دارتْ على الدوحِ سلافُ القطرِ
دارتْ على الدوحِ سلافُ القطرِ | فرَنّحَتْ أعطافَهُ بالسُّكرِ |
ونبهَ الورقَ نسيمُ الفجرِ، | فغردتْ فوقَ الغصونِ الخضرِ |
تُغني عن العُودِ وصوتِ الزَّمرِ | |
تَبَسّمتْ مَباسِمُ الأزهارِ، | وأشرَقَ النّوارُ بالأنوارِ |
وظَلّ عِقدُ الطّلّ في نِثارِ، | وباكَرَتها دِيَمُ الأمطارِ |
فكَلّلَتْ تيجانَها بالدُّرِّ | |
قد أقبَلَتْ طَلائعُ الغُيومِ | إذْ أذنَ الشتاءُ بالقدومِ |
فمُذْ حَداها سائِقُ النّسيمِ، | عفتْ رُبَى العقيقِ والغميمِ |
وباكَرَتْ أرضَ دِيارِ بَكرِ | |
أما تَرى الغَيمَ الجديدَ قَد أتَى | مبشراً بالقربِ من فصلِ الشتا |
فاعقُرْ هُمومي بالعُقارِ، يا فتى ، | فتركُ أيامِ الهنا إلى متى ؟ |
فإنها محسوبة ٌ من عمري | |
فانهضْ لنهبِ فرصة ِ الزمانِ، | فلَستَ من فَجواهُ في أمانِ |
واشرَبْ على النّاياتِ والمَثاني، | إنّ الخَريفَ لرَبيعٌ ثَانِ |
فاتممْ حلاهُ بكؤوسِ الخمرِ | |
فصلٌ لنا في طيهِ سعودُ، | بعودهِ أفراحنا تعودُ |
يقدمُ فيهِ الطّائرُ البَعيدُ، | في كلّ يومٍ للرماة ِ عيدُ |
كأنهُ بالصرعِ عيدُ النحرِ | |
هَذي الكَراكي نحوَنا قد قَدِمتْ | فاقِدَة ً لإلفِها قَد عَدِمَتْ |
لو علمتْ بما تلاقي ندمتْ، | فانظُرْ إلى أخياطِها قد نُظِمَتْ |
شبهَ حُروفٍ نُظِمتْ في سَطرِ | |
تَذكّرَتْ مَرتَعها، فَشاقَها، | فأقبَلَتْ حامِلَة ً أشواقَها |
تجيلُ في مطارِها أحداقَها، | تَمُدُّ مِن حَنينِها أعناقَها |
لم تدرِ أنّ مداها للجزرِ | |
يا سَعدُ كُنْ في حُبّها مُساعدي، | فإنّهُ مُذْ عِشتُ مِن عَوائدي |
ولا تَلُمْ مَن باتَ فيها حاسِدي، | فلَوْ تَرى طَيَر عِذارِ خالِدِ |
أقمتَ في حبّ العذارِ عذري | |
طيرٌ بقدرِ أنجمِ السماءِ، | مُختَلِفُ الأشكالِ والأسماءِ |
إذا جلا الصبحُ دجى الظلماءِ، | يَلوحُ مِنْ فَوقِ طَفيحِ الماءِ |
شبهَ نُقوشٍ خُيّلَتْ في سِترِ | |
في لجة ِ الأطيارِ كالعساكرِ، | فهنّ بَينَ وارِدٍ وصادِرِ |
جليلُها ناءٍ عن الأصاغِرِ، | محدودة ٌ منذُ عهودِ النّاصِرِ |
مَعدودَة ٌ في أربَعٍ وعَشْرِ | |
شُبَيطَرٌ ومِرزَمٌ وكُركي، | وصِنفُ تَمٍّ مع إوَزٍّ تُركي |
ولَغلَغٌ يُشبِهُ لونَ المِسكِ، | والكيُّ والعنازُ، يا ذا الشكَ |
ثمّ العُقابُ مُلحَقٌ بالنّسرِ | |
ويَتبَعُ الأرنوقَ صِنفٌ مُبدعُ، | أنيسَة ٌ إنسيّة ٌ إذْ تُصرَعُ |
والضّوُّ والْحبرجْ فِهيَ أجمَعُ، | خَمسٌ وخمسٌ كملَتْ وأربَعُ |
كأنّها أيامُ عمرِ البدرِ | |
فابكُرْ إلى دِجلَة َ، والأقطاعِ، | فإنها من أحدِ المساعي |
واعجبْ لما فيها من الأنواعِ | من سائرِ الخليلِ والمراعي |
وضَجّة ِ الشِّيقِ وصوتِ الخُضرِ | |
ما بينَ تمٍّ ناهضٍ وواضِعِ | وبينَ نسرٍ طائرٍ وواقِعِ |
وبينَ كَيٍّ خارِجٍ وراجِعِ، | ونَهضَة ِ الطّيرِ مِن المَراتِعِ |
كأنّها أقطاعُ غيمٍ تسرِي | |
أما تَرى الرّماة َ قد تَرَسّمُوا، | ولارتقابِ الطّيرِ قد تَقَسّمُوا |
بالجفتِ قد تدرّعوا وعمموا | لمّا على سَفْك دِماها صَمّمُوا |
جاؤوا إليها في ثيابٍ حمرِ | |
قد فزِعوا عن كلّ عُرْبٍ وعَجَمْ | وأصبَحوا بينَ الطِّرافِ والأجَمْ |
من كلّ نَجمٍ بالسّعودِ قد نجَمْ | وكلّ بَدرٍ بالشّهابِ قد رَجَمْ |
عن كلّ محنتي شديدِ الظهرِ | |
محنية ٌ في رفعها قد أدمجتْ، | أدرَكهَا التّثقيفُ لمّا عُوّجَتْ |
