عادَ الهمومُ وما يدري الخليُّ بها
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
عادَ الهمومُ وما يدري الخليُّ بها | وَاسْتَوْرَدَتْنِي كَمَا يُسْتَوْرَدُ الشَّرَعُ |
فبتُّ أنجو بها نفساً تكلّفني | مَا لاَ يَهُمُّ بِهِ الْجَثَّامَة ُ الْوَرَعُ |
ولومِ عاذلة ٍ باتتْ تؤرّقني | حَرَّى الْمَلاَمَة ِ مَا تُبْقِي وَمَا تَدَعُ |
لَمَّا رَأَتْنِيَ أقْرَرْتُ اللِّسَانَ لَهَا | قَالَتْ أَطِعْنِيَ والْمَتْبُوعُ مَتَّبَعُ |
أخْشَى عَلَيْكَ حِبَالَ الْمَوْتِ رَاصِدَة ً | بكلِّ موردة ٍ يرجى بها الطّمعُ |
فَقُلْتُ: لَنْ يُعْجِلَ الْمِقْدَارُ عُدَّتَهُ | وَلَنْ يُبَاعِدَهُ الإشْفَاقُ والْهَلَعُ |
فَهَلْ عَلِمْتِ مِنَ الأَقْوَامِ مِنْ أحَدٍ | عَلَى الْحَدِيثِ الَّذي بالْغَيْبِ يَطَّلِعُ |
وَلِلْمَنِيَّة ِ أسْبَابٌ تُقَرِّبُهَا | كما تقرّبَ للوحشيّة ِ الذّرعُ |
وَقَدْ أَرَى صَفْحَة َ الْوَحْشِيِّ يُخْطِئُهَا | نبلُ الرّماة ِ فينجو الآبدُ الصّدعُ |
وَقَدْ تَذَكَّرَ قَلْبِي بَعْدَ هَجْعَتِهِ | أيَّ البلادِ وأيَّ النّاسِ أنتجعُ |
فقلتُ بالشّامِ إخوانٌ ذوو ثقة ٍ | مَا إنْ لَنَا دُونَهُمْ رِيٌّ وَلاَ شِبَعُ |
قومٌ همُ الذّروة ُ العليا وكاهلها | وإنْ يضنّوا فلا لومٌ ولا قذعُ |
وَكَمْ قَطَعْتُ إلَيْكُمْ مِنْ مُوَدَّأَة ٍ | كَأنَّ أعْلاَمَهَا فِي آِلِهَا الْقَزَعُ |
غَبْرَاءَ يَهْمَاءَ يَخْشَى الْمُدْلِجُونَ بِهَا | زَيْغَ الْهُدَاة ِ بِأَرْضٍ أهْلُهَا شِيَعُ |
كأنَّ أينقنا جونيُّ موردة ٍ | مُلْسُ الْمَنَاكِبِ فِي أعْنَاقِهَا هَنَعُ |
قَوَارِبُ الْمَاءِ قَدْ قَدَّ الرَّوَاحُ بِهَا | فَهُنَّ تَفْرَقُ أحْيَاناً وَتَجْتَمِعُ |
صُفْرُ الْحَنَاجِرِ لَغْوَاهَا مُبَيَّنَة ٌ | في لجّة ِ اللّيلِ لمّا راعها الفزعُ |
يَسْقِينَ أوْلاَدَ أبْسَاطٍ مُجَدَّدَة ٍ | أردى بها القيظُ حتّى كلّها ضرعُ |
صيفيّة ٌ حمكٌ حمرٌ حواصلها | فما تكادُ إلى النّقناقِ ترتفعُ |
يَسْقِينَهُنَّ مُجَاجَاتٍ يَجِئْنَ بِهَا | منْ آجنِ الماءِ محفوفاً بهِ الشّرعُ |
بَاكَرْنَهُ وَفُضُولُ الرِّيحِ تَنْسُجُهُ | معانقاً ساقَ ريّا ساقها خرعُ |
كَطُرَّة ِ الْبُرْدِ تُرْوَى الصَّادِيَاتُ بِهِ | مِنَ الأَجَارعِ لاَ مِلْحٌ وَلاَ نَزَعُ |
لمّا نزلنَ بجنبيهِ دلفنَ لهُ | جوادفُ المشي منها البطءُ والسّرعُ |
حتّى إذا ما ارتوتْ منْ مائهِ قطفٌ | تسقي الحواقنَ أحياناً وتجترعُ |
ولّتْ حثاثاً توالها وأتبعها | مِنْ لاَبَة ٍ أسْفَعُ الخَدَّيْنِ مُخْتَضِعُ |
يسبقنَ بالقصدِ والإيغالِ كرّتهُ | إذَا تَفَرَّقْنَ عَنْهُ وَهْوَ مُنْدَفِعُ |
ململمٌ كمدقِّ الهضبِ منصلتٌ | مَا إنْ يَكَادُ إذَا مَا لَجَّ يُرْتَجَعُ |
حتّى انتهى الصّقرُ عنْ حمٍّ قوادمهَ | تدنو منَ الأرضِ أحياناً وما تقعُ |
وَظَلَّ بالأُكْمِ مَا يَصْري أرَانِبَهَا | منْ حدِّ أظفارهِ الجحرانُ والقلعُ |
بلْ ما تذكّرُ منْ هندٍ إذا احتجبتْ | بِابْنَيْ عُوَارٍ وَأَمْسَى دُونَها بُلَعُ |
وجاورتْ عبشميّاتٍ بمحنية ٍ | يَنْأَى بِهِنَّ أَخُو دَاوِيَّة ٍ مَرِعُ |
قَاصِي الْمَحَلِّ طَبَاهُ عَنْ عَشِيرَتِهِ | جُزْءٌ وَبَيْنُونَة ُ الْجَرْدَاءِ أوْ كَرَعُ |
بحيثُ تلحسُ عنْ زهرٍ ملمّعة ٍ | عِينٌ مَرَاتِعُهَا الصَّحْرَاءُ وَالجَرَعُ |