَاجَعَ الطُّرَداءُ إذْ وَثِقُوا | بِالأمْنِ مِنْ رَتْبِيلَ وَالشِّحْرِ |
أوْ كُلِّ دايِرَةٍ كَأنّ بِهَا | قَاراً، وَلَيسَ سَفينُها يَجرِي |
أوْ كُلِّ صَادِقَةٍ إذا طُلِبَتْ، | مِنْ دُونِهَا الرّيحُ الّتي تُذْرِي |
تُمسِي الرّيَاحُ بهَا وَقَدْ لَغِبَتْ | أوْ كُلِّ صَادِقَةٍ عى الفَتْرِ |
كُنّا نُنَادي الله نَسْألُهُ | في الصّبْحِ وَالأسْحَارِ وَالعَصْرِ |
أن لا يُمِيتَكَ أوْ تَكُونَ لَنَا | أنْتَ الإمَامَ وَوَاليَ الأمْرِ |
فَأجَابَ دَعْوَتَنَا، وَأنْقَذَنَا | بِخِلافَةِ المَهْدِيِّ مِنْ ضُرّ |
يا ابنَ الخَلائِفِ لمْ نَجِدْ أحَداً | يَبْقَى لِحَزّ نَوَائِبِ الدّهْرِ |
إلاّ الرّوَاسِي، وَهْيَ كَائِنَةٌ | كَالعِهْنِ، وَهْيَ سَرِيعَةُ المَرّ |
فَفَدِ ابتُلِيتَ بِمَا زَعَمْتَ لَنَا | إنْ أنْتَ كُنْتَ لَنَا على أمْرِ |
كَمْ فِيكَ إنْ مَلَكَتْ يداكَ لنا، | يَوْماً، نَوَاصِينَا مِنَ النَّذْرِ |
مِنْ حَجّ حَافِيَةٍ وَصَائِمَةٍ | سَنَتَينِ، أُمّ أفَيْرِخٍ زُعْرِ |
لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ غَيرُ ألْسِنَةٍ، | وَأُعَيْظِمٍ وَحَوَاصِلٍ حُمْرِ |
ويُجَمِّرُونَ بِغَيْرِ أعْطِيةٍ، | في البَرّ مَنْ بَعَثُوا وَفي البَحْرِ |
وَيُكَلِّفُونَ أبَاعِراً ذَهَبَتْ | جِيَفاً بَلِينَ، تَقادُمَ العَصْرِ |
حَتى غَبطْنَا كلَّ مُحْتَمَلٍ | يُمْشى بِأعْظُمِهِ إلى القَبْرِ |
وَتَمَنّتِ الأحْيَاءُ أنّهُمُ | تَحْتَ التّرَابِ وَجيءَ بالحَشْرِ |
وَالرّاقِصَاتِ بِكُلّ مُبْتَهِلٍ، | مِنْ فَجِّ كُلّ عَمَايِقٍ غُبْرِ |
مَا قُلْتُ إلاّ الحَقَّ تَعْرِفُهُ | في القَوْلِ مُرْتَجِلاً وَفي الشِّعْرِ |
مَا أصْبَحَتْ أرْضُ العِراقِ بهَا | وَرَقٌ لمُخْتَبِطٍ وَلا قِشْرِ |
إنْ نَحْنُ لمْ نَمْنَعْ بِطاعَتِنَا | وَالحُبِّ للمَهْدِيّ وَالشُّكْرِ |
فَغَدَتْ عَلَيْنَا في مَنَازِلِنَا | رُسُلُ العَذابِ بِرَغْوَةِ البَكْرِ |
أشْقَى ثَمُودَ حِينَ وَلّهَهُ | عَنْ أُمّهِ المَشْؤومُ بِالعَقْرِ |
لَمّا رَغَا هَمَدُوا، كَأنّهُمُ | هَابي رَمَادِ مُؤثَّفِ القِدْرِ |
أنْتَ الّذِي نَعَتَ الكِتَابُ لَنَا | في نَاطِقِ التّوْرَاةِ وَالزُّبْرِ |
كَمْ كانَ مِنْ قَسٍّ يُخَبّرُنَا | بِخِلافَةِ المَهْدِيّ، أوْ حَبْرِ |
جَعَلَ الإلَهُ لَنَا خِلافَتَهُ | بُرْءَ القُرُوحِ وَعِصْمَةَ الجَبْرِ |
كَمْ حَلّ عَنّا عَدْلُ سُنّتِهِ | مِنْ مَغْرَمٍ ثِقْلٍ، وَمِنْ إصْرِ |
كُنّا كَزرْعٍ مَاتَ، كَانَ لَهُ | سَاقٍ، لَهُ حَدَبٌ مِنَ النَّهْرِ |