قد كبستْ بيوتُها وسرجتْ | كأنّها أهلة ٌ قد أخرجتْ |
بنادقاً مثلَ النجومِ الزهرِ | |
قد جودتْ أربابُها متاعها، | وأتعبَتْ في حَزمِها صُنّاعَها |
وهَذّبتْ رُماتُها طِباعَها، | إذا لمَستَ خابراً أقطاعَها |
حَسِبتَها مَطبوعة ً من صَخرِ | |
إذا سمعتُ صرخة َ الجوارحِ | تَصبو إلى أصواتِها جَوارِحي |
وإنْ رأيتُ أجمَ البطائحِ، | ولم أكنْ ما بينها بطائحِ |
يضيقُ عن حملِ الهمومِ صدري | |
من لي بأنّي لا أزالُ سائحا، | بينَ المَرامي غادِياً ورائِحَا |
لو كانَ لي دَهري بذاكَ سامِحَا، | فالقُربُ عندي أن أبيتَ نازِحَا |
أقطعُ في البيداءِ كلّ قفرِ | |
نذرتُ للنفٍ، إذا تمّ الهنا، | وزُمّتِ العِيسُ لإدراكِ المُنَى |
أنْ أقرِنَ العزّ لديها بالغنَى | حتى رأتْ أنّ الرحيلَ قد دنَا |
فَطالَبَتني بوَفاءِ نَذرِي | |
تَقُولُ لي لمّا جَفاني غُمضِي، | وأنكرتْ طولَ مقامي أرضِي |
وعاقني صرفُ الرّدى عن نَهضِي: | ما للّيالي أُولِعَتْ بخَفضِي |
كأنّها بَعضُ حُرُوفِ الجَرّ | |
فانهضْ ركابِ العزم في البيداءِ، | وأزورَ بالعيسِ عن الزوراءِ |
ولا تُقِمْ بالمَوصِلِ الحَدباءِ، | إنّ شِهابَ القَلعَة ِ الشّهباءِ |
يحرقُ شيطانَ صروفِ الدهرِ | |
نجمٌ بهِ الأنامُ تستدلُّ، | مَن عَزّ في حِماهُ لا يَذِلُّ |
في القرّ شمسٌ والمصيفِ ظلُّ، | وبلٌ على العفاة ِ مستهلُّ |
أغنى الأنامَ عن هتونِ القطرِ | |
لو قابَلَ الأعمَى غَدا بَصيرَا، | ولو رأى مَيتاً غَدَا مَنشُورَا |
ولو يشا الظلامَ كانَ نورَا، | ولو أتاهُ اللّيلُ مُستَجِيرَا |
أمنهُ من سطواتِ الفجرِ | |
لذْ بربوعِ الملكِ المنصورِ، | مُحيي الأنامِ قَبلَ نَفخِ الصّورِ |
باني العُلا، قبلَ بِنا القصورِ، | قاتلَ كلّ أسدٍ هصورِ |
مَلّكَهُ اللَّهُ زِمامَ النّصرِ | |
ملكٌ كأ،ّ المالَ من عداتِهِ، | يرَى حَيَاة َ الذّكرِ في مَماتِهِ |
قد ظهرَ العزُّ على أوقاتِهِ، | وأشرَقَ النّورُ على لَيلاتِهِ |
كأنّها بَعضُ لَيالي القَدرِ | |
أصَبَحَ في الأرضِ لَنا خَليفَة ، | نَعِزُّ في أربُعِهِ المألُوفَه |
قد سمحتْ أكفهُ الشريفه، | وألهمتْ عزمتُهُ المنيفه |
بكَسرِ جَبّارٍ وجَبرِ كَسرِ | |
يَخضَعُ هامِ الدّهرِ فوقَ بابهِ، | وتسجدُ الملوكُ في أعتابِه |
وتَخدُمُ الأقدارُ في رِكابِهِ، | تَرومُ فَضلَ العِزّ مِن جَنابِه |
وتستَمِدُّ اليُسرَ بَعدَ العُسرِ | |
محكمٌ ناءٍ عن الأغراضِ، | وجَوهَرٌ خالٍ من الأعراضِ |
يُهابُ كالسّاخطِ وهوَ راضِ، | قد مهدتْ أراؤهُ الأراضي |
وأهلكتْ كفاهُ جيشَ الفقرِ | |
لمّا رأى أيّامَهُ جُنودَا، | والنّاسَ في أعتابِهِ سُجودَا |
أرادَي دولتِهِ مزيدَا، | فأعتقتْ أكفهُ العبيدَا |
واستَعبدَتْ بالجُودِ كلّ حُرّ | |
يا ملكاً تحسدُهُ الأملاكُ، | وتقتدي بعزمِهِ الأفلاكُ |
يَهابُهُ الأعرابُ والأتراكُ، | لهُ بما تضمرهُ إدراكُ |
كأنّهُ مُوَكَّلٌ بالسّرّ | |
قُربي إليكُمْ لا العَطاءُ سُولي، | وودكُمْ لا غيرهُ مأمولي |
إذا جَلَيتُ كاعبَ الفُصول | لا أبتغي مهراً سوى القبولِ |
إنّ القَبولَ لا لأجلِ مَهرِ | |
لا برحتْ أفراحُكُمْ مجددة ، | وأنفُسُ الضّدّ بكم مُهَدَّدَه |
وأربُعُ المَجدِ بكُمْ مُشَيَّدَه، | والأرضُ من آرائِكُمْ مُمَهَّدَه |
والدّهرُ بالأمنِ ضَحوكُ الثّغرِ |