هُوَ الطَّيْفُ تُهْدِيهِ إِلى الصَّبِّ أَشْجانُ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
هُوَ الطَّيْفُ تُهْدِيهِ إِلى الصَّبِّ أَشْجانُ | وَلَيْسَ لِسِرٍّ فيكَ يالَيلُ كِتمانُ |
يُحَدِّثُ عَنْ مَسْراهُ فَجْرٌ وَبارِقٌ | أَفَجرُكَ غَدّارٌ وَبَرقُكَ خَوّانُ. |
إذا أدَّرَعَ الظَّلماءَ نمَّ سَناهُما | عَلَيهِ، فَلَمْ يُؤْمَنْ رَقيبٌ وَغَيْرانُ |
وَلَيلَة ِ نَعمانٍ وَشى البَرْقُ بِالهَوى | أَلا بِأبي بَرقٌ يَمانٍ وَنَعمانُ |
سَرى وَالدُّجى مُرخى ً عَلَينا رِواقُها | يُلوّي المَطا وهنا كَما مارَ ثُعبانُ |
وَنَحنُ بِحَيثُ المُزنُ حَلَّ نِطاقَهُ | وَرَفَّ بِحِضْنَيْهِ عَرارٌ وَحَوْذانُ |
وَلِلرَّعْدِ إِعْوالٌ، وَلِلرّيحِ ضَجَّة ٌ | وَلِلدَّوْحِ تَصْفِيقٌ، وَلِلوُرْقِ إِرْنانُ |
فَللّهِ حُزْوى حينَ أَيْقَظَ رَوْضَها | رَشاشُ الحَيا والنَّجْمُ في الأفْقِ وَسْنانُ |
إذا ما النَّسيمُ الطَّلْقُ غَازَلَ بانَها | أَمالَ إلَيهِ عِطْفَهُ وَهْوَ نَشوانُ |
ولَو لَمْ يَكُنْ صَوْبُ الغَمامِ مُدامَة ً | تُعَلُّ بِها حُزْوى لَما سَكِرَ البانُ |
وَكَمْ في مَحاني ذلكَ الجِزْعِ مِنْ مَها | تُجاذِبُها ظِلَّ الأَراكَة ِ غِزلانُ |
يَلُذْنَ إذا رُمْنَ القِيامَ، بِطاعة ٍ | مِنْ الخَصْرِ يَتلوها مِنَ الرِّدْفِ عِصْيانُ |
وَيُخجِلنَ بالأَغصانِ بانَة ٍ | وَتَهزَأُ بِالكُثبانِ مِنْهُنَّ كُثْبانُ |
سَقى اللّه عَصْراً قَصَّرَ اللَّهْوُ طُولَهُ | بِها، وَعَلَينا للِشَّبيبة ِ رَيعانُ |
يَهَشُّ لِذِكراهُ الفُؤادُ، وَلَلهوى | تَباريحُ لا يُصغي إليهنّ سُلوانُ |
وَتَصْبو إلى ذاكَ الزَّمانِ، فَقَد مضَى | حَميداً وَذُمَّتْ بَعْدَ رامَة َ أَزْمانُ |
إذِ العَيْش غضٌّ ذُلِّلَتْ لي قُطوفُهُ | وَفَوْقَ نِجادِي لِلذَّوائِبِ قِنْوانُ |
أَروحُ على وَصلٍ وَأَغدو بِمثلِهِ | وَوِرْدُ التَّصابي لَمْ يُكَدِّرْهُ هِجرانُ |
وَأَصْحَبُ فِتياناً تَراهُمْ مِنَ الحِجى | كُهولاً وَهُمْ في المأزِقِ الضَّنكِ شُبانُ |
يَخُبُّ بِنا في كُلِّ حَقٍّ وَباطِلٍ | أَغرُّ وَجيهيٌّ وَوَجناءُ مِذعانُ |
كَأنّي بِهم فَوقَ المَجرّة ِ جالِسٌ | لي النَّجمُ خِدنٌ وابنُ مُزنَة َ نَدمانُ |