عَدَلُوهُ عَنْهُ في مُغَوِّلَةٍ | للمَاءِ، بَعْدَ جِنَانِهِ الخُضْرِ |
أحْيَيْتَهُ بِعُبَابِ مُنْثَلِمٍ، | وَعَلاهُ مِنْكَ مُغَرِّقُ الدَّبْرِ |
أحْيَيْتَ أنْفُسَنَا، وَقَدْ بلَغَتْ | مِنّا الفَنَاءَ، وَنَحْنُ في دُبْرِ |
فَلَقَدْ عَزَزْنَا بَعْدَ ذِلّتِنَا | بِك، بَعَدَما نَأبَى عَنِ القَسْرِ |
أصْبَحْتَ قَدْ بخَعَتْ نَصِيحَتُنا | لكَ، والمَقامِ وَأيْمَنِ السِّتْرِ |
أحْيَيْتَ أنْفُسَنا وَقَد هَلَكَتْ | وَجَبَرْتَ مِنّا وَاهِيَ الكَسْرِ |
بَلْ مَا رَأيْتُ وَلا سَمِعْتُ بِهِ | يَوْماً كَيَوْمِ صَوَاحِبِ القَصْرِ |
يَوْماً سَيُؤمِنُ كُلَّ مُنْدَفِنٍ، | أوْ لاحِقٍ بِأئِمّةِ الكُفْرِ |
فاذْكُرْ أرَامِلَ لا عَطَاءَ لَهَا | وَمُسَجَّنِينَ لمَوْضِعِ الأجْرِ |
لَوْ يُبْتَلُونَ بِغَيْرِ سَجْنِهِمِ | صَبَرُوا وَلَوْ حُبِسُوا عَلى الجَمرِ |
وَلَقَدْ هَدَى بكَ كُلَّ مُلتَبَسٍ | وَشَفَى بعَدْلِكَ كُلَّ ذي غِمْرِ |
حَتى اسْتَقَامَ لِوَجْهِ سُنّتِهِ، | وَدَرَى وَلمْ يَكُ قَبْلَهَا يَدْرِي |
وأَخَذْتَ عَدْلاً مِنْ أبِيكَ لَنَا | وَقَلَعْتَ عَنّا كلَّ ذي كِبْرِ |
عَاتٍ إذا المَظْلُومُ ذَكّرَهُ، | أغْضَى عَلى عِظَمٍ مِنَ الذِّكْرِ |
إنّا لَنَرْجُو أنْ تُعِيدَ لَنَا | سُنَنَ الخَلائِفِ مِنْ بَني فِهْرِ |
عُثْمَانَ، إذْ ظَلَمُوهُ وَانتَهكوا | دَمَهُ صَبِيحَةَ لَيْلَةِ النَّحْرِ |
وَدِعَامَةِ الدّينِ الّتي اعْتَدَلَتْ | عُمَراً، وَصَاحِبَهُ أبَا بَكْرِ |
وَابْنَيْ أبي سُفْيَانَ، إذْ طَلَبَا | عُثْمَانَ مَا بَاتَا على وتْرِ |
وَأبَا أبِيكَ لِكُلّ جَائِحَةٍ | مَرْوَانَ سَيْفَ الدّينِ ذا الأُثْرِ |
وَأبَاكَ، إذْ كَشَفَ الإلَهُ بِهِ | عَنّا العَمَى، وَأضَاءَ كَالفَجْرِ |
وَأخَاكَ، إذْ فَتَحَ الإلَهُ بِهِ، | وَأعَزّهُ بِاليُمْنِ وَالنّصْرِ |
خُلَفَاءَ قَدْ تَرَكُوا فَرَائِضَهُمْ | فينَا، وَسُنّةَ طَيّبي الذّكْرِ |
تَبِعُوا رَسُولَهُمُ بِسُنّتِهِ، | حَتى لَقُوهُ، وَهُمْ على قَدْرِ |
رُفَقَاءَ مُتّكِئِينَ في غُرَفٍ، | فَرِحِينَ فَوْقَ أسِرّةٍ خُضْرِ |
في ظِلّ مَنْ عَنَتِ الوُجُوهُ لَهُ | حَكَمِ الحُكُومِ وَمالِكِ القَهرِ |
وَلَقَدْ خَصَمْتُ بِهَا مُخاصِمَكُم | وَشَفَيْتُ أنْفُسَكُمْ مِنَ الخُبْرِ |
مَا قُلْتُ إلاّ الحَقَّ، أُخْبِرُهُ | عَنْ أهْلِ بَادِيَةٍ، وَلا مِصْرِ |
فَاليَوْمَ يَنْفَعُ كُلَّ مُعْتَذِرٍ، | عِنْدَ الإمَامِ، صَوادِقُ العُذْرِ |
أنْتَ الّذي كانَتْ تُوَطّنُنَا، | تَرْجُوهُ أنْفُسُنَا على الصّبْرِ |
مَاتَ المَظَالِمُ حِينَ كُنْتَ لهَا | حَكَماً وَجِئْتَ لَنَا على فَقْرِ |
