نَبَأٌ تَقَاصَرَ دُونَهُ الأنْباءُ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
نَبَأٌ تَقَاصَرَ دُونَهُ الأنْباءُ | واستَمْطَرَ العَبَراتِ وهيَ دِماءُ |
فالمُقْرَباتُ خَواشِعٌ أبْصارُها | مِيلُ الرُّؤوسِ، صَليلُهُنَّ بُكاءُ |
وَالبيِضُ تَقْلَقُ في الغُمودِ كَما التَوى | رُقْشٌ تَبُلُّ مُتونَها الأنْداءُ |
وَالسُّمرُ راجِفَة ٌ كَأَنَّ كُعوبَها | تَلوي مَعاقِدَها يَدٌ شَلاَّءُ |
وَالشَّمسُ شاحِبَة ٌ يَمورُ شُعاعُها | مَوْرَ الغَديرِ طَغَتْ بِهِ النَّكْباءُ |
وَالنَّيِّراتُ طَوالِعٌ رَأْدَ الضُّحى | نُفِضَتْ عَلى صَفَحاتِها الظَّلْماءُ |
يَنْدُبْنَ أَحْمَدَ، فَالِبلادُ خَواشِعٌ | والأَرْضُ تُعْوِلُ، وَالصَّباحُ مَساءُ |
وَالعَينُ تَنزِفُ ماءَها حرَقُ الجَوى | وَالوَجْهُ تُضْمِرُ نارَهُ الأَحِشاءُ |
فأَذَلَّ أَعناقاً خَضَعْنَ لِفَقْدِهِ | وَهْيَ الّتي طَمَحَتْ بِها الخُيَلاءُ |
غَنِيَتْ عَواطِلَ بَعْدَما صَاغتْ حُلَى | أَطْواقِها بِنَوالِهِ الآلاءُ |
ما لِلمنَايا يَجْتذِبنَ إلى الرَّدى | مَهَجاً، فَهُنَّ طَلائِحٌ أنْضاءُ |
تُدهَى بِها العَصْماءُ في شَعَفاتِها | وَتُحَطَّ عَنْ وُكُناتِها الشَّغْواءُ |
عُونٌ تَكَدَّسُ بالنُّفوسِ وَعِندَها | في كُلِّ يَومٍ مُهْجَة ٌ عَذْراءُ |
دُنيا تُرَشِّحُ لِلرَّدى أَبناءَها | أُمٌّ لَعَمْرُ أبِيهِمُ وَرْهاءُ |
فَالنّاسُ مِنْ غادٍ عَلَيهِ وَرائِحٍ | وَلِمنْ تَأَخَّرَ عَنْهُما الإسْراءُ |
لا شَارِخٌ يَبْقى وَلا ذُو لِمَّة ٍ | أَلوَتْ بِعَصْرِ شَبابِها العَنقاءُ |
وَلَكَمْ نَظَرْتُ إلى الحَياة ِ وَقَدْ دَجَتْ | أَظلالُها، فإّذا الحَياة ُ عَناءُ |
لايَخْدَعَنَّكَ مَعْقِلٌ أَشِبٌ وَلَو | حَلَّتْ عَلَيهِ نِطاقَها الجَوْزاءُ |
وَاكْفُفْ شَبا العَيْنِ الطَّموحِ، فَدونَ ما | تَسْمو إلَيْهِ بِلَحْظِها أَقْذاءُ |
وَلَو اسْتُطيلَ عَلى الحِمامِ بِعِزَّة ٍ | رُفِعَتْ بِها اليَزَنِيَّة ُ السَّمراءُ |
لَتَحَدَّبَتْ صِيدُ المُلوكِ عَلى القَنا | حَيثُ القُلوبُ تُطِيرُها الهَيْجاءُ |
يَطَؤونَ أَذيالَ الدُّروعِ كَأَنَّهُمْ | أُسْدُ الشَّرَى ، وَكَأَنَّهُنَّ إضاءُ |
وَالخَيْلُ عابِسَة ُ الوُجُوهِ كَأَنَّها | تَحْتَ الكُماة ِ ، إذا انْجَرَدْنَ ، ضِراءُ |
يَفِدونَ أَحْمَدَ بِالنُّفُوسِ ، وَقَلَّما | يُغني إذا نَشِبَ المَنونُ فِداءُ |
قادَ الكَتائِبَ وَهْوَ مُقْتَبِلُ الصِّبا | حَتَّى اتَّقَتْ غَزَواتِهِ الأَعْداءُ |
وَرَمى المَشارِقَ بالمَذاكي فَارتَدى | بِعَجاجِها المَلمومَة ُ الشَّهباء |
وَلَهُ بأَطرار المَغارِبِ وَقْعَة ٌ | تُرْضي السُّيوفَ ، وغَارَة ٌ شَعْواءُ |
لَمْ يَدْفَعِ الحَدَثان عَن حَوبائِهِ | مَجدٌ أَشَمُّ وَعِزَّة ٌ قَعساءُ |
وَصَوارِمٌ مَشْحوذَة ٌ، وَأَسنَّة ٌ | مَذروبَة ٌ، وَكَتيبَة ٌ جَأواء |
لَقِحَتْ بِهِ الأَرضُ العَقسمُ وَأُسقِيَتْ | سَبَلَ الحَيا فَكَأَنَّها عُشراءُ |
وَالصَّبْرُ في رَيْعانِ كُلِّ رَزِيَّة ٍ | تَقِصُّ الجَوانِحَ عَزْمَة ٌ بَزْلاءُ |
وَلِكُلِّ نَفْسٍ مَصْرَعٌ لا تُمْتَطَى | إلاّ إلَيهِ الآلهُ الحَدباءُ |
للهِ ما اعتَنَقَ الثَّرى مِن سؤدَدٍ | شَهِدَهْ بِهِ أُكرومَة ٌ وَحَياء |
وَشَمائِلٍ رَقَّتْ كَما خَطَرتْ عَلى | زَهَرِ الرَّبيع رُوَيْحَة ٌ سَجْواءُ |
عَطِرَتْ بِهِ الأَرْضُ الفَضَاءُ كَأَنَّما | نُشِرَتْ عَلَيها الرَّوْضَة ُ الغَنَّاءُ |
لا زالَ يَنْضَحُ قَبْرَهُ دَمُ قارِحٍ | يَحبْو لَدَيهِ، وَدِيمَة ٌ وَطْفاءُ |
وَالبَرْقُ يَخْتَلِسُ الوَميضَ كَأَنَّهُ | بَلقاءُ تَمْرَحُ حَولَها الأَفلاءُ |
جَرَّ النَّسيمُ بِهِ فُضولَ عِطافِهِ | وَبَكَتْ عَلَيْهِ شَجْوَها الأَنواءُ |