وَكَأْسٍ كَأَنَّ الشَّمْسَ أَلْقَتْ رِداءَهَا | عَلَيها بِحَيثُ الشُّهْبُ مَثْنى وَوُحدانُ |
إذا استَرقَصَ السَّاقي بَمَزجٍ حَبابها | تَرَدّى بِمثلِ اللُّؤلؤِ الرَّطبِ عقيانُ |
فيا طِيبَها والشَّربُ صاحٍ وَمنتَشٍ | تَخِفُّ بِها أَيدٍ، وَتَثقُلُ أَجفانُ |
دَعاني إليها مِن خُزَيمَة َ ماجِدٌ | يَزُرُّ عَلى ابن الغابِ بُرْدَيْهِ عَدْنانُ |
كَثيرٌ إليهِ النّاظِرونَ إذا بَدا | قَليلٌ لَهُ في حَوْمَة ِ الحَرْبِ أقرانُ |
رَزينُ حُصاة ِ الحِلمِ، لا يَستَزِلُّهُ | مُدامٌ، وَلا تُفشي لهُ السِّرَّ أَلحانُ |
إذا رَنَّحَتْهُ هِزَّة ُ المَدْحِ أَخْضَلَتْ | سِجالُ أَيَادِيهِ، وَلِلحَمْدِ أَثْمانُ |
تُروِّي غَليلَ المُرْهَفاتِ يَمينُهُ | إذا التَثَمَتْ في الرَّوعِ بِالنَّقعِ فُرسانُ |
وَمُلْتَهباتٍ بالوَميضِ يُزيرُها | مَوارِدَ يهديها إلَيْهنَّ خِرْصانُ |
تَحومُ عَلى اللَّبَّاتِ حَتّى كَأَنَّها | إذا أُشْرِعَتْ للِطَّعْنِ فيهنَّ أَشْطانُ |
بِيوْمٍ تَرى الرّاياتِ فيهِ كَأَنَّها | - إذا ساوَرَتْها خَطْرة ُ الرِّيح- عِقبانُ |
إذا ما اعْتَزَى طارَتْ إلى الجُرْدِ غِلْمَة ٌ | نَماهُمْ إلى العَلياءِ جِلدٌ وَرَيّانُ |
سَأَلْتُهُمُ: مَنْ خَيْرُ سعْدِ بنِ مالِكٍ | إذا افتخَرَتْ في نَدوة ِ الحَيِّ دوُدان |
فَقالُوا: بِسَيْفِ الدَّوْلَة ابنِ بَهائِها | تُناضِحُ عَدنانٌ إذا جاشَ قَحْطانُ |
قَريعا نِزارٍ في الخُطوبِ، إذا دَجَتْ | أَضاءَتْ وُجوهٌ، كَالأَهلَّة ِ غُرَّانُ |
يَلوذُ بَنو الآمالِ في كَنَفَيْهما | عَلى حينَ لاتَفْدي العَراقِيبَ أَلْبانُ |
بِلَيثَي وغى ً، غَيثَي نَدى ً، فَكِلاهُما | لَدى المَحْلِ مِطْعامٌ، وفي الحَرْبِ مِطْعانُ |
هُما نَزَلا مِنْ قَلْبِ كُلِّ مُكاشِحٍ | بِحَيثُ تُناجي سَورة َ الهَمِّ أَضعانَ |
مِنَ المَزْيَدِيّينَ الأُلَى في جَنابِهمْ | لِمُلْتَمِسي المَعْروفِ أَهْلٌ وأَوطانُ |
نَماهُم أَبو المِظفارِ وَهْوَ الّذي احتمَى | بِهِ حاتِمٌ إذْ شُلَّ لِلْحَيِّ أَظْعانُ |
لَهُمْ سَطَواتٌ يَلْمَعُ المَوتُ خَلفَها | وَظِلٌّ حَبا مِنْ دُونِهِ الأَمْنُ فَينانُ |
وَأَفْنِيَة ٌ مُخضَرَّة ٌ عَرَصاتُها | تَزَاحَمَ سُؤَّالٌ عَلَيها وَضِفانُ |
