ما هبّتِ الريحُ إلاّ هزّني الطّرَبُ،
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
ما هبّتِ الريحُ إلاّ هزّني الطّرَبُ، | إذ كانَ للقَلبِ في مَرّ الصَّبا أرَبُ |
لذاكَ إن هَيمَنتْ في الدّوحِ أُنشِدُه: | بيني وبينكَ يا دَوحَ الحِمى نَسَبُ |
يا جِيرَة َ الشِّعبِ، لولا فَرطُ بُعدِكُمُ | لمَا غَدا القَلبُ بالأحزانِ يَنتَعِبُ |
فهَلْ يَجودُ بكُمْ عَدلُ الزّمانِ لَنا | يوماً، وترفعُ فيما بيننا الحُجُبُ |
يا سادَة ً ما ألفنا بعدَهم سكناً، | ولا اتّخَذنا بَديلاً حينَ نَغتَرِبُ |
بودّكم صارَ موصولاً بكم نسبي؛ | إنّ المَودَة َ في أهلِ النُّهَى نَسَبُ |
جميلُكُم كانَ في رِقّي لكُم سَبَبَا، | لا يوجدُ الحكمُ حتى يوجدَ السببُ |
فكَيفَ أنساكُمُ بَعدَ المَشيبِ، وقَد | صاحبتُكم، وجلابيبُ الصِّبا قُشُبُ |
أم كيفَ أصبرُ مغتراً بأُمنية ٍ، | والدّارُ تبعدُ، والآجال تقتربُ |
قد زرتُكم وعيونُ الخَطبِ تلحظُني | شَزراً، وتَعثرُ في آثاريَ النُّوَبُ |
وكم قَصدَتُ بلاداً كيْ أمرّ بكُمْ، | وأنتمُ القَصدُ لا مِصرُ ولا حَلَبُ |
وكم قَطَعتُ إليكُم ظَهَرَ مُقفِرَة ٍ، | لا تَسحَبُ الذّيلَ في أرجائها السُّحبُ |
ومَهمَهٍ كسماءِ الدَّجنِ معتكرٍ، | نَواظِرُ الأسدِ في ظَلمائِهِ شُهبُ |
حتى وَصَلتُ إلى نَفسٍ مُؤيَّدَة ً، | منها النُّهَى واللُّهَى والمجدُ يكتسبُ |
بمجلسٍ لو رآهُ الليثُ قالَ بهِ: | يا نَفسِ في مثلِ هذا يَلزَمُ الأدَبُ |
مَنازِلٌ لو قَصَدناها بأرؤسِنا، | لكانَ ذاكَ علَينا بَعضَ ما يَجِبُ |
ملكٌ بهِ افتحرتْ أيّامُهُ شرَفاً، | واستبشرتْ بمعالي مجدِهِ الرُّتَبُ |
وقالتِ الشمسُ: حسبي أن فخرتُ به، | وجهي له شَبَهٌ، واسمي لهُ لَقَبُ |
لا يعرفُ العفوَ إلاّ بعدَ مقدرة ٍ، | ولا يرَى العذرَ إلاّ بعدَما يَهَبُ |
سَماحُهُ عُنوِنَتْ بالبِشرِ غايَتُها، | كما تُعَنونُ في غاياتِها الكُتُبُ |
وهمة ٌ حارَ فكرُ الواصفينَ لها، | حتى تشابَهَ منها الصّدقُ والكذِبُ |
قالوا: هوَ البدرُ؛ قلتُ: البدرُ مُمّحِقٌ | قالوا: هو الشمس؛ قلتُ: الشمس تحتجبُ |
قالوا: هو الغيثُ؛ قلتُ: الغيثُ مُنتظَرٌ. | قالوا: هو اللّيثُ؛ قلتُ: اللّيثُ يُغتصَبُ |
قالوا: هو السّيلُ ، قلتُ: السّيلُ مُنقطعٌ | قالوا: هو البحرُ ، قلتُ: البحُر مُضطرِبُ |
قالوا: هو الظلّ؛ قلت: الظلّ مُنتَقلٌ. | قالوا: هو الدّهرُ؛ قلتُ: الدّهرُ مُنقَلِبُ |
قالوا: هو الطّودُ؛ قلتُ: الطود ذو خرَس. | قالوا: هو الموتُ؛ قلتُ: الموتُ يُجتَنَبُ |
قالوا: هو السّيفُ؛ قلتُ: السّيفُ ننَدُبه، | وذاكَ من نفسهِ بالجودِ ينتدبُ |
قالوا: فَما منهمُ يَحكيه؛ قلتُ لهم: | كلٌّ حكاهُ، ولكنْ فاتَهُ الشنَبُ |
يا ابنَ الذينَ غَدَتْ أيّامُهم عِبَراً | بينَ الأنامِ، بها الأمثالُ قد ضربُوا |
كالأُسُدِ إن غضِبوا، والموتِ إن طلَبوا، | والسّيفِ إن نُدبوا، والسّيلِ إن وهبُوا |
إن حكموا عدلوا، أو أمّلوا بَذَلوا، | أو حوربوا قتلوا، أو غولبوا غَلَبُوا |
سريتَ مسراهمُ في كلّ منقبة ٍ، | لم يَسرِها بَعدَهم عُجمٌ ولا عَربُ |
وفُقتَهُمْ بخِلالٍ قد خُصِصتَ بها، | لولا الخصوصُ تساوى العودُ والحطبُ |
حَمَلتَ أثقالَ مُلكٍ لا يُقامُ بها، | لو حملتها الليالي مسّها التعبُ |
وحُطتَ بالعدلِ أهلَ الأرضِ كلّهمُ، | كأنّما النّاسُ أبناءٌ، وأنتَ أبُ |
لكلّ شيءٍ، إذا عللتَهُ، سببٌ، | وأنتَ للرّزقِ في كلّ الورى سببُ |
مولايَ! دِعوَة َ عَبدٍ دارُهُ نَزَحَتْ، | عليكمُ قربه بل قلبهُ يجبُ |
قد شابَ شعري وشعري في مديحكمُ، | ودُوّنَتْ بمَعاني نَظميَ الكُتُبُ |
فالنّاسُ تَحسُدُكم فيهِ، وتحسُدُه | فيكُم، وليسَ له في غَيرِكم طلَبُ |
فلا أرتنا اللّليالي منكمُ بدلاً؛ | ولا خلَتْ منكُمُ الأشعارُ والخُطَبُ |