مِنّا إلَيْكَ كَفَقْرِ مُمْحِلَةٍ، | تَرْجُو الرَبيعَ لِرُزَّمٍ عَشْرِ |
ذَهَبَ الزّمَانُ بِخَيْرِ وَالِدِهَا | عَنْها وَمَا لِبَنِيهِ مِنْ دَثْرِ |
قَدْ خَنّقَتْ تِسْعِينَ أوْ كَرَبَتْ | تَدْنُو لآخِرِ أرْذَلِ العُمْرِ |
تُرِكَتْ تُبكّي في مَنَازلِهِمْ، | لَيْسَتْ إلى وَلَدٍ وَلاَ وَفْرِ |
بَعَثَ الإلَهُ لهَا، وَقَدْ هَلَكَتْ، | نُورَ البِلادِ وَمَاطِرَ القَطْرِ |
يَرْجُونَ سَيْبَكَ أنْ يكونَ لهُمْ | كالنّيلِ فَاضَ على قُرَى مِصْرِ |
فَلَئِنْ نَعشْتَهُم لَقَدْ هَلَكُوا، | واليُسْرُ يَفْرُجُ لَزْبَةَ العُسْرِ |
لا جَارَ، إلاّ الله، مِنْ أحَدٍ | أوْفَى وَأبْعَدُ مِنْكَ مِنْ غَدْرِ |
تُعْطي حِبَالاً مَنْ عَقَدْتَ لَهُ | لَيْسَتْ بِأرْمَامٍ وَلا بُتْرِ |
أصْبَحَتَ أعْلى النّاسِ مَنْزِلَةً، | وأحَقَّهُمْ بِمَكَارِمِ الفَخْرِ |
وَوَليَّ أمْرِهِمِ وَأعْدَلَهُمْ، | وَنَهَارَهُمْ، وَضِياءَ مَنْ يَسرِي |
يَا لَيْتَ أنْفُسَنَا تُقَاسِمُهَا | أعْمَارُنَا لَكَ وَافيَ الشَّطْرِ |
لَمْ تَعْدُ مُذْ أدْرَكْتَ أرْبَعَةً | إلاّ بِسَابِقِ غَايَةٍ تَجْرِي |
وَنَمَتْكَ مِنْ غَطَفَانَ مُنْجِبَةٌ | شَمْسُ النّهَارِ لكامِلِ البَدْرِ |
لأبي الوَلِيدَ، فَبَشَّرُوهُ بِهِ، | بِالسَّعْدِ وَافَقَ لَيْلَةَ القَدْرِ |
أنْتَ ابنُ مُعتَرِكِ البِطاحِ وَمِنْ | أعْيَاصِهَا في طَيِّبٍ نَضْرِ |
قَدْ يَعْلَمُ النَّفَرُ الّذِينَ مَشَوْا | مُتَعلّقِينَ، وَهُمْ عَلى الجَسْرِ |
بَذَلُوا نُفُوسَهُمُ مُخَاطَرَةً، | وَهُمُ وَرَاءَ خَنَادِقِ الحَفْرِ |
أنّ الأمَانَ لَهُمْ، إذا خَرَجُوا | بَحْرَاكَ، مِنْ فَرَقٍ مِنَ الدّهْرِ |
لَمّا أتَوْكَ كَأنّمَا عَقَلُوا | بِذُرَى مُشَمِّرَةٍ مِنَ الغُبْرِ |
دُونَ السّمَاءِ ذُرَى مَعَاقِلِهَا، | عَنْهَا تَزِلّ قَوَائِمُ العُفْرِ |
خَرَجُوا وَدُونَهُمُ مُدَجَّجَةٌ، | وَمُخَنْدَقٌ مُتَصَوِّبُ القَعْرِ |
بَلْ ما رَأيْتُ ثَلاثَةً خَرَجُوا | من مثلِ مَخرَجِهِمْ على الخَطْرِ |
أبَني المُهَلَّبِ، قَدْ وَفَى لَكُمُ | جَارٌ، أمرَّ لَكُمْ على شَزْرِ |
حَبْلاً بِهِ رَجَعَتْ نُفوسُكُمُ، | وَلَقَدْ بَلَغْنَ تَرَاقيَ النّحْرِ |
إني أرَى الحَجّاجَ أدْرَكَهُ | ما أدْرَكَ الأرْوى على الوَعْرِ |
وَأخَاهُ وابْنَيْهِ اللّذَينِ هُمَا | كَانَا يَدَيْهِ وَخَالِصَ الصّدْر |
ذَهَبوا، وَمالُهُمُ الّذي جَمَعُوا | تَرَكُوهُ مِثْلَ مُنَضَّدِ الصّخرِ |
دَخَلوا قُبورَهُمُ إذا اضْطَجَعوا | فِيهَا، بِأوْعِيَةٍ لَهُمْ صِفْرِ |