ذَوُو القَسَماتِ البِيضِ وَالأُفْقُ حالِكٌ | مِنَ النَّقْعِ كاسٍ وَالمُهنَّدُ عُريانُ |
وَأَهلُ القِبابِ الحُمْرِ والنَّعَمِ التي | لَها العِزُّ مَرْعى ً وَالأَسِنَّة ُ رُعْيانُ |
وَخَيلٍ عَلَيها فِتْيَة ٌ ناشِرِيَّة ٌ | طَلائِعُهُمْ مِنْها عُيونٌ وَآذانُ |
هُمُ مَلَؤوا صَحْنَ العِراقِ فَوارِساً | كَأَنَّهُمُ الآسادُ، وَالنَّبْلُ خَفَّانُ |
يَخوضُ غِمارُ المَوْتِ مِنْهُمْ غَطارِفٌ | رِزانٌ لَدى البيضِ المَباتيرِ شُجعانُ |
بِكُلِّ فَتى ً مُرْخَى الذُّؤابَة ِ باسِلٍ | عَلى صَفْحَتيهِ لِلنَّجابَة ِ عُنوانُ |
يُجَرِّرُ أَذيالَ الدُّروعِ، كَأَنَّهُ | غَداة َ الوَغى صِلٌّ تُوارِيهِ غُدْرانُ |
وَيُكرِمُ نَفساً، إنْ أُهينَتْ أَراقَها | بِمُعْتَرَكٍ يُروي القَنا وَهْوَ ظَمآنُ |
لَهُ عِمَّة ٌ لَوْثْاءُ تَفْتَرُّ عَنْ نُهى ً | عَلِمنا بِها أَنَّ العَمائِمَ تيجانُ |
إذا مارمَى تاجُ المُلوكِ بِهِ العِدا | تَوَلَّوا كَما ينصاعُ بالقاعِ ظِلْمانُ |
أَغَرُّ، إذا لاحَت أسِرَّة ُ وجههِ | تَبَلَّجْنَ عَنْ صُبْحٍ، وَلِلَّيْلِ إجْنانُ |
مَنيعُ الحِمَى ، لا يَخْتِلُ الذِئْبُ سَرْحَهُ | وَمِنْ شِيمِ السِّرحانِ خَتْلٌ وَعُدوانُ |
لَهُ هَيبة ٌ شِيبت بِبشرٍ كَما التَقَتْ | مِياهٌ بِمَتْنِ المَشْرَفيِّ وَنيرانُ |
وَبَيْتٌ يمِيسُ المَجْدُ حَوْلَ فِنائِهِ | وَجيرانُهُ لِلأَنجُمِ الزُّهرِ جيرانُ |
فَأَطْنابُهُ أَسْيافُهُ، وَعِمادُهُ | رُدَينِيَّة ٌ مُلْسُ الأَنَابيبِ مُرَّانُ |
وَلَو كانَ في عَهْدِ الأَحاليفِ أَعْصَمَتْ | بِهِ أَسَدٌ يَوْمَ النِّسارِ وذَبْيانُ |
أَيا خَيرَ مَنْ يَتلوهُ في غَزَواتِهِ | على ثِقَة ٍ بالشَّبعِ، نَسرٌ وسِرحانُ |
دَعَوْتُكَ لِلْجُلَّى فَكَفْكَفَ غَرْبَها | هُمامٌ، أَياديهِ على الدَّهرِ أَعوانُ |
رَفعتَ لِصَحبي ضوءَ نارٍ عَتيقة ٍ | بِهَا يَهتدي السّارونَ والنَّجْمُ حَيرانُ |
وَفاءَ عَلَيْهمْ ظِلُّ دَوْحَتِكَ الّتي | تُناصي السُّها مِنها فُروعٌ وَأَفْنانُ |
فَلَمْ يَذْكُروا الأوْطانَ وَهْيَ حَبيبَة ٌ | إلَيْهمْ، وَلا ضاقَتْ عَلى العِيسِ أَعطانُ |
ومَا المَجْدُ إلاّ نَبْعَة ٌ خِنْدِفِيَّة ٌ | لهَا العُرْبُ جِيرانٌ وَدودانُ أَغْصانُ |